منذ عام 1925، أي منذ 93 عامًا، يُعد لبنانيًا كل شخص مولود من (أب) لبناني، فماذا عن حق (الأم) اللبنانية في إعطاء الجنسية لأطفالها اليوم؟
 

"يُعد لبنانيًا كل شخص مولود من (أب) لبناني"؛ هذا ما  ينص عليه قانون الجنسية اللبناني الذي صدر عام 1925، الذي لا يسمح للمرأة اللبنانية بإعطاء جنسيتها إلى زوجها أو أولادها، إلا في حالات محددة يندر أن تحدث في الواقع.
وحتى اليوم تُناضل المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني في سبيل إعطاءها الجنسية لأطفالها، واللافت أن بعض الأحزاب السياسية وعدت بإعطاء المرأة هذا الحق، وأدرجته ضمن برنامجها الإنتخابي، رغم أنها سابقًا كانت قد وعدت به دون جدوى، فلماذا تُقصّر الأحزاب السياسية في إعطاء هذا الحق رغم الوعود الإنتخابية؟ وما هو دور الجمعيات فيما يخص هذه القضية؟

دور الأحزاب السياسية

تُشير المعلومات أن "القوى السياسية الشيعية والسنية والدرزية توافق على مطلب إعطاء المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها، وفيما يخص القوى المسيحية يوافق حزبا القوات اللبنانية والكتائب الذين يمثلان نصف المسيحيين تقريبًا، وبرغم ذلك لم يعرف القانون طريقه إلى الإقرار".
أما التيار الوطني الحر يُعد أول الرافضين لهذا الحق، حيث يعتبر التيار أنه "عوضًا عن منح المرأة هذا الحق، يسمح لها بمنح أولادها وزوجها إقامة دائمة في لبنان، وإعطائهم كل الحقوق ما عدا الحقوق السياسية".
وسابقًا طرح تيار المستقبل إعطاء المرأة اللبنانية الحق في منح الجنسية لأولادها، كون هذا المطلب سيسمح بنقل الجنسية اللبنانية إلى نحو 400 ألف، ما سيوازن المفعول الديموغرافي لقانون استعادة الجنسية، الأمر الذي دفع بالتيار الوطني الحر إلى الرفض، حيث رفض رئيسه، وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، "مقايضة" استعادة الجنسية لـ"لبنانيين أصيلين" بتجنيس أشخاص من جنسيات أخرى.

ومن أبرز أسباب الرفض:

- التخوف من زيادة الكثافة السكانية في لبنان في ظل شح الموارد التي لا تفي حاجة أبناء لبنان.
- الخشية من توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويعتبر الرافضون أن إقرار حق المرأة إعطاء الجنسية لأطفالها سيشجّع على ارتفاع معدّل تزوّج اللبنانيات من فلسطينيين، وبالتالي يعد ذلك كذريعة لحرمان المرأة من هذا الحق. 
- التخوّف من اللاجئين السوريين أيضًا، فكما قضية الزواج من اللاجئين الفلسطينيين، هناك تخوّف من إزدياد زواج اللبنانيات من السوريين خصوصًا في هذه المرحلة، وهذا ما سيؤدي إلى إكتظاظ سكاني في لبنان، ما سيؤدي إلى عرقلة عودة النازحيين إلى بلادهم.

إقرأ أيضًا: معركة بين مختلف القوى المسيحية في المتن والمر وحيدا

مشروع باسيل الجديد

عقد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل يوم أمس الأربعاء في قصر بسترس مؤتمرًا صحافيًا، أثار فيه ملف حق المرأة اللبنانية في منح جنسيتها لأبنائها، مشيرًا إلى نيته "التقدّم بمشروع قانون لإعطاء المرأة اللبنانية الحقّ بمنح الجنسية لأبنائها إذا كانت متزوجة من غير لبناني باستثناء دول الجوار أي تحديدًا فلسطين وسوريا، بحُجّة "أن الدستور يحظر التوطين، وأن الدولة اللبنانية مُتمسّكة بحقّ العودة للفلسطينين وإعادة النازحين السوريين" على حد اعتبار باسيل.
وفي هذا السياق، اعتبر البعض أن قرار باسيل ينتقص من حق المرأة في إختيار شريك حياتها مهما كانت جنسيته، ما يعني أن ما طرحه باسيل يخلق نوعًا من العنصرية والتفريق بين الأمهات، وهذا الأمر مرفوض من قبل جميع الإتفاقيات الدولية الراعية لحقوق الإنسان، الأمر الذي دفع السيدات اللبنانيات إلى الشعور بخيبة أمل كبيرة من مشروع باسيل الجديد، في وقت تنص فيه المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان على أن لكل فرد حقُّ التمتع بجنسية ما، ولا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفًا.

 

إقرأ أيضًا: إنتخابات ذات رمزية رئاسية في كسروان - جبيل


دور المجتمع المدني

لازالت السيدات اللبنانيات تخضن معارك الحصول على حق إعطاء الجنسية لأولادهن، والتحرر من عاهات المجتمع الذكوري،  وعلى صعيد المجتمع المدني، طالبت العديد من الجمعيات والحملات منها حملة "جنسيّتي حق لي ولأسرتي"  بضرورة حصول المرأة اللبنانية حقها منح الجنسية اللبنانية لأطفاله.
وطرح المجتمع المدني مبدأ مساواة المرأة بالرجل انطلاقًا من مفهوم المواطنة، انسجامًا مع الاتفاقيات الدولية، والمطالبة بمنح المرأة حق إعطاء الجنسية لأطفالها.
ومن الناحية الحقوقية، يعتبر الحق في الجنسية مكرسٌ في عدد من الصكوك القانونية الدولية، منها: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وحاليًا تسعى الجمعيات إلى الحثّ على تشكيل لوبي وقوى ضاغطة لمساندة هذه القضية خصوصًا في هذه المرحلة تحديدًا مرحلة الإنتخابات، ما يعني أنه على مجلس النواب الجديد أن يضع هذه القضية ضمن أولوياته خصوصًا أن معظم المرشحين تقريبًا قد طرحوا حق إعطاء المرأة الجنسية اللبنانية لأبنائها وقدموا وعودًا بتحقيق ذلك.