لم تثر اللقاءات التي عقدها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في روما، مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، ارتياحاً عاماً. ثمة قلق ساد بعض الاوساط السياسية، في الاكثرية والمعارضة، حول العناوين التي يريد الراعي بحثها، بتكليف من الرئيسين وبمباركة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، مع الاقطاب الموارنة في اجتماعهم المرتقب في بكركي.
هذا القلق يعبر عنه النائب السابق فارس سعيد، ليس بصفته منسقاً للامانة العامة في قوى 14 آذار انما بصفته مؤسسا للقاء سيدة الجبل، ولقاء قرنة شهوان، وأحد العاملين على دفع المثقفين والنخب المارونية لحوار حول دور بكركي الراهن في تأمين مظلة لجميع اللبنانيين وليس لمن يريد العودة الى الوراء والتقوقع.
يقول سعيد: «لطالما كان الموارنة ينظرون الى دور بكركي في المفاصل الاساسية كبوصلة حقيقية لترسم معهم الضمانات الكفيلة لتأمين موقعهم واعادة صياغة دورهم. هذا ما حصل اعوام 1920 و1943 و 1958و 1989، وخصوصا عام 2000 حين رفعوا شعار الدفاع عن فكرة لبنان العيش المشترك. وتميزت الكنيسة المارونية، بعكس الكنيسة الارثوذكسية، بأنها كانت ولا تزال تحمل راية العيش المشترك في لبنان ولم ترفع ولا مرة عنوانا مسيحيا بل اعتبرت ان سلامة الموارنة من سلامة لبنان. بدليل ان مجلس المطارنة طرح خروج الجيش السوري من لبنان بهدف ان ينطلق من مربع مسيحي ليعبر الى الطوائف الاخرى، وان يصبح عنواناً وطنياً جامعاً، وهو ما سعت اليه في مصالحة الجبل ومع الرئيس رفيق الحريري وفي اللقاء اللبناني للحوار مع حزب الله وحركة امل». ويضيف: «الغريب اليوم اننا، مع البطريرك الراعي، عدنا نسمع ان هناك اولويات مارونية وكأنها منفصلة عن اولويات البلد. وهكذا اولويات ستولّد حكما اجتماع رؤساء الحكومات السنة للنظر في مصير مفتي الجمهورية، واجتماعا لمرجعيات شيعية للبحث في مصلحة الطائفة، وكذلك الامر مع الطائفة الدرزية».
في قانون الانتخاب، يشير سعيد الى أن «الموارنة اجتمعوا في بكركي، وخرج بعض الاساقفة ليدافعوا عن وجهة نظرهم وطرحوا نموذجاً لقانون انتخاب شكّل صدمة عند افرقاء كثر من اللبنانيين، ومنهم علمانيون مسيحيون ومسلمون. ولم يتجاوب احد معه سوى حزب الله الذي دعم المشروع الارثوكسي برموش العيون. لكن بعد شهرين، وبعد سجالات الاطراف المسيحيين الذين اجتمعوا في بكركي، يعود الراعي ويُكلف بطرح مشروع جديد وتسويقه ونقاشه مع القوى المسيحية. لذا نسأل: لماذا ذهبنا الى المشروع الاول ولماذا عدنا عنه بعد شهرين؟ انا اعتقد ان حزب الله يرغب بتأجيل العملية الانتخابية، لكن عنوان التأجيل عنوان صعب وشائك ويجب تبريره امام الرأي العام الوطني ودوائر القرار العربي والدولي خصوصاً. لماذا يدخل البطريرك في هذا الموضوع؟ هل يحمّل الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي البطريرك الماروني والموارنة عملية تأجيل الانتخابات؟ بمعنى ان الانتخابات لا تؤجل من اجل حادثة خندق الغميق ولا من اجل سوريا، بل لان الموارنة مختلفون بين بعضهم البعض حول قانون انتخاب. هذه مسؤولية نرفض نحن تحمّلها».
يستغرب سعيد «اقحام» الراعي نفسه في محاولة الترويج لقانون جديد او حتى لتأجيل الانتخاب، ويقول: «اركان الدولة الثلاثة (رئيس الجمهورية عبر الوزير ناظم الخوري) كلفوا الكنيسة المارونية ان تتوسط بين الدولة وبين الافرقاء المسيحيين. فاذا نجحت الوساطة يعود النجاح الى الدولة واذا فشلت سيحمل البطريرك الماروني والكنيسة المارونية المسؤولية. البطريرك ليس سمير جعجع او ميشال عون. فحين يتخذ اي منهما خياراً ما لا ينجح، يتحمل مسؤوليته ويدفع ثمنه هو وجمهوره. نحن لا نفهم ما دخلنا في هذا الموضوع. هناك الف سبب اذا اراد بري او حزب الله التأجيل فليشرحوا هم اسباب التأجيل بدل ان يقال ان المسيحيين يتحملونها بسبب خلافاتهم الداخلية».
لكن الراعي ليس وحده، هناك قوى في 14 آذار تقف معه؟ يجيب سعيد: «حين يستدعي البطريرك فلربما من الصعوبة ان يتخلف الرئيس امين الجميل او الدكتور سمير جعجع عن التلبية. ففي ظل المزايدات المارونية سيضطران الى المشاركة. الراعي ذهب الى اتجاه توحيد المسيحيين وجمعهم، ولكن في وجه من؟ مع العلم ان هذه اقصر طريقة لاستهدافهم. كما ان هذا الاجتماع لا يحمل اي عنوان. قانون الانتخاب ليس عنواناً. العنوان هو الذي رفع عام 2000 لاستقلال لبنان وجاء اليه رفيق الحريري ووليد جنبلاط وجزء من الشيعة. في حين اننا لا نؤدي اليوم اي دور في السلم الاهلي ولا نوفق بين السنة والشيعة لمنع الانزلاق الحاد المبرمج سورياً، وبدل ان نرفع شعار حداثة الدولة، نعود الى المربعات الطائفية. يحق لأي حزب السير بأي خيار يريده، لكن لا يحق للكنيسة المارونية ان تجازف بمصير طائفة ومستقبلها».
وعن احتمال اقامة حوار مع بكركي من اجل طرح هذه الهواجس، يجيب سعيد: «منذ لقاء سيدة الجبل ونحن نقول، من باب الحرص على الكنيسة، ان دورها ان تحمل عنواناً كبيراً. مع مجيء الراعي لم تقل الكنيسة، مثلاً، انها تنظر بأمل الى ما يجري بل بقلق، اضافة الى انها اعطت انطباعا انها مع المحافظة على بقاء الانظمة وليس دعم حرية الشعوب والثوابت التي تؤمن بها الكنيسة. البلد لا يتألف من كتل طائفية تتساكن مع بعضها البعض وفقا لنظام اسمه الدستور، بل من جماعات طائفية، وايضا مؤلف من مواطنين تغيب الكنيسة عنهم، وهي لا تتحدث الا عن ضمانات للمسيحيين، بما يدفع الطوائف الاخرى التي تعيش الاحداث الدموية الى طلب ضمانات ايضا».
عملياً ماذا يمكن ان تفعلوا مع المعترضين على هذا الدور الحالي لبكركي؟ يجيب: «انتقاد الكنيسة المارونية غير مألوف، والطبقة السياسية لا تنتقد سلوكها لاسباب انتخابية. قد يكون مفيدا ان نعمل كموارنة بعيدا عن اي ابتزاز وعن اي انتقاص من كرامة الكنيسة او من كرامة البطريرك الراعي، وان تخرج شخصيات مارونية وتسمي الاشياء بأسمائها. المسيحيون يرون عالما اسلاميا تبرز فيه نشوة الانتصار من تونس الى مصر وبروز اصوليات سنية وشيعية، وبدل ان تقول الكنيسة ان لدينا نموذجا لدولة مدنية تتصدى للتطرف الاسلامي والشيعي، نراها تتراجع عن مفهوم الدولة لتقول ان لديها اولوية مسيحية. يجب عقد اكثر من خلوة مارونية لمن لهم مكانتهم السياسية والثقافية، ونبحث كجماعة مسيحية في موضوع الى اين تذهب الكنيسة. حتى لو ارادت روسيا ان تحل محل الاتحاد السوفياتي بمفهوم الارثوذكسيات في العالم وتلعب دورا عبر الكنيسة الارثوذكسية وان تتنافس مع الكنيسة الكاثوليكية والمارونية وتتجاوزها، نحن نتمسك بدور كنيستنا مشرقية وعربية ومرتبطة بروما وتختلف مع وجهة نظر الكنيسة الارثوذكسية بالنسبة الى ما يجري في المنطقة».
ويختم سعيد «اذا ذهبنا الى عملية انفصال نهائية، هناك طائفة مدعومة علنا من مجلس التعاون الخليجي، وهناك طائفة اخرى مدعومة من ايران، فليخبرنا سيدنا الى اين نذهب وفي اي اتجاه؟ مشروعنا مشروع الدولة التي تدعم المسيحيين والمسلمين. نقول هذا الكلام حرصا على الكنيسة، فنحن ننظر الى سلوكها الوطني والسياسي اليوم بقلق، لانها تدرجت من كنيسة جامعة لفكرة لبنان الى كنيسة تبحث عن مصلحة جماعة من دون اعتبار التركيبة الوطنية الجامعة».