تسود ثقافة لبنانية قائمة على مبدأ التخوين. فزّاعة التطبيع والعمالة لإسرائيل، كفيلة بالقضاء على أي موسوم بها ولو كان ذلك كلامياً أو من ضمن حملة شتائم قبل اللجوء إلى المحاكم. وإلى أن يقول القضاء كلمته، يكون القطار قد فات، لأن اللعبة الإعلامية والتسويقية في لبنان، تذبح فوراً. يستسهل اللبنانيون اطلاق تهمة العمالة لمن يختلفون معهم في السياسة. هذا الأسلوب يبقى أسهل من لجوء بعض المؤثرين في الأجهزة الأمنية إلى إطلاق هذه الاتهامات جزافاً. في ذلك جريمة لا تغتفر، توفر مظلة حماية للعدو المتربص في كيفية اختيار أهدافه، لا إثارة الشكوك.

ما يجري التداول به في قضية الممثل زياد عيتاني والمقدم سوزان الحاج يتخطى الفضيحة ويصبح جريمة مؤامرتية. حتى التسريبات في قضية المقدم الحاج، التي لا تزال تخضع للتحقيق ولم تعترف بارتكابها جرم فبركة الملف لعيتاني، هي تجاوز للقانون، وتتطابق مع الرؤية الاعتراضية على تسريب التحقيقات الأولية مع عيتاني، التي تشير إلى أنه متهم بالعمالة. 

تسبق المسألة صراع الأجهزة، وتبدأ من إشكال داخل الأسلاك ولدى بعض الضباط الذين يسارعون إلى التسريب، إما لتعزيز علاقاتهم أو لتسويق إنجازاتهم. وفي كلي الحالين تجاوز للمهمة وانتقاص من الإنجاز. ويستمر الانتقاص، في ما تجلّى بمواقف متضاربة للمسؤولين السياسيين، والإنعكاس الذي أعطوه حول صراع بين أجهزة أمنية وأخرى قضائية، وتفاوت في تحديد الصلاحيات وتفسيرها.

في استسهال جريمة العمالة، كانت القضية متعمّدة منذ اللحظة الأولى. بمجرّد ربط عيتاني "المتهم بالتعامل مع إسرائيل" بمسألة الإيقاع بالضابطة الحاج، كان فيه إيحاء بأن الحاج تتعرض لمؤامرة كونية، وهي هدف مرصود للعدو الإسرائيلي، الذي أمر المتهم بإيقاعها من خلال توثيق التغريدة. ما تسبب بتنحيتها من منصبها. كأنه يراد الذهاب إلى القول إن حسابها تعرّض للاختراق، والمخترق هو الذي وضع إعجاباً على التغريدة المسيئة للمرأة السعودية، وذلك بطلب من الإسرائيليين. وهكذا يردّ اعتبار الحاج، وربما تحصل على ترقية بعد اعتذار.

تقول مصادر متابعة للتحقيق إن عيتاني غيّر أقواله التي اعترف بها خلال التحقيق معه لدى جهاز أمن الدولة، وقال إنه تعرّض للتعذيب، وقد أقر بالاعترافات خوفاً وتحت الضغط. وهذا ما غيّر مسار التحقيق، واستدعى القاضي رياض أبو غيدا إلى استنابة شعبة المعلومات للتوسع في التحقيق، نظراً لوجود بعض الثغرات. شعبة المعلومات اكتشفت مسألة الخرق والفبركة، وفي التحقيق مع القرصان، اعترف أنه قام بهذه المهمة بناءً على تكليف من الحاج. كما أقرّ بأنه عمل على فبركة ملفات للعديد من الأشخاص. حتى الآن ترفض الحاج الاعتراف، ومن المفترض أن تحصل مواجهة بينها وبين المقرصن وزوجته. لكن الأجهزة الأمنية تملك تسجيلات بصوت الحاج تطلب من المقرصن فبركة الملف لعيتاني.

تتحدّث المعلومات عن أن الملف المكون ضد الحاج فيه كثير من التفاصيل والقرائن. ويؤكد المعنيون أن التهمة ثابتة عليها، وهي لا تطال مسألة عيتاني فحسب، بل هناك ملفات أكبر من ذلك. ما من شأنه أن يؤدي إلى تسريحها من السلك ومعاقبتها بالسجن وفق ما يرتئيه القضاء. وفيما برزت اتصالات سياسية لملمة هذه الفضيحة، ومنع انعكاسها على الأجهزة الأمنية، جرى سحب الموضوع من التداول الإعلامي، وترك الملف للقضاء. وفيما هناك من يعتبر أن القضية ستذهب نحو إيجاد تسوية ملائمة، تصرّ أطراف أخرى، لاسيما المقربة من رئيس الحكومة، على أن المساومة ممنوعة، والكلمة الوحيدة ستكون للقضاء. فيما تتوقع مصادر أخرى أن يحضر الملف على طاولة مجلس الوزراء التي ستعقد، الأربعاء في 7 آذار 2018، في بعبدا.