ينتظر الجميع عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض، ولكنّ الفارق لا يتشابه وانتظار عودته منها عبر باريس في 22 كانون الأول الماضي. على هذه العودة سيُبنى كثير ممّا ستشهده البلاد، سواء بالنسبة الى الإنتخابات النيابية وتحالفاتها، أو بالنسبة الى التحضيرات الجارية للمؤتمرات الدولية الخاصة بلبنان. فهل من المنطقي ربط كل هذه الإستحقاقات بهذه العودة؟
 

ما تسرّب من معلومات على ندرتها عن لقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز مع الحريري الأربعاء الماضي، أوحى بأنه «كان لقاءً ناجحاً بكل المقاييس». إذ استقبل الحريري في قصر اليمامة كـ»رئيس دولة» ما رفع من عدد السيناريوهات المطروحة حيال زيارة رئيس الحكومة للرياض، وما يمكن أن يليها من محطات.

وفي علم مراجع سياسية وديبلوماسية أنّ ما أُنجز لترتيب هذه الزيارة «كان كبيراً جداً وجاء نتيجة جهود مكثّفة بذلتها جهات إقليمية أو دولية نصحت القيادة السعودية بضرورة ترميم العلاقات مع الحريري.

وما هو ثابت حتى اليوم أنّ المملكة قدّمت للحريري شيئاً ممّا كان يحتاجه من معنويات لإنهاء ذيول ما رافق استقالته من الرياض وتلك التي أعقبتها، على رغم ما بقي غامضاً من وقائع تلك المرحلة. وقد استرسل كثيرون في نسج الروايات الهوليوودية من دون أن يحسم احد معنيّ بها في صدقيّتها، والتي واجهها الحريري تارة بالتلميح وأطواراً بالصمت مع التمنّي الدائم بأن تبقى وقائعُها ملكاً له وحده، ولا يشاركه أحد في تحمّل تبعاتها ونتائجها الى الأمس القريب.
على هذه الخلفيات تُنسج سيناريوهات، من قائل إنّ لبنان ينتظر «حريري جديداً» بعد ترميم العلاقة بينه وبين القيادة السعودية.

ويسترسل اصحاب هذه السيناريوهات في بناء النتائج والتوقعات المترتّبة على الزيارة الحالية للرياض، خصوصاً في مجال الحديث عن تركيب اللوائح الانتخابية والتحالفات التي يمكن الحريري أن يخوضها، وهو الذي ما زال متردّداً الى الأمس القريب في الكشف عنها... الى أن بلغت المهل ربع الساعة الأخير من أولى المحطات الإنتخابية المحدّدة لتقديم الترشيحات، والتي تنتهي مطلع الأسبوع المقبل.

وفي الوقت الذي يعتقد كثيرون أنّ إقفال باب الترشيح ليس المهلة الأساسية لخوض غمار المعارك الإنتخابية، إلّا انه يشكّل اللحظة التي تؤذن بانتقال البلد الى «المهلة القاتلة» المحدّدة لتركيب اللوائح الانتخابية في الصيَغ التي يجب أن تكون نهائية وغير قابلة للتعديل، ليُجرى الإقتراع على أساسها قبل 40 يوماً من فتح صناديقه في 6 أيار المقبل.

وفيما الإنتظار يلقي بثقله على أجواء التحالفات الإنتخابية، هناك انتظار من نوع آخر، إذ انّ لزيارة الحريري للرياض تردّدات فعليّة على مصير المؤتمرات الخاصة بدعم لبنان ومؤسساته العسكرية والأمنية وبناه التحتية وتقاسم كلفة النازحين معه، وهي مرتبطة الى حد بعيد بنتائجها، خصوصاً إذا صَحّت المعلومات عن الربط بين السياسات الإنتخابية للحريري ومصير هذه التقديمات التي لن تكون هذه المرة بمعظمها من باب المساعدات أو الهِبات بمقدار ما ستكون قروضاً مُيسّرة لآجال طويلة.

لكن ما يقلّل من أهمية هذا الربط بين نتائج هذه الزيارة وبين حجم ما هو مقرّر من دعم للبنان، إصرار اللبنانيين على إبقاء المؤتمرات في مواعيدها ما يعني أنّ رئيس الجمهورية ومعه الفريق الذي يتابع التحضيرات لها لم يَبنِ في تقديراته لنجاحها أو فشلها على زيارة الحريري السعودية ونتائجها.

وهو ما أبلغه رئيس الجمهورية الى السفير الفرنسي أمس الأول عندما تمنّى عليه عدم تأجيل أيّ من هذه المؤتمرات وعدم الربط بينها وبين مصير الإنتخابات النيابية، طالما أنّ العالم والدول المانحة تصرّ على هذه الإنتخابات وتعتبرها من عدة الشغل، لا بل من المواد الضرورية لتحفيز المجتمع الدولي على مساعدة لبنان، شرط أن تكون هذه الانتخابات معطوفةً على سلّة إصلاحات مالية واقتصادية يريدها المجتمع الدولي وهي لا تترجم فعلياً سوى عبر قانون موازنة 2018، على رغم المهل الضاغطة التي قد تتيح البتّ بها قبل الإنتخابات النيابية والمؤتمرات الدولية وسط انقسام واضح بين مَن يَرى استحالة ذلك في المدى المنظور، وبين مَن يصرّ على البتّ بها، أيّاً كان الثمن لملاقاة العقد التشريعي العادي الاول للمجلس النيابي الذي يبدأ في أول ثلثاء بعد 15 آذار الجاري.

ويرى البعض انه يجب انتظار عودة الحريري من الرياض قبل مقاربة الإستحقاقات الإنتخابية والمالية والإقتصادية المتعدّدة، فإذا أبقى على تحالفاته السابقة كما رَسمها شيء، وإذا تبدّلت المواقف وحصلت الإنقلابات التي يتحدث عنها البعض شيء آخر.

لكن ما هو مؤكّد أنّ البلاد ستدخل مرحلةً جديدة تتغيّر فيها كل مقاربات السلطة لهذه الإستحقاقات، فضلاً عن مرحلة الإنتخابات النيابية والمؤتمرات الخاصة بلبنان في ظلّ غموض لا يمكن أيُّ طرف رسم تطوّراته السلبية المتوقّعة.