معركة الغوطة الشرقية هي خارج حسابات التهديدات الأميركية لإيران والسكان هناك يدفعون ثمن صفقات خفية تدور بين قوى دولية وإقليمية
 

بدم المدنيين الأبرياء وبعويل النساء الثكالى وبصراخ الأطفال الذين يرتسم الرعب في عيونهم ، وبالآلاف من الصواريخ التي تتساقط من مقاتلات النظام السوري وحلفائه على رؤوس الناس الآمنة في الغوطة الشرقية بالقرب من العاصمة دمشق فتخلف خرابا ودمارا في المساكن والمباني فتحولها إلى ما يشبه الأطلال وتحصد المئات من القتلى والآلاف من الجرحى ، وما تبقى على قيد الحياة تتركه مشردا يبحث عن باقي أفراد أسرته. وبالمدافع الثقيلة التي تستهدف المنازل والمرافق العامة وتجعلها أثرا بعد عين بعد هروب ساكنيها إلى مناطق أكثر أمانا. 
بهذه المشاهد الدرامية يتم إستكمال رسم الخارطة السياسية لمستقبل سوريا بريشة الفنان الروسي والحليف الإيراني الداعم لرئيس النظام السوري بشار الأسد. 
فمنذ أكثر من أسبوع ولا تزال قوات النظام السوري تواصل قصفها بالقذائف الصاروخية المحمولة بالطائرات الحربية وبالمدفعية الثقيلة أحياء الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق في تصعيد غير مسبوق حيث تشير المعلومات إلى سقوط أكثر من 500 قتيل مدني وآلاف الجرحى وتهجير وتشريد عشرات الآلاف من السكان. ويترافق ذلك مع مواجهة من نوع آخر داخل أروقة مجلس الأمن الدولي بين روسيا والدول الغربية خلال مناقشة الهدنة في الغوطة التي وصفت الأمم المتحدة ما يجري فيها بأنها جحيم على الأرض. فاتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فصائل المعارضة السورية بتعطيل إتفاق لخروج مقاتلي هيئة تحرير الشام من الغوطة ، ورفض تحميل النظام السوري أي مسؤولية عن التصعيد. 

إقرأ أيضًا: خفايا العلاقة الأميركية - الإيرانية... هل هناك إتفاق بينهما على القضايا الكبرى؟
أما الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكون فقد حمل مسؤولية التصعيد إلى أطراف خارجية تدعم الجماعات الإرهابية هناك. فيما يرى بعض المراقبين والمتابعين للوضع السوري أن المواقف الروسية تخفي خلفها رغبة بإعطاء نظام الرئيس بشار الأسد مزيدا من الوقت الإضافي للضغط على فصائل المعارضة وحسم الوضع عسكريا لصالحه. إذ أن معركة الغوطة يتم خوضها تحت عنوان الحسم العسكري لإيقاعها تحت سيطرة النظام السوري. وهذا ما تسعى إليه دمشق وطهران وذلك على غرار ما حصل في حلب التي أسقطها الحل العسكري  برمتها بأيدي النظام وبتواطؤ كامل من تركيا. 
لا شك أن الغوطة الشرقية تشكل الفرصة المناسبة والمفصل الأهم لتحقيق النصر. فروسيا ورغم نفيها المتكرر المشاركة في الغارات الجوية على الغوطة. إلا أنها تسعى من خلال معركة الغوطة وتود بالقوة العسكرية الإطلالة على الضالعين الكبار في الأزمة السورية وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية لإعادة قراءة التطورات الميدانية ووضعها في الحسابات الأميركية والأوروبية. وذلك بعدما بدأ حضورهم ثقيلا عليها في المشهد السوري وكاد أن يطيح بموازين القوى التي كانت معقودة لروسيا قبل أن تتحول سوريا إلى محط أطماع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريق إدارته وتجذب الأوروبيين إليها من جديد. وأيضا فإن إيران ترى أن من مصلحتها سيطرة النظام السوري على ضواحي العاصمة دمشق القريبة منها والبعيدة. لأن ذلك يتيح لها التوسع في تواجدها العسكري والسياسي. خصوصا بعد الضغوط التي تمارسها إسرائيل حيث فرضت نوعا من الإنكفاء للقوات الإيرانية والتنظيمات المسلحة الموالية لطهران عن منطقة عازلة بعرض أربعين كيلومتر تفصلها عن الحدود الجنوبية مع إسرائيل. 
ويبدو واضحا أن معركة الغوطة الشرقية هي خارج حسابات التهديدات الأميركية لإيران والسكان هناك يدفعون ثمن صفقات خفية تدور بين قوى دولية وإقليمية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية ومعها روسيا وإسرائيل وإيران وتركيا داخل حلقة تنشط فيها مقايضات مشبوهة وخبيثة .