يصل وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون إلى بيروت منتصف الشهر الجاري، في إطار جولةٍ تشمل الأردن ومصر، ويَحضر خلالها مؤتمراً لمكافحة الإرهاب في الكويت
 

العناوين المحدّدة رسمياً لزيارة تيلرسون، بحسب مطّلعين على برنامجها الرسمي، هي الاطّلاع على الوضع القائم في لبنان عشية الانتخابات النيابية والبحثُ في استحقاقات المؤتمرات المقبلة المانحة للبنان، وأبرزُها «باريس 4».

وستصل خلال الأيام القليلة المقبلة فرقةٌ سبّاقة من وزارة الخارجية الأميركية لإتمام جدول مقابلات تيلرسون في لبنان والتي تَأكَّد منها حتى الآن أنّها ستشمل الرؤساء الثلاثة.

لا يورد برنامج الزيارة أيَّ إشارةٍ توحي بأنّ هناك صلةً بينها وبين زيارة مساعده ديفيد ساترفيلد للبنان. فالأخير بدأ زيارته في إسرائيل ومنها جاء إلى لبنان، وطوال وقتِ مكوثِه في بيروت لوحِظ أنّ الجيش الإسرائيلي كثّفَ عمليات بناء جدار الفصل عند النقطة «بي 23 » على حدود ذلك قرب النقطة «بي 1» عند رأس الناقورة، ما خلّفَ استنفارات اسرائيلية لبنانية متبادلة، ورفعَ حرارة الخشية من تصعيدِِ عسكري على الرغم من أنّ ساترفيلد طمأنَ بيروت إلى أن لا نيّة للتصعيد، وأنّ استقرار لبنان زائداً دعمَ الجيش اللبناني لا يزالان مطلباً أساسياً لأميركا.

يُبدي المراقبون في لبنان صعوبةً في استنباطِ قراءةٍ منطقيّة لكلّ هذه الوقائع التي حدثت خلال هذا الأسبوع ابتداءً مِن تصريح لبرمان المهدِّد غازَ لبنان مروراً بوصول ساترفيلد وانتهاءً بجولته على خط الغاز القابل للاشتعال في الجنوب، وصولاً إلى موعد زيارة تيلرسون في منتصف شباط الجاري، ما طرَح أسئلة عن حقيقة الموقف الأميركي وأيضاً عمّا تريده إسرائيل من إقدامها بالتزامن مع زيارة ساترفيلد لبيروت على رفع وتيرة اقتراب ورشة بناء جدار الفصل من حافة نقطة «بي. 1» عند رأس الناقورة، التي أبلغَت واشنطن كما تل أبيب أنه يوجد للبنان بخصوصها قرارٌ حاسم وهو عدم السماح للجدار الاسرائيلي بالوصول اليها تحت أيّ ظرف ومهما كانت النتيجة.

النقطة «بي 1» في رأس الناقورة، لها من بين كلّ نقاط التحفّظ اللبناني الـ 13 على الخط الأزرق، أهمّية قصوى، وبدءُ إسرائيل أعمالَ إنشاء الجدار عندها سيَدفع الجيش اللبناني حتماً إلى إطلاق النار على ورشة العمل الإسرائيلية، ما يُنذر باندلاع اشتباك قد يتطوّر إلى حرب. سبب اعتبار لبنان النقطة «بي 1» خطّاً أحمر، يعود إلى كونها تشكّل الزاوية الأساسية التي تنطلق منها الدولة اللبنانية لترسيمِ حدود لبنان البحرية، وفي حال شملها الجدار الاسرائيلي فإنّ لبنان سيخسر قدرةَ مباردتِه إلى ترسيم هذه الحدود وسيُعرّض غازَه في البلوكات 7-8-9 للنهب الإسرائيلي.

حتى هذه اللحظة لا تزال ورشة بناء الجدار الاسرائيلي تعمل في «النقطة 23» التي تعتبر ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتبعد هذه النقطة عن النقطة «بي 1» مسافة 300 متر تقريباً. وبهذا المعنى فإنّ لبنان وإسرائيل يَبعدان عن احتمال نشوب حرب بينهما مسافة 300 متر فقط.

وبكلامٍ آخر، فإنّ النقطة «بي 1 « هي ذات صلة بنزاع إرادة سيادة لبنان على حدوده البحرية وليس فقط البرّية مع إسرائيل، وأيضاً على صلة بالنزاع على «الخط الأزرق» وصلة هذا الأخير بمعركة الغاز انطلاقاً من مليكة «البلوك 9 «التي افتتحَها وزير الدفاع الاسرائيلي إفيغدور ليبرمان قبل أيام.

ساترفيلد خلال وجوده في إسرائيل التي كانت محطتَه قبل زيارته لبنان، شارَك في مؤتمرعن الأمن في إسرائيل، وأكّد خلاله أهمّية دعمِ واشنطن للجيش اللبناني. ووصَف هذا الدعم، حسب ما نَقلت مصادر ديبلوماسية لبيروت، بأنّه «يأتي في أطار خدمة نظرةِ أميركا للجيش اللبناني بصفته يُمثّل قوّةً حيوية موازية لقوّةِ «حزب الله» العسكرية في لبنان».

أهمّية كلام ساترفيلد خلال هذا المؤتمر، تتأتّى من كونه يُعتبَر ردّاً على نظريةٍ إسرائيلية رسمية يقول بها ليبرمان ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وتتحدّث عن ضرورة أن تستهدف إسرائيل في أيّ حرب مقبلة مؤسسات الدولة اللبنانية ومِن ضِمنها الجيش اللبناني و»حزب الله» في آنٍ معاً. وهناك تعليلات كثيرة يُفنّدها هذا الطرح لتبرير وجهة نظره.

والسؤال المهم الراهن هو عن طبيعة الجهد الذي ستبذله واشنطن لتجميد حالة التوتّر الناشئة حالياً على «الخط الارزق»عند مسافة الـ 300 متر الراهنة والتي هي كلّ المسافة التي تبعِد لبنان وإسرائيل عن لحظة نشوب حربٍ حتمية بينهما؟

خلال الاجتماع في الناقورة قبل أيام برعاية قيادة اليونيفيل بين ضبّاط إسرائيليين ولبنانيين، لاحَظ الوفد اللبناني محاولةَ الوفد الإسرائيلي «التذاكي» بالإيحاء أنّ الجيش الإسرائيلي لا يريد التصعيد على الحدود، وكذلك الإيحاءَ أنّ قرار بناء الجدار اتّخذته الحكومة الإسرائيلية ووضَعت موازنة لتنفيذه، وعليه يتمّ العمل به.

ولوحِظ أنّ البدء بإنشاء الجدار عند النقطة القريبة من «بي 1» جاء بعد ثلاثة أيام من اجتماع الناقورة الثلاثي، عِلماً أنّ قيادة «اليونيفيل» خَتمت الاجتماع بتعهّدٍ قوامُه أن لا يتّخذ أيُّ طرفٍ إجراءات «مفاجئة «، أو «مِن جانب واحد» عند الخط الأزرق، منعاً لانزلاق الوضع إلى التصعيد. وأيضاً جاء بدءُ هذه الأعمال متزامناً مع وصول ساترفيلد من جهةٍ، وكلام وزير الطاقة الإسرائيلي عن استعداد إسرائيل لقبول وساطة أميركية من جهة ثانية.

وتَفتح هذه التطوّارت الثلاثة الطريقَ أمام استنتاج أنّ إسرائيل تستغلّ وجود ساترفيلد في بيروت وتحضيرات لبنان لاستقبال تيلرسون بغية إنضاج أجواء إقامةِ طاولة حوار مع بيروت حول حلّ أزمةِ الحدود البحرية بينهما.

وفي بيروت كشَف ديبلوماسي غربي الخطوات التالية المرتقبة في شأن أزمة الغاز بين لبنان وإسرائيل، فقال:

• أوّلاً، مِن المستبعد تطوّر الموقف إلى حدوث حرب غاز بين البلدين، على الرغم مِن أن نتنياهو يرى أنّه يجب أخذُ هذا الملف النزاعي مع لبنان الى حافّة الهاوية في هذه اللحظة، نظراً لاقتناعه بأنّ الدعم الذي تلقاه إسرائيل من إدارة الرئيس دونالد ترامب هو استثنائيّ وقد لا يتكرر مع أيّ إدارة أخرى. ويريد نتنياهو وضعَ ملفِّ الغاز مع لبنان على سكّة الحسم في زمن إدارةِ ترامب.

• ثانياً، يوجد لدى نتنياهو اعتبارٌ آخر يَحضُّه على التصعيد في مسار ملف الغاز والحدود البحرية مع لبنان، وهو الاعتبار نفسُه الموجود لدى الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسيادس، فكلاهما يعتبران أنّ وجود تيلرسون في وزارة الخارجية فرصة مهمّة لنَيل مناصرةٍ أميركية لمطالبهما في المجال الغازي، والإسراع في خطط تطوير قطاع الغاز في المتوسط ليساهم في الاستراتيجية الاميركية الخاصة بكسرِ احتكارِ الغاز الروسي للسوق الأوروبية.

فتيلرسون من وجهةِ نظرهما، متحمّس للبدء بهذه الاستراتيجية ليس فقط انطلاقاً من كونه صانعَ قرار خارجية أميركا، بل لأنه أيضاً جزء من طموحات عالم سوق الغاز الغربي، لأنه كان رئيساً تنفيذياً لشركة «اكسوم موبيل».