ما إن هدأت نسبياً في السياسة، حتّى اشتعلت مجدداً في الميدان العسكري والأمني. صراع الأجهزة الأمنية مع بعض الخلايا الإرهابية مستمرّ وبقوة أكثر خلال هذه الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية. وكلّما اقترب الاستحقاق الكبير والمنتظر، كلما ازداد الضغط السياسي، الذي تسعى جهات عدة للاستثمار فيه والتسلل منه للقيام بعمليات أمنية على الساحة اللبنانية، وفق تقديرات الأجهزة الأمنية، التي تعمل ليل نهار، على مقاطعة المعلومات وما لديها من اعترافات موقوفين، للقبض على مزيد ممن يريدون تنفيذ عمليات أمنية في لبنان.

الحدث ليل أمس كان في طرابس، حيث دهمت قوة من الجيش اللبناني أماكن عدة في باب التبانة في طرابلس، بحثاً عن أحد المطلوبين الخطرين المعروف باسم "هاجر"، وهو كان يقاتل في صفوف تنظيم داعش في العراق، وعاد إلى لبنان قبل فترة. قادت التحقيقات والتعقبات الأمنية إلى تكوين ملف متكامل عن هذا الشخص المطلوب واتصالاته واستعداده للقيام بعملية أمنية. ولدى توجه القوة المداهمة لتنفيذ مهمّتها، تعرضت لالقاء قنابل وإطلاق رصاص. ما دفعها إلى الردّ على مصادر النيران بالمثل. وتطور ذلك إلى اشتباك بين الجيش وعدد من المطلوبين. وقد استشهد عسكري وأصيب 7 آخرون، فيما استقدم الجيش تعزيزات.

وتفيد مصادر أمنية بأن العملية حصلت بناء على معلومات تأكدت منها الأجهزة الأمنية، وهي بنيت على توقيفات أشخاص كانوا يستعدون لتنفيذ عمليات إرهابية في لبنان. ولا تخفي المصادر تقديراتها بأن هذا النوع من الضغط سيزداد كلما اقترب موعد الانتخابات، لان التنظيمات التي تحاول العمل على شكل خلايا عنقودية في أكثر من منطقة، تستفيد من لحظات التوتر السياسي، أو الاستنفار لأجل تنفيذ عملياتها.

لا شك أن لهذه العملية، أو غيرها إذا ما حصل، وربطاً بالتوتر السياسي الذي كان قائماً قبل أيام، كلها تسهم في الدلالة على الحماوة الانتخابية، وسط تخوّف بعض اللبنانيين من أن يحصل عمل أمني أكبر، ويؤدي إلى الإطاحة بالاستحقاق الانتخابي. لكن البلد عملياً دخل في حلبة الصراع الانتخابي، مع بدء مهلة التقدم بالترشّح. وهذا ما سينعكس جولات مكوكية بين المرشحين والطامحين، وبين الأحزاب لبلورة تحالفاتها. وقد تكثّف ذلك في الساعات الماضية، خصوصاً بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. وتفيد مصادر متابعة بأن لقاءات واتصالات شملت مسؤولين من الأطراف الثلاثة، للبحث في إمكانية التحالف بعدد من الدوائر. وقد شهد هذا المحور بعض التقدّم، لا سيما في زحلة، وبيروت الأولى ربما، فيما تبقى دائرة صيدا جزين خاضعة لمفاوضات بين القوات والتيار بشكل خاص. وربما تشكّل عامل مقايضة على المقعد الكاثوليكي بين تلك الدائرة ودائرة أخرى. غير أن هذا التحالف في عدد من الدوائر، لن ينسحب على كل لبنان، لأن الطرفين المسيحيين يضعان نفسيهما أمام واقعية التحالفات وما تفرضه طبيعة كل دائرة. وهذا ما سيلتّف عليه الطرفان بالقول إن القانون يسمح بالتحالف في مكان، والتنافس في مكان آخر وفق ما تقتضيه المصلحة.

وسط هذه التطورات، لا يزال لبنان يتفاعل على وقع تطورات محمومة في الإقليم، وهو لم يعد منفصلاً عنها بالتدخل الإسرائيلي على خطّ النفط. هذا التوتر الدولي والإقليمي المتصاعد، يعتبر كثيرون أنه قد يؤثر بشكل مباشر على الوضع في لبنان، والذي لا يمكن فصله عن الضغط الأميركي على حزب الله. كل هذه التطورات، تشكّل محطّ اهتمام بالنسبة إلى دوائر دولية، لمتابعة حقيقة ما يجري. ولا تخفي هذه الدوائر، خشيتها من حصول أي توترات قد تؤدي إلى تفاقم الأمور. ويشير بعض المطّلعين إلى أن لدى بعض الدول تخوفاً من إمكانية حصول خضّة أمنية في لبنان، في الأشهر المقبلة، ربطاً بكل ما يحصل من ضغوط. ولكن هذه الخضّة لن يكون هدفها الانتخابات، بل تتخطاها أهمية. وهي من ضمن خلط الأوراق في المنطقة، أو ربما قلب الطاولة.