الصراع الذي انفجر بين الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري هو في حقيقته صراعٌ على توسيع الصلاحيات بما لا يتحمّله اتّفاقُ الطائف، الذي بات ضيّقاً على اللاعبين، لدرجة محاولة نسفه من داخل، عبر فرض أعراف لا تمتّ الى النصّ الدستوري بصلة
 

وتسأل مصادر مطّلعة عن المنحى الذي ستسلكه الأزمة التي سبّبها كلام الوزير جبران باسيل، والتي هدّدت للمرة الأولى العلاقة بين ركنين من قوى 8 آذار، واضعة «حزب الله» امام خيار التدخّل لتنظيم الخلاف، بانتظار إجراء الانتخابات النيابية وما ستفرزه من نتائج واحجام.

وتشير المصادر الى أنّ الخلاف المتصاعد بين عون وبري قد تحوّل الى حفلة ملاكمة ستمتدّ من الآن الى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة وتشكيل الحكومة، هذا إذا نجح «حزب الله» في استيعاب أزمة الحكم التي باتت تهدّد بشللٍ سياسي كامل من الآن والى الانتخابات النيابية.

وتكشف المصادر أنّ التحرّكَ الذي نفّذه انصار «حركة أمل» لم يكن عفوياً، اذ تبلّغت القوى الامنية منذ امس الاول ظهراً أنّ استعدادات تجري على الارض لتنظيم تحرّك في جميع مفاصل بيروت، وقد أشرف قادة «امل» على تنظيم التحرّك وتوجيهه خصوصاً نحو مقرّ «التيار الوطني»، حيث كاد الوضع أن ينفجر بعدما اطلق حراس المقرّ النار في الهواء امام المتظاهرين، وكان مقرَّراً لهذه التحركات أن تستمرّ ليلاً، لولا تدخّل «حزب الله» الذي ضغط بقوة لسحبهم من الشارع تمهيداً، لجولة ثانية سياسية وميدانية.

وتشير المصادر الى أنّ الرئيس بري مصمِّم على التعامل بشدة مع كلام باسيل، والمعروف أنّ بري يتوقّف عند ما يعتبره إساءة، ولا يتأخّر عن الرد بكل الوسائل وهو القائل إنّ القانون يلجأ اليه الضعفاء.

وتضيف المصادر أنّ بري الذي تخطّى محاذير أن يستفيد باسيل من العطف الشعبي في حال حصول التحرّك على الأرض، مصمِّمٌ على إرجاع حركة باسيل الى المربّع الأول وتلقينه درساً سياسياً، وهو يعتبر أنّ الخلاف تخطّى الخطوط الحمر (التعبير للوزير علي حسن خليل)، ولهذا وضع سقف الاعتذار والاستقالة والخطوات التصاعدية الأخرى التي ستعني حكماً أنّ عهد الرئيس عون سيكون المصاب الأوّل جراء تعطيل الحكومة.

وتقول الأوساط إنّ خلاف عون وبري وضع اتّفاقَ الطائف في مرحلة الخطر، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية وما ستفرزه من نتائج. فالممارسة باتت تترجم مثالثة واقعية، تتبارز فيها ثنائيّتا عون وبري، فيما تنأى رئاسة الحكومة بنفسها، وهذه المثالثة تعيش مرحلة المساكنة الساخنة، التي ستؤدّي الى شلّ آليات الحكم، قبل أن تقود الخلافات المستعصية الجميع للجلوس الى الطاولة وفتح ورشة تعديل النصوص والبحث بالأحجام، حيث يخبّئ ممثلو الطوائف مطالب مزمنة تتعلق بالصلاحيات والمواقع الاساسية ومنها الفئات الأولى والمواقع الامنية والمالية والنقدية.

ويحتفظ «حزب الله» بالموقع المتقدّم في الإعداد الجيد لمرحلة فتح ورشة تعديل الطائف، فيما لا يملك «التيار الوطني» اكثر من طلب تعديل صلاحيات رئيس الجمهورية للعودة الى دستور الجمهورية الاولى، مع عدم القدرة على التمسّك بما اعطاه الطائف للمسيحيين، لجهة المناصفة والمواقع الاساسية.

في رحلة اللاعودة التي ستصل الى طرح تعديل الطائف على الأرجح في الولاية الجديدة للمجلس النيابي، يمكن الكلام عن تعذّر المساكنة بين الرئاسات، وعن الأفعى الدستورية بثلاثة رؤوس (كما وصف الرئيس الياس الهراوي الترويكا) لكن لا يمكن الجزم بعد فتح باب التعديل بما ستذهب اليه الامور، فالظاهر أنّ تعديل الطائف مطلب شيعي يتلطّى خلف أداء الرئيس عون، لكنّ العامل السنّي الذي لم يظهر في صورة التعديل قد يطالب بالمزيد من الصلاحيات لرئاسة الحكومة، وبمطالب اخرى، وهذا ليس مجرّد توقّع أو استنتاج.