إن الإسلام هو دين الوسطية و الاعتدال والشريعة المتسمة بالسمحاء ورفع الحرج عن الامة قال تعالى " وما جعل عليكم في الدين من حرج " و هو المنسجم و الموافق للعقل والفطرة السليمة لأن الشرع الصحيح بنصوصه و قواعده يدعو الى الوسطية و الاعتدال وينهي الناس عن الغلو والمبالغة وقد جاءت الشريعة السمحة لتخفف حمل الاثقال والاغلال وترفع العسر والشدة وتزيل كل العقبات التي تعرقل مسيرة حياة الانسان .فالله سبحانه خلق الانسان وأراد له أن يسلك الطريق القويم عبر الوسطية والاعتدال فقال تعالى "وكذلك جعلناكم أمةً وسطا "و الوسطية هنا تعني :العدل والخيار والجميل والشريف وسائر أنواع الفضل .فهي أفضل الأمم .وقد جاء في مفهوم الاعتدال لغةً :قال في القاموس المحيط "العدل ضد الجور وما قام في النفس أنه مستقيم .والاعتدال توسط حال بين حالين في كمٍ وكيفٍ " وأما في الاصطلاح : فالاعتدال هو إلتزام المنهج العدل الاقوم والحق الذي هو وسط بين الغلو والتنطع "أي التشدد المبالغ فيه " وبين التفريط والتقصير .فالاعتدال والاستقامة وسط بين طرفين هما :الافراط والتفريط.فالاعتدال يرادف الوسطية مقابل الغلو وهو مجاوزة الحد .قال تعالى" لا تغلو في دينكم " وروي عن رسول الله صلى الله عليه واّله وسلم أنه قال "إياكم والغلو في الدين " وقد جاء في شرح عبارة الامة الوسط ما يوضّح مسألة شهادة الامة الاسلامية "لتكونوا شهداء " أن من يقف على خط الوسط يستطيع ان يشهد كل الخطوط الانحرافية المتجهة نحو اليمين واليسار . فهذه الامة هي المعيار والميزان لتمييز الحق عن الباطل .باتباع السلوك الملتزم والنهج القويم والصراط المستقيم الذي لا لإعوجاج فيه ولا ضرر ولاغلو ولاتطرف حيث ان الوسطية بريئة من كل الاهواء والفتن والتكفير والانحراف فهي دين اليسر وتحقيق التوازن بين العبادة والعمل حيث جاء في الحديث "خير الامور أوسطها "فالاسلام وسط بين الملل فلا إلحا د ولاوثنية بل عبودية لله تتجلى وسطية هذه الامة في مجا لالعبادة ومراعاة مقتضيات الفطرة و التناسق بين متطلبات الروح والجسد بلاغلو ولارهبانية ولامادية بل تناسق واعتدا ل قال تعالى "وابتغ فيما أتاك الله الدار الأخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا"، وبهذا التوازن والإعتدال بين الرغبات والمتطلبات ترتفع البشرية إلى أعلى مستوى إنسانيّتها، وما دام الإسلام يوافق الفطرة الإنسانية فإنه يدعو إلى التوازن والإعتدال والتسامح ومن مظاهره التوفيق بين المطالب الدنويّة والواجبات الأخرويّة. والتاريخ خير شاهد على أن الإسلام انتشر وعمّ هديُه الآفاق، مشرقاً ومغربا، بالنهج الوسطي والإعتدالي. وقد ورد عن أئمة أهل البيت (ع) قولهم : " نحن الأمة الوُسطى إلينا يرجع الغالي وبنا يُرجع المُقصّر " حيث لا إفراط ولا تفريط ولا جبر ولا تفويض بل أمرٌ بين أمرين. وقد جاء القرآن الكريم بآياته ليؤكد على مفهوم الوسطية والإعتدال في كل مناحي الحياة، إذْ قال تعالى : "يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"..." فاتقوا الله ما استطعتم"..." ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً"..." ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط" وغيرها الكثير من الآيات والأحاديث النبوية الدالة على الوسطية والإعتدال والتوازن والإبتعاد عن الأهواء والتشدّد والإفتراء والإنحراف والغلو والتطرّف.
بقلم الشيخ محمد حسني حجازي