ليست هذه مقاطعة بل إرهاب وتكفير بلباس مختلف وتجاوز للخطوط الحمراء وهذا ما لفت إنتباه وزير الداخلية نهاد المشنوق
 

كغيرها من الملفات التي تثير إنقساما بين اللبنانيين وتتنوع فيها الآراء وتختلف فيها التقييمات ، تأخذ قضية " مقاطعة إسرائيل " مساحة مهمة من إهتمامات الشارع اللبناني على الرغم من كثرة الملفات المعيشية الضاغطة.

لكن ما يميز قضية " مقاطعة إسرائيل " في لبنان أنها تحولت إلى شماعة لدى البعض لمحاربة الفن والتحكم بالذوق العام للمواطن وفرض نظريات فلسفية وفنية أصبحت من الماضي.

ولم تعد القضية مجرد مبادىء تحملها نخب دفاعا عن فلسطين ودعما للقدس بل تجاوزت الأمر أشواطا كثيرة إلى الأمام وأخذت مناحي مختلفة باتت تهدد الحرية كفكرة قام على أساسها الكيان اللبناني ولا معنى له بغيابها.

والنظرة الراديكالية إلى الأعمال الفنية التي ينتجها الغرب والتي تضم في معظمها مخرجين ومنتجين وممثلين يهود وتعرض في أنحاء العالم ، يتم التعامل معها بأسلوب بعيد كل البعد عما يحاول أصحاب المقاطعة أو تجار القضايا كما يحلو للبعض أن يصفهم ، أن يظهروها بأنهم متمسكون بمبدأ لا مساومة عليه وهو أن كل عمل فني يشارك فيه يهودي أو صهيوني يجب مقاطعته .

أقول هذا لأن الوقائع تؤكد عكس ذلك تماما ، فالعديد من الأفلام والمسلسلات التي يشاهدها اللبنانيون وإعتادوا عليها هي من إنتاج يهود ومولها يهود، فلماذا لم تتم مقاطعتها مثلا في السابق؟

منصة الفايسبوك مثلا  لمؤسسها مارك زوكربيرغ وهو من أصول يهودية وله صورة مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز فلماذا لم يقاطعوا الفايسبوك ؟

لم يقاطعوه ببساطة لأن الموضوع بالأساس هو إستغلال لقضية فلسطين المقدسة والتي تدغدغ مشاعر اللبنانيين والعرب لتمرير ثقافة مختلفة عما هو سائد قائمة على القمع وإسكات الناس ومحاربة التنوع وتوجيه الفن بإتجاه واحد ومحدد مسبقا.

وما يريده هؤلاء هو أن تتحكم فئة من الناس كبيار أبي صعب وسماح إدريس بالذوق العام اللبناني ويحركوه بالإتجاه الذي يريدوه ويفرضون ذوقهم الخاص على الذوق العام ككل بحجة إنتاج ثقافة ممانعة تشبههم ولا تشبه الحرية أو فلسطين.

بالطبع ليست  هذه مقاطعة بل إرهاب وتكفير بلباس مختلف وتجاوز للخطوط الحمراء وهذا ما لفت إنتباه وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أصدر قرارا بالسماح بعرض فيلم " The Post "  بعد قرار منعه من قبل الأمن العام.
ويبدو أن الوزير المشنوق قد إتخذ قرارا نهائيا بفتح معركة الحريات في لبنان ولن يسمح بعد الآن لفئة صغيرة من الناس لها أذواقها الخاصة وأحقادها الدفينة بأن تفرض رؤاها على المجتمع اللبناني.

وسيولي المشنوق في المرحلة المقبلة أهمية كبرى لموضوع الحريات لأن زمن الحريات في لبنان قد حان موعد الدفاع عنه وممنوع السكوت عن هذا الكم الهائل من التمادي لإستغباء الناس وتحديد لهم مسبقا ما يجب أن يشاهدوه أو لا يشاهدوه.

وإن كان  قد تم غض النظر في الماضي عن مواضيع شبيهة بفيلم "The Post " بسبب الظروف السياسية في البلد كإنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة وقانون الإنتخابات والموازنة ، فلن يسمح الآن على ما يبدو بالتمادي وتكرار الأمر مع الحرص الدائم على المحافظة على الأهداف الأساسية للحرية وعدم التعرض للكرامات والأخلاق وتجاوز الأصول.

وهذه المعركة ستخاض حتى النهاية ضد أي شخص مهما كان إنتماؤه السياسي حتى تنتصر الحرية في لبنان ويعرف كل شخص مهما علا شأنه حدوده ويلتزم بها.

هذه المعركة لا شك أنها ستكون متعبة لكن أهم ما فيها أنها ستفضح جماعة " تجار القضايا " أمام الرأي العام وتعريهم وتكشف أنهم يقاطعون إسرائيل حسب المزاج والمصلحة لا بناءا على مبادىء وقيم ثابتة.