تنافر التشخيص بين «المرشد» السيد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني لأسباب الحراك الذي شهدته (وتشهده) إيران (وإن خفّ زخمه) يتمّم في واقع الحال المعطيات الداخلية المسبّبة لذلك الحراك ويدلّ على «أصل» الموضوع وفصله!

الأول يتّهم، من ضمن سلوكيات متوقّعة، الخارج (الأميركي والبريطاني) والخارجين عن السلطة (مجاهدي خلق) بالتآمر على جمهوريته المؤلّهة! والثاني يُعيد الأمر، ومن ضمن سلوكيات (لا تزال) متوقعة إلى أسباب كثيرة «أرضية» ومحلية الصنع والإنتاج، وتتراوح بين الهمّ المطلبي والهموم السياسية والثقافية التي، مثلما توضّح أكثر فأكثر، لم تنزلها «الثورة الإسلامية» عن كواهل حامليها بقدر ما زادتها ثقلاً ووطأة!

الأول يحكي ويشخّص ويطلق الأحكام، باعتباره صاحب السلطة. و«قائد» المشروع الامبراطوري الطموح العابر للحدود الوطنية. و«المرشد» المؤدلج تماماً، المستند إلى رؤية متعددة الأبعاد، لكنها في خلاصتها مربوطة بالسماء أكثر من الأرض. وبالغيبيات أكثر من المرئيات. وبالأحلام أكثر من الأرقام.. ولا يستطيع تبعاً لذلك ولغيره، أن يقرّ بصدمة انفجار الداخل بعد كل ذلك الضنى والتعب والدأب والأثمان، لإبقاء ذلك الانفجار في الخارج! ولا بحقيقة أن «المستضعفين» و«المسحوقين» و«المُضطَهَدين» في بلاده أَولَى بالرعاية والاهتمام ولفت النظر من قِبل «الثورة» وأهلها، من عملية تصدير تلك «الثورة»! أو البحث عن منصّات نفوذ واقتدار في صنعاء وبغداد وبيروت ودمشق وغيرها، فيما طهران وقُم ومشهد وعشرات المدن الأخرى تشهد تشذيباً خطيراً لذلك النفوذ، وتحدّياً عارياً لذلك الاقتدار، ورفضاً صادماً لذلك النهج برمّته!

لا يمكن «اتهام» الثاني، أي الرئيس روحاني، بالتناقض التام مع رؤية «المرشد» وتشخيصه وسياساته. لكن يمكن بسهولة تثبيت وتأكيد التمايز عنه (تحت سقف النظام) والانخراط في اللعبة التي وضع قوانينها الطرف الآخر المسنود بـ «المرشد» نفسه: توظيف الخارج في الداخل، ولكن بالمقلوب! أي مثلما اعتبر (ويعتبر) المحافظون وجماعة تصدير «الثورة»، أنّ تمدّدهم في محيط إيران يعزّز سلطتهم في إيران، فإنّ «الإصلاحيين» الذين ينطق باسمهم رئيس الجمهورية، راحوا إلى توصيف الحراك الراهن باعتباره دلالة أولى على عقم تلك الاستراتيجية. أو النتيجة المنطقية لهدر ثروات الدولة في غير موضعها. والترجمة الحقيقيّة لفشل منطق الازدواجية بين الدولة و«الثورة».

ما يقوله روحاني في المحصّلة هو إنّ الإيرانيين لم يخرجوا للاعتراض على تردّي أحوالهم المعيشية والمالية فقط، وإنما على تردّي «أوضاعهم» السياسية والثقافية أيضاً. وهذه توليفة تدين النظام من داخل ومن قِبَل أبرز رموزه! وهي شبيهة (للمفارقة) بالمنطلقات الأولى التي حملها ميخائيل غورباتشوف بعد صيرورته آخر زعيم للاتحاد السوفياتي قبل أن يتبيّن أن الإقفال مُحكم! وإنّ تغيير بعض البراغي في ماكينة خربانة ومهترئة لن ينفع في تحريكها ودورانها! وإنّ الحل الوحيد هو في تفكيكها وبيعها خرضة واستبدالها بواحدة أكثر حداثة وتواضعاً!

لم يصل روحاني بعد إلى ذلك السقف، والأرجح أنّه لا يقدر! لكنّه في منطلقاته التشخيصيّة يقول إن النظام الذي ينتمي إليه، هو المسؤول الأول عن التردّي العام الذي أخرج الإيرانيين من بيوتهم، وتحت شعارات «شاملة» لا تميّز بين أهل النظام بل تطاله كله بجملته ومنطلقاته وسياساته ورموزه.. وإن الاستمرار في نطح الحائط الخارجي، تمدداً واتهاماً، لن يزيد الأمور إلا سوءاً، ولن يوصل سوى إلى المصير الذي لم يخطر في بال.. غورباتشوف أصلاً!!