خلال الأيام القليلة الماضية، كانت إيران وتركيا محور اهتمام النخب والأوساط الشعبية والسياسية والإعلامية العربية، إضافة للاهتمام الدولي بهاتين الدولتين.

فإيران كانت تشهد حراكا شعبيا جديدا، امتد للعديد من المدن والمناطق، وقد بدأ التحرك احتجاجيا بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتحول إلى الاعتراض السياسي على النظام وسياساته الداخلية والخارجية.

وبموازاة ذلك، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يختتم جولة عربية- أفريقية؛ وصلت إلى السودان وتونس وتشاد، في حين كنا نشهد سجالا إعلاميا بين الرئيس التركي والمسؤولين الإماراتيين حول مسائل تاريخية، كما كانت تركيا تبدأ التحضير لإقامة مصنع للأسلحة في قطر، وتعزز الوجود العسكري التركي في هذا البلد، مع الإشارة إلى أنه سبق لتركيا أن واجهت خطر الانقلاب العسكري قبل حوالي السنة والنصف.

 

عند حصول أي تطور تركي أو إيراني، سواء كان الأمر يتعلق بسياسات هاتين الدولتين الخارجية، أو الأوضاع الداخلية فيهما، ينقسم العرب إلى اتجاهين


وحول هذه الأحداث، وعند حصول أي تطور تركي أو إيراني، سواء كان الأمر يتعلق بسياسات هاتين الدولتين الخارجية، أو الأوضاع الداخلية فيهما، ينقسم العرب إلى اتجاهين: اتجاه مؤيد لإحدى هاتين الدولتين وينشط للدفاع عنها بشكل كامل، والاتجاه الثاني معارض لهذه الدولة، ويطالب إما بإسقاطها كليا أو تغيير نظامها وسياساتها. ومن النادر أن تجد من ينظر للأحداث بموضوعية، ويسعى لتحليل ما يجري وانعكاسه على المصالح العربية، أو على الاستقرار في المنطقة، أو على قضايانا المختلفة، ولا سيما القضية الفلسطينية.

والمشكلة أن الموقف من إيران أو تركيا؛ تتحكم فيه - بشكل كبير - الموروثات التاريخية أو الخلافات المذهبية، أو أحيانا الصراعات السياسية، وليس الأبعاد الاستراتيجية والحسابات المستقبلية على كل أوضاع المنطقة.

فإذا أخذنا إيران نموذجا، فقد يكون الخلاف مع النظام القائم فيها حاليا أمر طبيعي لشريحة واسعة في العالم العربي، كما أنه قد يكون لدى هؤلاء اعتراض كبير على سياسات إيران الخارجية، ولا سيما في سوريا واليمن، أو لبنان أو البحرين أو العراق.. لكن في المقابل، هل من مصلحة العرب أن تندفع إيران نحو الخراب، وتتطور الأوضاع فيها بشكل دراماتيكي، كما حصل في العديد من الدول العربية؟
 

الموقف من إيران أو تركيا؛ تتحكم فيه - بشكل كبير - الموروثات التاريخية أو الخلافات المذهبية، أو أحيانا الصراعات السياسية

وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا، فإذا كان لدى البعض اعتراضات على سياسات النظام في تركيا أو مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فما هي المصلحة في أن يتم الرهان على سقوط هذا النظام، أو نجاح الانقلاب الأخير ضده، أو تطور الأوضاع في تركيا إلى صراعات قومية أو إثنية أو مذهبية؟

مشكلة الكثيرين من العرب؛ أنهم ينظرون للتطورات في إيران أو تركيا من زاوية ضيقة، وتتعلق بالحسابات الآنية، أو من منظور تاريخي أو مذهبي، دون أن ينظروا للحسابات الاستراتيجية والاقتصادية والمصالحية للعلاقة مع هاتين الدولتين العريقتين في المنطقة.

فسواء أحببنا النظام في إحدى هاتين الدولتين أو لم نحبه، أو كانت لنا اعتراضات على السياسات الخارجية لهاتين الدولتين، أو كنا مؤيدين لهما، أليس من الأفضل أن ننظر للأمور بموضوعية، ونبحث عن مصالحنا كعرب في العلاقة مع هاتين الدولتين؟ وهل تمني خراب إحدى هاتين الدولتين يخدم المصالح العربية، سواء في الأفق القريب أو البعيد؟ وإذا كنا نعترض على تدخل هذه الدول أو تلك في شؤوننا، فهل يحق لنا أن نعمل بالمثل، ونشجع شعوب هذه الدول على الثورات، والقيام بأعمال شغب ضد النظام فيها؟

 

سواء أحببنا النظام في إحدى هاتين الدولتين أو لم نحبه، أو كانت لنا اعتراضات على السياسات الخارجية، أو كنا مؤيدين لهما، أليس من الأفضل أن ننظر بموضوعية، ونبحث عن مصالحنا مع هاتين الدولتين؟


قد يكون صحيحا أن السياسات في هذه الأيام لا تقوم على أسس أخلاقية أو قيمية، وأن كل طرف يسعى للضغط على الطرف الذي يختلف معه بكل الوسائل الممكنة، لكن هل من مصلحتنا كعرب أن ندعو لتقسيم تركيا أو إيران أو العودة للخلافات التاريخية والمذهبية؟ أو أن مصلحتنا أن نبحث عن مصالحنا المشتركة وندعو للحوار من أجل مستقبل أفضل لنا جميعا في هذا الإقليم العربي والإسلامي؟

في ظل التطورات الجارية في إيران، وفي ظل عودة تركيا للعب دور فاعل في منطقتنا، وفي ظل التطورات على صعيد الصراع مع العدو الصهيوني بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، والتوجه لضم الضفة الغربية لهذا الكيان، نحتاج جميعا للنظر بطريقة أخرى لما يجري في إيران وتركيا، والبحث عن أفق جديد للعلاقة مع هاتين الدولتين بدل البقاء في خانة الخلافات التاريخية أو المذهبية أو القومية؛ لأن ذلك ليس لصالحنا كعرب أولا وأخيرا.