أثار القرار الذي اتخذه الرئيس سعد الحريري بتأجيل «بقّ البحصة» (التي سبق أن أشار إليها في بعض خطاباته) الكثير من التساؤلات عن الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ هذا القرار، بعد ان شنّ عدد من مسؤولي التيار حملة سياسية وإعلامية منظمة على عدد من الأحزاب والقيادات السياسية والفكرية، وجرى اتهام هذه الشخصيات بأنها خانت الحريري وأنها هي من وشى به لدى المسؤولين السعوديين قبل إعلان استقالته.
فما هي الأسباب التي دفعت الحريري إلى تأجيل استكمال الحملة الإعلامية على حلفائه السابقين وخصوصاً القوات اللبنانية وحزب الكتائب والنائب السابق فارس سعيد وبعض النواب المسؤولين والشخصيات القريبة منه؟ وهل يمكن أن تعود العلاقة بين الحريري وتيار المستقبل وهذه القوى والشخصيات إلى سابق عهدها؟ أم أننا سنكون أمام تحالفات سياسية وحزبية جديدة مغايرة لما كانت عليه الأمور في السنوات السابقة بعد أن أعلن الحريري في حوار خلال مؤتمر لمؤسسة كارنيغي «انه قد يتحالف في المستقبل مع قوى وشخصيات قد لا يلتقي معها سياسياً أو يتفق معها بالكامل».
فما هي رؤية الحريري وتيار المستقبل للحلفاء السابقين؟ وهل يمكن أن تعود العلاقات الى سابق عهدها أم ان «انكسار الجرة» لا يمكن أن يعيد الأمور إلى الوراء؟ وما هي سياسة الحريري والتيار في المرحلة المقبلة؟
بداية، ما هي الأسباب التي دفعت الرئيس سعد الحريري إلى تأجيل «بقّ البحصة»؟ وأين أصبحت العلاقة مع الحلفاء السابقين، ولا سيما «القوات اللبنانية»؟
تقول مصادر مطلعة في «تيار المستقبل» إن الرئيس سعد الحريري اتخذ قراراً أبلغه إلى مسؤولي التيار بضرورة وقف الحملات السياسية والإعلامية على الحلفاء السابقين، ولا سيما «القوات اللبنانية»، وذلك بهدف إعطاء فرصة لإعادة الحوار والتواصل مع هؤلاء الحلفاء ومن أجل عدم إعطاء «القوات» الحجة بأنها «مظلومة ومُحاربة»، خصوصاً في حال تشكيل تحالف خماسي سياسي في المستقبل».
وتوضح المصادر «أن ما جرى خلال الأسابيع الماضية على صعيد العلاقة بين «تيار المستقبل» وعدد من الحلفاء السابقين والشخصيات السياسية والحزبية، قد أدى إلى بروز شرخ في هذه العلاقة، في ظل وجود معطيات تؤكد دور بعض هؤلاء في التحريض على الرئيس سعد الحريري في السعودية، ولكن رغم حالة الشرخ هذه، هناك محاولات حثيثة من أجل اعادة الحوار والتواصل مع بعض هذه القوى (وخصوصاً القوات اللبنانية) لتوضيح الأمور ومعالجة بعض القضايا العالقة».
لكن مصادر إعلامية متعددة في بيروت تؤكد «ان هناك بعض الشخصيات السياسية والحزبية والفكرية لا يمكن ان تعود الى دائرة القرار أو من ضمن المجموعة المقربة من الحريري، كذلك هناك شخصيات أخرى أصبح هناك خلاف قوي معها ومنها: النائب السابق الدكتور فارس سعيد، المفكر الدكتور رضوان السيد، رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة.
وهناك نواب وشخصيات أخرى داخل «تيار المستقبل» أو كانت من ضمن «قوى 14 آذار» لا يمكن ان تعود العلاقة معها مستقبلاً في ظل المتغيرات السياسية.
آفاق المستقبل ووضوح الرؤية
لكن ما هي السياسة التي سيتبعها الرئيس سعد الحريري و«تيار المستقبل» في المرحلة المقبلة؟ وأية تحالفات أو علاقات سياسية سينسجها في ظل المتغيرات السياسية داخلياً وخارجياً؟
ترى مصادر سياسية في بيروت «أن الأزمة التي واجهها الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل خلال «مرحلة استقالة الحكومة» قد دفعته إلى إعادة النظر بكل التحالفات والعلاقات السياسية الداخلية والخارجية، وانها أدت إلى توثيق العلاقة مع الرئيس العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل والرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وفتحت الباب أمام تواصل وحوار جدي مع جزب الله، فيما أثارت شكوكاً وإشكالات مع الحلفاء السابقين من قوى 14 آذار وكذلك مع شخصيات كانت قريبة منه في تيار وكتلة المستقبل»، كذلك أتاحت مجدداً للتواصل مع قوى وشخصيات إسلامية ولا سيما الجماعة الإسلامية، بعد أن شابت هذه العلاقة بعض الفتور سابقاً.
أما على الصعيد الخارجي، «فقد أدت الى توثيق العلاقة مع فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون، فيما أثارت بعض الشكوك في علاقة مع السعودية، رغم خرص الحريري على التأكيد الدائم لاستمرار العلاقة القوية والمميزة مع السعودية.
وحول آفاق المرحلة المستقبلية وتحالفات الحريري والتيار، تقول هذه المصادر إنه لا يمكن حالياً رسم صورة نهائية للتحالفات السياسية والانتخابية رغم التقارب القوي بين «المستقبل»والتيار الوطني الحر وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، لأن الأوضاع تتطلب المزيد من الوضوح والمعالجات، خصوصاً أن قانون الانتخابات الجديد القائم على النسبية والصوت التفضيلي يُلْزم القوى والأحزاب السياسية بالأخذ بالاعتبار. المعطيات والوقائع السياسية والشعبية في كل دائرة على حدة ولا يمكن إقامة تحالف ثابت في كل الدوائر.
مصادر مطلعة في تيار المستقبل تؤكد أن علاقات تيار المستقبل وتحالفاته السياسية والحزبية لا تزال محور  حوار ونقاش داخلي، وأن هناك بحثاً في كل التطورات والمعطيات بانتظار تبلور الصورة النهائية داخلياً وخارجياً.
إذاً، يعود الرئيس سعد الحريري و«تيار المستقبل» للتريث مجدداً، ورغم أن بعض قادة التيار (ومنهم عضو المكتب السياسي ومنسق التيار في البترون الإعلامي جورج بكاسيني) مستمرون في الحملة على المخبرين الذين أساؤوا إلى الرئيس سعد الحريري، فإن القرار النهائي حول التحالفات والعلاقات ينتظر المزيد من تبلور الرؤية في المرحلة المقبلة.}