بعد سنوات من القتل الممنهج، والموت المتنقل، والدماء العابرة لكل الخطوط الحمر، شارفت أسطورة "داعش" على طيّ آخر صفحاتها في سوريا والعراق. وبينما تعيش الدول الأم هواجس عودة مقاتلي التنظيم إليها، تعيش الدول المجاورة لساحات الدمار هواجساً لا تقل عن الأولى وربما تتجاوزها بأشواط.

عانى لبنان الكثير من شرّ "داعش" واحترقت قلوب عدد كبير من اللبنانيين بنيران الحرب السورية في محطات دماء متعددة، وصدّر لبنان عدداً لا بأس به من الإرهابيين الذين انتسبوا لتنظيم داعش في سوريا والعراق وانخرطوا في القتال معه، ونفذ عدد منهم تفجيرات إرهابية في لبنان.

هذا الأمر يضاعف الخطر الأمني على لبنان، سواء من ناحية تسلل مقاتلي التنظيم إليه عبر حدوده الشاسعة والمتفلتة التي تفصل بينه وبين سوريا، أو من ناحية عودة بعض المقاتلين من حملة الجنسية اللبنانية إلى بلدهم.

فكيف تتحضر القوى الأمنية اللبنانية لمواجهة الخطر المقبل مرة جديدة من خلف الحدود، وما هي الاستراتيجية المتبعة لتفادي سيناريوهات أمنية جديدة في الداخل اللبناني؟

يؤكد مصدر مطلّع لـ"ليبانون ديبايت" أن الأجهزة الأمنية على جهوزية تامة، مبدياً ارتياحاً مشوباً بالحذر. ولفت إلى أن لبنان مرتاح أمنياً، واحتمال الخرق الأمني ضعيف جداً، والتجارب السابقة أثبتت أن الحرب الاستباقية التي مارستها القوى الامنية على خلايا داعش في لبنان شتتت قوى التنظيم وفككت قواه، وجعلت مقاتليه بحالة عجز عن مزاولة نشاطهم.

وعن إمكانية عودة بعض المقاتلين الى لبنان، يؤكد المصدر نفسه، أن لا عدد واضح حول اللبنانيين الذين التحقوا بداعش، "لكن إذا ما وضعنا عدد الذين قُتلوا منهم وجرى الافصاح عنهم وقارناه منطقياً لوجدنا أن العدد محدود نسبة الى الدول الاخرى التي تعلن عن مقتل العشرات من مواطنيها بصفوف التنظيم، أما في حال عودتهم ستكون القوى الأمنية لهم بالمرصاد وسيكون السجن في انتظارهم".

من الناحية النفسية، يرى الطبيب النفسي أحمد عياش أن "مقاتلي داعش مشحونون بتوتر الأفكار العقائدية المقتنعة بصوابيتها ورسالتها الإلهية المسددة الخطى مباشرة من الله، فإن كان الانتصار فهو نعمة من الله، وإن كانت هزيمة فبلاء من الله، ما معناه في كلتا الحالتين رعاية إلهية".

ويؤكد عياش أن المقاتلين القادمين إلى لبنان يأتون بنسبة شحن توتر مرتفع وذلك لشعورهم بالانهزام أمام مقاتلي حزب الله في سوريا والعراق، أي أن الهدف انتقامي بامتياز من بيئة حزب الله وحلفائه وبما أن هؤلاء يؤمنون بالجنة فأقصر الطرق إليها الموت والقتل.

ولفت إلى أن السبيل الأسلم للتعاطي مع هؤلاء "المستنفرين دائماً والمرضى الذهنيين" هو عبر المستشفيات المغلقة والمحمية، كونها تنفع معهم أكثر من السجون "مع متابعة طبية نفسية من مختصين في الجريمة".

وفي ظلّ غياب هذا النوع من المستشفيات في لبنان، تبقى السجون هي المأوى الوحيد لهؤلاء في حال تم إلقاء القبض عليهم، ولكن هل السجون اللبنانية مؤهلة لاستقبالهم، وماذا عن عمليات التأهيل؟

لا ينكر رئيس جمعية "نسروتو – أخوية السجون في لبنان" الأب مروان غانم أن السجون في لبنان تعاني من التخمة ومن مشكلة أساسية قوامها أن هناك موقوفين أكثر من المحكومين، ولكنه يستبعد أن تضع الدولة هذا النوع من المجرمين في الأجنحة العادية، بل لا بد من أنها ستخصص لهم مكاناً أمنياً، لمنعهم من الاختلاط بغيرهم، على غرار الجناح المخصص لجرائم الإرهاب في سجن روميه، لأن الدولة اليوم والأجهزة الأمنية واعية جدا لخطر هذه المنظمات.

وعن عملية تأهيل هؤلاء التي لا تتم حالياً في السجون اللبنانية، يرى غانم أن عملية تأهيل هذا النوع من المساجين ليست مستحيلة لكنها جدا صعبة وحذرة، وتحتاج لوقت ولاختصاصيين وخبراء في هذا المجال، لأن صاحب الفكر الأصولي تمت فبركة دماغه على العمل الإرهابي.