انتهت أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى «توافق مبدئي بين مختلف الأطراف السياسية والحزبية اللبنانية على ضرورة التزام سياسة النأي بالنفس والتمسك باتفاق الطائف وابعاد لبنان عن صراعات المنطقة، حسبما جرى إعلان ذلك بعد المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع معظم الأطراف السياسية.
وبانتظار بلورة الصيغ العملية للتوافق اللبناني الجديد الذي أدى إلى عودة الحكومة للعمل المنتظم، فإن الأزمة الحكومية تركت انعكاسات عديدة على العلاقات بين القوى السياسية والحزبية اللبنانية. فمن ناحية، أدت استقالة الرئيس الحريري الى تمتين علاقاته مع الرئيس العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وتخفيف التوتر مع حزب الله، لكنها بالمقابل أدت الى توتر العلاقة بين «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» ورئيسها الدكتور سمير جعجع، إضافة إلى زيادة التباعد مع الشخصيات والقوى التي كانت ناشطة في إطار قوى 14 آذار مثل النائب السابق الدكتور فارس سعيد، بعد ورود اتهامات من مسؤولين في «تيار المستقبل» للقوات اللبنانية وسعيد بتحريض السعودية ضد الرئيس سعد الحريري.
فكيف انعكست الأزمة الحكومية على العلاقات بين القوى السياسية والحزبية اللبنانية؟ وهل سيكون للمشهد السياسي الداخلي تداعيات على التحالفات الانتخابية المقبلة في العام المقبل؟
تداعيات على العلاقات السياسية
بداية، كيف انعكست أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري على علاقاته مع بقية القوى السياسية والحزبية اللبنانية؟
خلال الأسابيع الأربعة التي امتدت خلالها الأزمة الحكومية، شهدت العلاقات بين مختلف القوى السياسية والحزبية اللبنانية تطورات هامة، ففيما أدت الى تمتين العلاقة بين بعض هذه القوى، وخصوصاً تلك التي ساندت الرئيس سعد الحريري خلال الأزمة، أدت في المقابل الى توتر العلاقة مع القوى والشخصيات التي اتهمها بعض قادة «تيار المستقبل» بأنها قد تكون مسؤولة عن التحريض ضد الرئيس سعد الحريري خلال الأزمة.
فعلى المقلب الأول ونظراً للدور الذي لعبه كل من الرئيس العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وقيادة حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله الوقوف إلى جانب الرئيس سعد الحريري، فقد أدت الأزمة الى تمتين العلاقة بين هذه الأطراف، سواء على المستوى الشخصي أو على الصعيد العام. وبالنسبة إلى حزب الله، فرغم ان الحريري حمّله في نص الاستقالة وفي بعض تصريحاته مسؤولية الاستقالة، فإن مصادر سياسية مطلعة تؤكد «أن العلاقة بين الحريري وقيادة الحزب شهدت مؤشرات إيجابية في الأسابيع الماضية، وان هناك تفهماً متبادلاً للمواقف بين الطرفين».
وأما العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر ورئيس التيار الوزير جبران باسيل فكانوا الرابح الأقوى من الأزمة، لأنهم تولوا إدارة الأزمة بحسم، ووقفوا الى جانب الرئيس الحريري، ما عزَّز العلاقة بين «تيار المستقبل» والتيار الوطني الحر، كذلك شهدت العلاقات الثنائية بين الحريري وكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تطورات إيجابية نظراً لدورهما في دعم الحريري ورفض الاستقالة.
وبالمقابل توترت العلاقة كثيراً بين «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» بسبب نشر تقارير إعلامية وإطلاق مواقف بعض مسؤولي التيار تشير إلى مسؤولية القوات ورئيسها الدكتور سمير جعجع بالتحريض ضد الحريري في السعودية، ومع ان قادة الطرفين حرصا على التخفيف من أجواء التوتر، فإن العديد من المعطيات والمعلومات تؤكد وجود شرخ حقيقي بينهما.
وأما النائب السابق الدكتور فارس سعيد، فقد حُمِّل المسؤولية العلنية من قبل مسؤولين في التيار بأنه أحد المحرضين (إلى جانب الوزير السابق أشرف ريفي) ضد الرئيس سعد الحريري.
كل هذه المعطيات تؤكد أننا سنكون أمام مشهد سياسي وحزبي جديد في لبنان بعد عودة الحكومة الحريري الى الانتظام في عملها.
التحالفات الانتخابية
لكن هل ستنعكس التطورات الجديدة بعد انتهاء الأزمة الحكومية على الانتخابات النيابية المقبلة؟ وكيف ستكون التحالفات الجديدة في ضوء التطورات المستجدة في الواقع السياسي اللبناني؟ وماذا عن احتمال تقديم موعد الانتخابات النيابية؟
خلال الأيام الماضية برزت معلومات عديدة بين الأوساط السياسية اللبنانية تشير الى وجود بحث جدي في امكانية تقديم موعد اجراء الانتخابات قد  يكون لمصلحة الرئيس سعد الحريري و«تيار المستقبل» في مواجهة خصومه على الساحة السنّية، ولكن هذا الموضوع لم يُحسَم بانتظار استكمال المشاورات حوله.
أما على صعيد التحالفات الانتخابية المقبلة في ضوء تداعيات الأزمة الحكومية، فتشير مصادر سياسية مطلعة الى «ان التطور الايجابي الكبير في العلاقة بين الرئيس سعد الحريري وكل من الرئيس العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ولدي جنبلاط قد يمهِّد لحصول تحالفات انتخابية في العديد من المناطق التي يوجدون فيها بشكل مشترك».
وأما موقف حزب الله من هذا التحالف فلم يحسم نظراً لتحالفه القوي مع حركة أمل والتيار الوطني الحر، وعدم حسم القرار بشأن العلاقة مع «تيار المستقبل».
وفي المقابل، فإن العلاقة بين كل من «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» من جهة و«القوات اللبنانية» من جهة أخرى شهدت أجواء من التوتر والسلبية، ما قد يقطع الطريق نهائياً على أي تحالف بينهم.
وفيما عززت الأزمة دور «تيار المستقبل» وزعيمه رئيس الحكومة سعد الحريري وبعض الشخصيات في التيار كالوزير نهاد المشنوق، فإنها سيكون لها انعكاسات سلبية على قوى وشخصيات أخرى مثل «القوات اللبنانية» والوزير السابق أشرف ريفي والنائب السابق الدكتور فارس سعيد.
وبانتظار بلورة الصورة النهائية بشأن موعد الانتخابات والصيغ العملية للتوافقات الجديدة، فإننا سنكون أمام مشهد سياسي وحزبي جديد في الواقع اللبناني بعد عودة حكومة الرئيس سعد الحريري للعمل بشكل منتظم.}