النأي بالنفس للخروج من الازمة لعبٌ وتلفيق

 

الديار :

كتب الصحافي «مارك بيري» في صحيفة «ذا اميركا كونزرفاتيف» التقرير الآتي عن ازمة الرئيس الحريري في السعودية وتعامل الادارة الاميركية:
أتت جهود الأمير سلمان لبدء أزمة إقليمية بنتائج عكسية، ولكن دفعت الدراما بوزير الخارجية الاميركي إلى «الغليان».
إنّ حكاية إنجاز محمد بن سلمان البالغ من العمر 32 عاما، معقدة بعض الشيء، لكنها جديرة بأن تُروى. ففي وقت سابق من هذا الشهر، في 2 تشرين الثاني، تلقى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، نجل عائلة الحريري الغنية (وابن رفيق الحريري الذي نال الكثير من الاحترام، والذي اغتيل في انفجار سيارة مفخخة في بيروت في العام 2005 في بيروت) اتصالا من مسؤول سعودي رفيع المستوى، طُلِبَ منه فيه السفر فورًا الى الرياض للقاء ولي العهد السعودي. ولم يستطع الحريري أن يرفض: إذ انه مواطن لبناني - سعودي مزدوج، وثروة عائلته (وتمويل حزبه السياسي اللبناني، حركة المستقبل) رهن السخاء السعودي. لذا، انطلق في سفره.
وفي اليوم التالي، طال انتظار الحريري لمدة أربع ساعات  ليلتقي بالأمير محمد بن سلمان، قبل أن يُقاد إلى القاعة التي كان موجوداً فيها ولي العهد، حيث أُمِرَ بقراءة بيان تلفزيوني يعلن فيه استقالته من منصب رئيس الوزراء اللبناني، ويوجه اللوم إلى إيران وعميلها اللبناني، حزب الله، للتآمر لزعزعة استقرار بلده ولقتله. وكان الموقف دراميا بامتياز، ولكن لم تكن التمثيلية مقنعة: إذ تحركت عيون الحريري بشكل يعبر عن عدم الراحة في خلال خطابه، كما لو كان يلتمس رضى أشخاص من وراء الكاميرا، على أنه يقوم بدوره تمامًا كما طُلِبَ منه. ثم ظهر الحريري فجأة في أبوظبي، حيث اجتمع بولي العهد الأمير محمد بن زايد آل نهيان، قبل أن يعود إلى الرياض، حيث طمأن اللبنانيين إلى أنه صادق باستقالته، وأن السعوديين لم يحتجزوه غصبًا، وأنه سيعود قريبًا إلى بيروت.
لكن لسوء حظ السعوديين، لم يصدقه أحد في لبنان.
وفي غضون ساعات من خطاب الحريري، تكهن مسؤولون في حركة المستقبل (السنية بأغلبيتها) بأن رئيس الوزراء كان محتجزا ضد إرادته، وأعربوا عن شكوكهم في طوعية استقالته، وعملوا على عودته. وبعد عدة ايام، قال الرئيس اللبناني ميشال عون (الماروني المسيحي) أنه يعتقد أنّ السعوديين «خطفوا» الحريري، بينما وصف حسن نصر الله، الزعيم الشيعي لحزب الله الموالي لايران، «استقالة الحريري» بـ«قرار فرضته السعودية». فبدأت لافتات تحمل عبارة «نريد استرجاع رئيس وزرائنا» تظهر في بيروت، فضلاً عن قمصان العدائين الذين شاركوا في ماراثون بيروت، حيث كُتِبَ «نجري من أجل الحريري».
فبات الحريري فجأة المثل الأعلى للبنان، ومشروع شهيد. أي في غضون أيام من استقالته، كان واضحا أن محاولة السعودية للوم حزب الله على «زعزعة استقرار لبنان» قد أتت بنتائج عكسية: جعلت إصرار محمد بن سلمان على أن يتخذ الحريري موقفا أكثر صرامة ضد إيران وحزب الله من فصائل لبنان المتشاجرة، حلفاء. في الواقع، قررت العامة في لبنان أنّ المتآمرين ضد لبنان ليسوا في طهران، بل في الرياض. ولكن لم يكن اللبنانيون الوحيدين الذين لم يصدقوا الموقف السعودي، ولا وزارة الخارجية الأميركية...
 

 تيلرسون تفاجأ بالخطوات السعودية ضد الحريري ووقف ضدها


وبحسب ما أكده ديبلوماسيون كبار في الشرق الاوسط لوكالة TAC، تفاجأ وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون، الذي كان يرافق الرئيس خلال جولته في آسيا في خلال إطلاق المبادرة السعودية، بهذه الخطوة،. وفي حين اتُهم تيلرسون فيما بعد بأنه «انسحب تماما» من الأزمة، قال لنا العديد من الديبلوماسيين الأميركيين السابقين والحاليين إن العكس هو الصحيح. بل قالوا إنّ تيلرسون فتح «مناقشات طويلة ومحددة» حول وضع الحريري مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في السابع من تشرين الثاني، بعد أن أمر القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى ديفيد ساترفيلد باستلام هذه القضية. وتحدث ساترفيلد مع مساعدي الحريري في بيروت، وطلب من كريستوفر هنزيل، القائم بأعمال بالولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية، الاجتماع مع الحريري في الرياض. أما في بيروت، فقامت السفيرة الاميركية اليزابيث ريتشارد في الوقت عينه بجمع معلومات حول الازمة من المسؤولين اللبنانيين، وبإرسالها الى واشنطن.
وتماشت ردة فعل تيلرسون الأولية على استقالة الحريري مع مقاربته الهادئة للأمور. إذ جمع الحقائق، وطلب المشورة، ونصح بالهدوء وحافظ على رباطة جأشه. أما وراء الكواليس،  فكان تيلرسون «يغلي». فتلك هي المرة الثانية في خلال ستة أشهر التي يتخذ فيها السعوديون مبادرة ديبلوماسية كبيرة دون إنذار الولايات المتحدة، وهو انتهاك لقاعدة «لا مفاجآت» غير المدونة، وهي الكياسة الأساسية بين كل الحلفاء المقربين. وجاءت المفاجأة الاولى في حزيران، عندما قطع السعوديون علاقاتهم مع قطر وفرضوا عليها حصاراً اقتصادياً. وأحرجت هذه الموجة ضد قطر الولايات المتحدة، وقسمت مجلس التعاون الخليجي، وحطمت الجهود الاميركية لتشكيل كتلة سنية موحدة ضد ايران. وكما كان الحال مع استقالة الحريري بخلفية سعودية، جاءت أزمة قطر من دون أي تحذير من السعوديين إلى أهم حليف لهم.
 

 علاقة صهر ترامب ومحمد بن سلمان الحميمية


وقال ديبلوماسي كبير في الشرق الاوسط تحدثت معه وكالة «TAC»، إنّ تيلرسون لم يغضب بسبب عدم إنذار السعودية الولايات المتحدة بخططها في لبنان فحسب، بل شك في أن البيت الابيض عرف خطة الحريري مسبقًا، لكن لم يتم إعلامه بها. كان المذنب هنا، على مثال أزمة قطر، جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي البالغ من العمر 36 عاما، الذي ينافس دوره الرسمي في البيت الأبيض - الشبيه بانهيال ألقاب جمة عليه - كل الألقاب التي تُعطى للملك السعودي: كبير مستشاري الرئيس، نائب مستشار الأمن القومي للاستراتيجية، والممثل الخاص للمفاوضات الدولية. والأهم من ذلك أن كوشنر قريب من محمد بن سلمان، الذي كان كوشنر قد اجتمع به (ظاهريًّا، لمناقشة عملية السلام الإسرائيلية -الفلسطينية)، خلال رحلة شبه سرية إلى المنطقة في نهاية شهر تشرين الأول.
وقال الديبلوماسي الكــبير في الشرق الاوسط لوكالة الأنباء «TAC» : «ليس كوشنر ومحمد بن سلمان مقربين فحسب، بل هما مقربان جداً». «ربما ثمة احتمال خارجي أنّ كوشنر تفاجأ مثله مثل تيلرسون بالخطوة المتعلقة بالحريري، ولكن لا أعتقد ذلك. لا يمكن تصور أن بن سلمان لم يخبر كوشنر بما كان يخطط له». لكن هذا الديبلوماسي عينه رفض الفكرة القائلة ان بن سلمان طلب موافقة كوشنر على المبادرة السعودية، وأن كوشنر»أعطاه الضوء الأخضر». وأضاف: «لا تسري الأمور بهذه الطريقة. أشك في أن السعوديين بحاجة إلى ضوء أخضر. لا يعتقدون انهم بحاجة الى إذن أي شخص للقيام بما يريدون، بل يعتبرون دعم كوشنر لهم من المسلّم به. وتشير لهم حساباتهم أنّ له نفوذا أكبر مع الرئيس من ريكس تيلرسون».
 

 غضب محمد بن سلمان من الحريري وزيارته لاميركا


في الحقيقة، يقول هذا الديبلوماسي انه لم يكن من المفترض على الولايات المتحدة أو تيلرسون أن يتفاجأا من الخطوة السعودية، أو من نفور ولي العهد من سعد الحريري. إذ كانت التوترات بين رئيس الوزراء اللبناني والسعوديين تتفاقم منذ منتصف شهر أيار، عندما وصل وفد من المصرفيين المدعومين من الحريري الى واشنطن للضغط على الكونغرس كي لا يفرض عقوبات صارمة جديدة على المؤسسات المالية اللبنانية المشتبه في ارتباطها بحزب الله. وقال المسؤولون اللبنانيون لأعضاء الكونغرس إن زيادة الضغوط التنظيمية ستضر القطاع المصرفي الهش في لبنان وتعرض استقراره المالي للخطر. وذهب الحريري بنفسه إلى واشنطن في تموز لدعم هذه الجهود. ونتيجة لذلك، خفض الكونغرس تأثير العقوبات المقترحة، خوفا من أن تؤدي أي محاولة لاستهداف حزب الله إلى تقويض الاقتصاد اللبناني الهش.
وقال الديبلوماسي عينه: «تلك كانت القشة التي قصمت ظهر البعير للسعوديين. فشعروا بالاشمئزاز. بالنسة لهم، كان الحريري يميل نحو الإيرانيين». وبحلول نهاية الصيف، عزم السعوديون على التخلص من رئيس الوزراء واستبداله بأخيه الأكبر، بهاء، المقيم في السعودية ومنافس سعد الذي أراد منذ فترة طويلة أن يأخذ محل أخيه كقائد حركة المستقبل. وقال مساعد كبير للرئيس اللبناني ميشال عون لمحافظي الولايات المتحدة في رسالة بالبريد الالكتروني: «كانت هذه مؤامرة بدأ تنفيذها منذ أشهر، إذ كان سعد قد رفض أن يخضع لخطة السعودية لمواجهة الإيرانيين. لذلك قرر الأمير محمد بن سلمان أن يجعله يدفع الثمن».
لكن لم يتخط الحريري  محمد بن سلمان فحسب، بل تخطى أيضا ثامر السبهان، وزير شؤون دولة الخليج في المملكة العربية السعودية، ومؤيد وفيّ لولي العهد السعودي. وفي النقاط الرئيسية في الأزمة، وحتى في خلال فترات صمت محمد بن سلمان، كان السبهان قد أصدر تهديدات ضد إيران وحزب الله، وسعد الحريري. وجاءت تصريحاته العلنية الصريحة في خضم أزمة الحريري في 7 تشرين الثاني، وكانت موجهة إلى رئيس الوزراء اللبناني.
 

 تيلرسون ودعم واضح للحريري والاستقرار


وقال السبهان في حديث الى قناة العربية السعودية: «سنعامل الحكومة في لبنان كدولة تعلن الحرب على السعودية بسبب عدوان حزب الله.» وكان هذا البيان مثيرًا للدهشة، وتم تفسيره في واشنطن كتهديد تحت عنوان «وإلا» للحريري - عليه الاستقالة من منصبه والانقياد للخط السعودي، «وإلّا». تكمن مشكلة السبهان والسعوديين في أنه كلما زاد تهّور كلامهم، كلما أصر اللبنانيون أكثر على موقفهم. وقال المسؤول المذكور: «خطأ السعوديين هو في التفكير أننا سنخضع. لم نخضع».
ولم يخضع ريكس تيلرسون هو أيضًا. وفي 10 تشرين الثاني، أصدرت وزارة الخارجية بيانا صحفيا تحت اسم تيلرسون («الوضع في لبنان») يدعم الحريري («نحن نحترم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري كشريك قوي للولايات المتحدة»)، في الوقت عينه الذي وجهت فيه ضربة نحو إيران والسعوديين. وقال البيان: «إن الولايات المتحدة تحذر أي طرف داخل لبنان أو خارجه، يستخدم لبنان كمكان للصراعات بالوكالة أو بأي شكل يسهم في زعزعة الاستقرار في ذلك البلد».
 

 لقاء متوتر بين ساترفيلد والسبهان


وتبين أنّ 10 تشرين الثاني هي أهم لحظة في أزمة الحريري. إذ في اليوم الذي صدر فيه بيان تيلرسون، كان ديفيد ساترفيلد الذي عيّنه تيلرسون للاهتمام بهذه القضية قد اجتمع بثامر السبهان في وزارة الخارجية. وكان السبهان في واشنطن لعقد اجتماعات، من بينها اجتماع في البيت الأبيض. ووفقا للديبلوماسي الكبير عينه، لم يجر اجتماع ساترفيلد - السبهان على ما يرام. في الواقع، لا يعبر الوصف عن الواقع تماماً.
فقد صرح لنا سفير سابق تلقى تسجيلا  للاجتماع أنّ «الاجتماع كان قبيحاً وتواجهيّاً. أعلن ساترفيلد أنّ الولايات المتحدة لا تدعم المبادرة السعودية، واعتبر أن ما يفعله السعوديون هو زعزعة الاستقرار، وأراد أن يبقي سعد رئيسا للوزراء، ولم يكن ليدعم بهاء كبديل له». ويقول هذا الديبلوماسي الكبير إن ساترفيلد «رفض» محاولة السعودية لنقل قيادة حركة المستقبل إلى بهاء. واضاف: «أوضح ساترفيلد أنّ الولايات المتحدة لم تعتقد أن بهاء قادر على القيام بهذا الدور،» واضاف بعد ذلك رأيه الخاص به، «انه لا يمكن التنبؤ بأفعاله، وأنه كسول».
وفي الأيام التي أعقبت اجتماع ساترفيلد - السبهان، خفت حدة أزمة الحريري. إذ نكر الحريري أنه احتُجز ضد إرادته من قبل السعوديين، ووصل إلى باريس يوم السبت، حيث التقى بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ثم توجه إلى بيروت عبر القاهرة يوم الاربعاء. واعتُبرت عودته انتصارًا. وقد ظهر في عرض عسكري بمناسبة عيد استقلال وطنه، وتحدث مع الحشود التي كانت تهتف خارج منزله. فعل كل ذلك، لكنه لم يعدل عن قرار الرياض بالاستقالة من منصب رئيس الوزراء اللبناني. وقال الحريري: «قدمت استقالتي إلى الرئيس عون، وطلب مني تأجيل عرضها بهدف السماح بإجراء المزيد من المشاورات والمداولات، فوافقت».
 

 تيلرسون عالج الملف خلافاً لتوجهات صهر ترامب


البطل غير المتوقع في كل هذا قد يكون ريكس تيلرسون، الذي قام بهدوء برسم سياسة أميركية على خلاف وجهات نظر دونالد ترامب وصهره. لا تزال التفاصيل الدقيقة لكيفية إنجاح تيلرسون ذلك غير معروفة (يقول الديبلوماسي الكبير الذي تحدثنا معه «أعتقد أن تيلرسون أخبر ترامب بكل بساطة بما كان سيفعله، ثم نفذ الخطة»)، على الرغم من زيادة الصعوبات التي يواجهها، ومن انه لا يزال هدفا للمسؤولين السابقين والحاليين في وزارة الخارجية لفشله في ملء مكاتب وزارة الخارجية الأميركية، وأنه لا يزال يُشاع أنه سيتم استبداله، وأنه غير محبوب على نطاق واسع من قبل الصحفيين الذين يغطون أحداث وزارة الخارجية بسبب انفصاله (ورفضه لطلبات الصحافيين للسفر معه)، وأنه عرضة للتجاهل المنتظم في المجتمع الديبلوماسي بسبب أسلوبه وعلى الرغم من عمله الذي يُقال انه سيؤدي الى «زواله» في نطاق قضايا السياسة الخارجية.
 

 اي سياسة خارجية اميركية ستسود؟


والأهم من ذلك، تتعارض وجهات نظر تيلرسون بشكل حاد مع البيت الأبيض الذي أبدى استعدادا لإعطاء قيمة لمطالبات السعودية، ما يعني أنّ ما كان واضحا في حزيران، عندما جَزّأ السعوديون عمدا الجبهة السنية الموحدة للعالم العربي ضد إيران، أصبح أكثر وضوحا الآن في خضم أزمة الحريري. وقال الديبلوماسى الكبير الذى تحدثنا معه «إن الولايات المتحدة تستخدم سياستين خارجيتين في الشرق الاوسط. ثمة سياسة خارجية للبيت الأبيض في يد جاريد كوشنر وأخرى يتم تصميمها من قبل ريكس تيلرسون.» أي سياسة خارجية ستسود؟ أثار السؤال ضحك الديبلوماسي الكبير، وقال: «ليس من الصعب حقا معرفة ذلك». واضاف: «إن ريكس تيلرسون سيكون وزير دولة إلى أن يقرر عدم توليه هذا المنصب، أو إلى أن يتم طرده. لكن جاريد كوشنر سيكون على الأرجح صهر الرئيس إلى الابد».

 

 

الجمهورية :

المناخ العام إيجابي، يتسابَق أهل الدولة على ضَخّه في الاجواء الداخلية، وتبدو مقارباتهم لأزمة استقالة الرئيس سعد الحريري، الذي غادر مساء أمس الى باريس للقاء عائلته، وكأنها مُستبطنة كلمة سرّ غير معلنة، تؤشّر الى انّ صفحة الاستقالة قد طويت نهائياً، وانّ الاسبوع المقبل سيشهد فتح صفحة حكومية جديدة مختلفة عمّا كانت عليه قبل «سبت الاستقالة» في الرابع من تشرين الثاني الجاري. يتزامن ذلك مع انشغال الاوساط السياسية في متابعة طرح الحريري التعديل الحكومي، وكذلك في تقييم طرح ثان يقول بتقديم موعد الانتخابات النيابية. واللافت انّ هذين العنوانين يتطلبان توافقاً بين كل القوى السياسية. وعلى رغم قول مراجع رئاسية وسياسية بعدم ممانعتها تقريب موعد الانتخابات، الّا أنّ مصادر معنية بهذا الملف قالت لـ«الجمهورية» انّ التبكير بالانتخابات دونه عدم القدرة اللوجستية والقانونية والسياسية على إجرائها قبل موعدها في الربيع المقبل». امّا التعديل الحكومي، فهو موضوع شديد الحساسية، ويتطلّب توافقاً شاملاً ليس متوافراً حتى الآن، وقد لا يتوافر نظراً لِما قد يتأتّى عنه من تداعيات. وتُجمع المقاربات السياسية له على انّ حظوظه قليلة، الّا انّ بعض المصادر تدعو الى ترقّب الموقف النهائي لـ»التيار الوطني الحر» من هذا الأمر.

أجمَع الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري على الايجابية، فأكد رئيس الجمهورية أنّ الازمة الاخيرة باتت خلفنا، واعتبر رئيس مجلس النواب، الذي استقبل قائد الجيش العماد جوزف عون، انّ «الإجماع اللبناني الذي تجلى بأفضل حالاته في مواجهة الازمة شَكّل ارتكازاً للاجماع الدولي على دعم لبنان واستقراره».

فيما أكد رئيس الحكومة، الذي لمس زوّاره انه «مصمّم على البقاء في موقع تَحمّل المسؤولية»، أنّ «الأجواء ايجابية، وإن شاء الله خلال الأسبوع المقبل، إن بقيت هذه الايجابية قائمة، فسنبَشّر اللبنانيين مع الرئيسين عون وبري بالخير».

أجندة... وتشريج

اذا كانت الخطوط العريضة والجوهرية للتفاهم السياسي الجديد قد صاغَتها المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية في بعبدا، وكذلك الاتصالات المباشرة في ما بين القوى السياسية الرئيسية، على وَعد تظهير هذا التفاهم ببيان حكومي أواسط الاسبوع المقبل يؤكد التزام لبنان بالنأي بالنفس وبالطائف كمرجعية حاكمة للنظام السياسي وبتأكيد حرص لبنان على علاقاته العربية ورفض التدخّل في الشؤون الداخلية أيّاً كان مصدره، فإنّ الشغل الشاغل لهذه القوى - وهذا ما يؤكده اكثر من مسؤول - هو كيفية تنظيم واعداد أجندة أولويات وملفات مرحلة ما بعد الانطلاقة الحكومية الجديدة.

وبقدر ما بَدت الحاجة مُلحّة الى وضع ما سُمّي التفاهم الجديد القائم على ثوابت وعناوين سياسية ووطنية جديدة تكون ملزمة لكل الاطراف من دون استثناء، وليس مجرد تعابير وصياغات إنشائية ولغوية لا تقدّم ولا تؤخّر، فإنّ أكثر من وزير أكد لـ«الجمهورية» أنّ «الحاجة تبدو اكثر إلحاحاً لوضع أجندة اولويات جدية لمرحلة ما بعد الولادة الثانية لحكومة الحريري، ومقاربات مختلفة عمّا كانت عليه قبل 4 تشرين الثاني، تخدم عناوين المسؤولية والشفافية ومصلحة الناس، وتطوي صفحة الأداء الحكومي السابق بكل الشوائب التي اعتَرَته».

ويتلاقى ذلك مع تأكيد شخصية سياسية بارزة لـ«الجمهورية» انّ الحاجة في ظل عملية «التشريج الجديد» للتسوية القديمة، «أكثر من ضرورية الى تحديد النأي بالنفس والتزام كافة الاطراف به»، وانّ البيان الذي سيصدر «يجب ان يقترن بميثاق شرف يؤكد التزام كل الاطراف، ويترجم بالانسحاب الحقيقي والفعلي لـ«حزب الله» من اليمن وسوريا والعراق، الأمر غير المتوافِر حالياً».

وتشير آخر المعلومات الى انّ التعويم الجديد الجاري للتسوية لن يتوقف الّا اذا كانت السعودية أبلغت الحريري عدم سَيرها بهذا المضمون، وهي لم تعط بعد موقفاً علنياً، لكنّ الاتصالات الاميركية والفرنسية والمصرية التي جرت مع الرياض في الساعات الـ 48 الفائتة أظهرت انّ المملكة مُمتعضة ممّا يجري في لبنان، ولكن لم يعرف بعد ما اذا كانت ستعَطّله ام انها ستنتظر ظرفاً آخر.

الوضع السياسي أولاً

وعلى رغم ذلك، بَدا جَلياً انّ المستويات المسؤولة في الدولة تضع «الاولويات والملفات المتراكمة» في مرتبة ثانية، وعلى حدّ قول مسؤول كبير لـ«الجمهورية» فإنّ مقاربة الاولويات والملفات الحيوية هي فعل يومي لا يجب ان يتوقف، الّا انّ الهمّ الأساس حالياً يتمثّل بإنعاش الوضع السياسي الذي أدخَلته أزمة استقالة الحريري في غيبوبة خطيرة، وهَدّدت بالتمدد سلباً نحو القطاعين المالي والاقتصادي، وهذا الانعاش يحتاج الى غرفة عناية دائمة لئلّا يتعرّض لأيّ انتكاسة، التي قد تكون مُكلفة إن حصلت، وكما تعلمون فإنه عندما يشفى الرأس يَسلم الجسد».

يتقاطَع كلام المسؤول المذكور مع نظرة تشاؤمية تُبديها مصادر وزارية حول المرحلة الحكومية المقبلة، ولا سيما لناحية عدم تَمكّن الحكومة من الإحاطة بأجندة الاولويات المتراكمة، حتى ولَو تقرّر ترتيبها من جديد والسَير بها، وذلك نظراً للعمر القصير المتبَقّي للحكومة الذي لا يزيد عن ستة أشهر، خصوصاً انّ هذه الفترة تعتبر فترة انتقالية وتحضيرية للانتخابات النيابية المقرر إجراؤها يوم الأحد في 6 أيار 2018.

تنظيف السجل العدلي

وفيما اعتبرت المصادر أنّ العمر القصير للحكومة يوجِب ان تُمنح - إذا انطلقت مجدداً - فترة سَماح تتناول فيها عناوين وملفات محددة، قال وزير وَسطي لـ«الجمهورية»: «الحكومة يجب ان تعود الى استئناف عملها، فوجودها ضرورة، ولكن هذا لا يعني أن تعود الى المراوحة في ذات السياسة والشوائب والأداء التي دفعت الى الشك بها وبصدقية تَوجّهها وبشعاراتها، وزَرعت البذرة التي أنبَتت أزمة الاستقالة وكل ما أحاط بها، من مداخلات والتباسات».

المعارضة

بدورها، قالت مصادر معارضة لـ«الجمهورية»: «بصَرف النظر عن الظروف السياسية التي تحيط بالحكومة ورئيسها حالياً، والصيَغ التفاهمية التي تنسج فيما بين أركان السلطة الحاكمة، فإنّ أمام الحكومة، إذا عادت الى استئناف عملها الطبيعي، فرصة لتبييض او تنظيف السجل العدلي للأداء الحكومي السابق الذي تَلطّخَ بالسَمسرات والصفقات المشبوهة والتفاهمات السرية التي سَعَت، عن سابق تصور وتصميم، الى الاستئثار بكل شيء وبَلع مال الخزينة».

واستبعدَت المصادر «أن تتمَكّن الحكومة، في ظلّ العقلية السائدة، من تقديم أداء جديد مختلف عمّا سبق». ورَدّت «انّ وضع الحكومة لا يُبشّر بخير». وسألت: «كيف لحكومة ان تقلّع وتعمل وتنتج، فيما هي بحاجة الى إعادة ترميم داخلي والمتاريس منصوبة في داخلها بين قوى سياسية متناقضة، ويسودها خلاف كبير وحساسيات حوّلتها من حكومة استعادة الثقة الى حكومة فاقدة للثقة ببعضها البعض، بدليل الافتراق الحاد بين رئيس الحكومة وبين بعض مكوّناتها، وقد عَبّر الحريري عن رغبته في إجراء تعديل حكومي لإخراج بعض الوزراء»؟

قانصو

وسألت «الجمهورية» الوزير علي قانصو عن موعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء، فأجاب: «لم نتبلّغ بعد أيّ دعوة»، مُرجّحاً أن تخلو من اي جدول أعمال، مُبدياً اعتقاده «بأنّ أهم موضوع، وربما كان الموضوع الوحيد على جدول أعمالها، هو تأكيد ما جاء في البيان الوزاري لجهة النأي بالنفس والابتعاد عن المحاور وحماية السلم الاهلي والاستقرار». وقال: «سيحصل نقاش، مُستفيدين من جو المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية.

وعلى أثرها سيصدر موقف باسم الحكومة يؤكّد الالتزام بما جاء في البيان الوزاري لجهة النأي بالنفس والابتعاد عن المحاور، ما يُطمئِن الرئيس الحريري».

وعدّد قانصو الملفات المهمة امام الحكومة في المرحلة المقبلة، «والتي يجب ان توضَع على نار حامية، وهي: النفط، الكهرباء واستئجار البواخر، موازنة 2018، التحضير للانتخابات النيابية في موعدها في ايار، حاجات المناطق الانمائية، والملف التربوي من باب الالتزام بسلسلة الرتب والرواتب ومترتباتها على الاقساط المدرسية بعد الضجّة على هذا الصعيد، ويفترض بالحكومة ان تضع يدها على هذا الملف».

ورأى «انّ التحدي الأكبر حالياً هو كيف يستعيد لبنان عافيته، لأنّ هذه الازمة أظهَرت وكأنه في مرض شديد، والمطلوب ان يتعافى وان تتعزّز وحدتنا الوطنية واستقرارنا السياسي والامني والاقتصادي، ونستفيد من عناصر قوة لبنان، وفي طليعتها الجيش والمقاومة».

الوضع المالي ينتظر

على المستوى الاقتصادي والمالي، يبدو الوضع في الثلاجة، بانتظار ما ستسفر عنه الأزمة السياسية العالقة تحت مسمّى «التريّث». وقد ساهمت الأزمة في اضطرابات اضافية في الاسواق، من خلال الانعكاسات التي سيتركها قرار رفع اسعار الفوائد على القروض والودائع، إذ سيؤدي الى رفع كلفة الانتاج. وهذا يعني انّ على الصناعي والتاجر، إمّا الرضوخ لمبدأ خفض ارباحه، او رفع اسعار السلع للمحافظة على نسب الارباح.

وفي الحالتين هناك مشكلة، إذ انّ رفع الاسعار يعني زيادة الاعباء على المواطنين، في حين انّ خفض نسَب الارباح قد يساهم في زيادة الضغوطات، وربما الافلاسات في المؤسسات التي كانت تواجه قبل الأزمة ضغوطات بسبب تراجع الحركة الاقتصادية بشكل عام.

ومن هنا يقول رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة محمد شقير لـ«الجمهورية» انّ «البلد موجود منذ فترة طويلة في النفق، لكنّ المهم ان نخرج الى الانفراج، وليس الى الكارثة الكبرى».

 

 

اللواء :

الشيء الثابت ان التسوية السياسية في البلاد ما تزال موضع احترام من الأطراف الرئيسية المتمثلة بالحكومة وفي مقدمها الرئيس سعد الحريري، الذي توجه ليل أمس إلى باريس، في زيارة خاصة لقضاء «الويك اند» مع عائلته، على ان يكون مطلع الأسبوع المقبل في بيروت، بعد ان يكون عاد الرئيس ميشال عون من زيارة إلى ايطاليا، يلتقي خلالها الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلار ورئيس الحكومة باولو جنتليوني، ويفتتح «مؤتمر حوارات المتوسط 2017 MED» الذي ينعقد في روما وتشارك فيه شخصيات اقتصادية وسياسية وفكرية عالمية، ومن ضفتي المتوسط، وعنوانه البحث في كيفية تخطي النزاعات التي جعلت المنطقة منطقة فوضى بدل ان تكون واحة سلام وحوار.
والرئيس الحريري، الذي فاجأ الحضور في مسجد محمّد الأمين في وسط بيروت، حيث كان يقام احتفال في ذكرى المولد النبوي الشريف، نقل عنه زوّار بيت الوسط ان المناخ إيجابي في البلاد، مكرراً تفاؤله بقرب الفرج الأسبوع المقبل.
وفي سياق الموقف الإسلامي، عشية عقد جلسة مجلس الوزراء، حيث سيخرج ملحق يتعلق «بالنأي عن النفس» بعد التأكيد على البيان الوزاري للحكومة وخطاب القسم، حذّر المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان من التدخل في قضايا اشقائنا العرب، كاشفاً اننا «مررنا بأزمة وطنية مقلقة بعد استقالة الرئيس الحريري، ونحن معه في ما يحاوله من احداث توازن في السياسات الوطنية».
وقال المفتي في كلمة وجهها لمناسبة المولد النبوي الشريف، اننا بحاجة ماسة إلى الالتزام الكامل بـ«سياسة النأي بالنفس» حرصاً على انفسنا ووطننا..
ومع ان الرئيس عون جزم في حوار اجرته معه صحيفة «لاستامبا» الإيطالية ان «الرئيس الحريري مستمر في منصبه وأن أزمة الاستقالة أصبحت وراءنا»، فإن رئيس حزب الكتائب سامي الجميل قال أمس ان حزبه لا يؤيد الاستمرار بالتسوية السياسية الراهنة. في حين كشف النائب في كتلة «القوات اللبنانية» فادي كرم عن اتجاه لدى وزراء «القوات» بالاستقالة في ما إذا لم يكن بيان النأي بالنفس، لا يستوفي متطلبات موقف حزب «القوات» من سلاح حزب الله.
مواقف إيجابية رئاسية
باستثناء المواقف الرئاسية المتفائلة باقتراب حل الأزمة الحكومية، والتي نشأت عن استقالة الرئيس الحريري، ومن ثم إعلان تريثه افساحاً في المجال امام المشاورات التي اجريت لاحقاً في بعبدا، لم يطرأ أي جديد، على صعيد الاتصالات التي يفترض ان تستكمل لترتيب الصيغة المناسبة لإخراج الحل المنتظر، وأن كانت كل المعلومات، تؤكد انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في الأسبوع المقبل، يتوقع ان يصدر عنها بيان يتحدث عن الالتزام بمبدأ النأي بالنفس، تليه بيانات منفصلة قد تصدر من الكتل النيابية والأحزاب السياسية تؤكد على المعنى نفسه، مثلما ألمحت مصادر عين التينة، والت ياكدت ان البيان المتوقع صدوره عن مجلس الوزراء، لن يكون بمثابة تعديل للبيان الوزاري لحكومة «استعادة الثقة» والتي أكدت على أساسه الثقة، لأن التعديل في هذه الحالة يسلتزم ثقة جديدة، وهو امر مستبعد.
وفي السياق، توقعت مصادر نيابية بارزة في الحزب التقدمي الاشتراكي، التقت إلرئيس الحريري أمس لـ«اللواء» ان تفتح صفحة جديدة من العمل الجدي سيشهدها البلد من خلال تفعيل عمل الحكومة، بعد التوافق السياسي المتوقع ان تظهر نتائجه في القريب العاجل.
وكشفت عن اتصالات ولقاءات ستتكثف في الأيام القليلة المقبلة، وبعد عودة الرئيس ميشال عون من إيطاليا من أجل بلورة الصيغة النهائية لصورة الحل المنتظر، مشيرة إلى ان ما تمّ بحثه من تفاصيل للصياغات المتعددة المقترحة خلال لقاء الرؤساء الثلاثة مؤخراً بقيت ملكهم شخصياً ولم يتم إطلاع أحد على تفاصيلها.
وكان الرئيس عون، الذي بدأ أمس زيارة رسمية إلى إيطاليا، يلتقي خلالها الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، ورئيس الحكومة الإيطالية باولو جنتيلوني، على ان يفتتح اليوم مؤتمر «حوارات المتوسط 2017 الذي ينعقد على مدى يومين في العاصمة الإيطالية في دورته الثالثة ويستضيف شخصيات سياسية واقتصادية وفكرية عالمية ومن ضفتي المتوسط، قد اكد في حديث نشرته له صحيفة «لا ستامبا» الإيطالية، ان «الازمة الأخيرة باتت وراءنا»، وأن «الرئيس الحريري سيواصل مسيرة قيادة لبنان»، في إشارة إلى إمكان عودته عن استقالته.
وأشار رئيس الجمهورية، ردا على سؤال حول ما آلت اليه الازمة الاخيرة، الى ان هذه الازمة سوف نجد لها حلاً نهائيا في بضعة ايام، موضحا ان كافة الافرقاء اللبنانيين منحوه ملء ثقتهم لاجل ذلك، مقدرا وقوف العالم بأجمعه الى جانب لبنان، وكاشفا ان الدول الخمس الاعضاء في مجلس الامن وكذلك ايطاليا والمانيا والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية والامين العام للامم المتحدة تضامنوا بشكل كامل مع لبنان في هذا الامر.
وسئل الرئيس عون ما اذا كان الرئيس الحريري سيبقى رئيسا للحكومة؟
فأجاب: «بكل تأكيد. لقد انتهينا للتو من الاستشارات التي قمنا بها مع مختلف القوى السياسية داخل وخارج الحكومة وهناك ملء الثقة به».
ورداً على سؤال آخر حول الموقف من «حزب الله» وانخراطه في ازمات المنطقة في الوقت الذي يتمسك فيه الرئيس الحريري بحياد لبنان، اجاب عون: ان حزب الله حارب ارهابيي «داعش» في لبنان وخارجه، وعندما تنتهي الحرب ضد الارهاب، سيعود مقاتلوه الى البلاد.
وأشار إلى ان «حزب الله» يُشكّل قوة مقاومة لبنانية نشأت بوجه الاعتداءات الإسرائيلية، وهي «مقاومة شعبية» شبيهة بالمقاومة التي قادها هو ضد ما وصفه «بالاحتلال السوري»، موضحا ان لبنان لم يبدأ الحرب ضد أحد، وأن اللبنانيين يعتبرون حزب الله قوة دفاع وليس حزباً ارهابياً».
وتحدث رئيس الجمهورية عن مستقبل الوضع في سوريا، فاشار الى انها تتجه نحو اتفاق سياسي وان تغييرا سيحدث في النظام ولكن ليس للاشخاص الذين ربحوا الحرب. وكشف انه «سيحصل تطور في التركيبة السياسية للبلاد باتجاه اكثر ديموقراطية وفي خدمة عيش مشترك افضل بين مختلف الطوائف».
ومن جهته، اعرب الرئيس نبيه برّي عن ارتياحه لمسار الوضع منذ بدء الأزمة الحكومية الأخيرة، معتبرا ان الإجماع اللبناني الذي تجلى بأفضل حالاته في مواجهة هذه الأزمة، شكل ارتكازاً للاجماع الدولي على دعم لبنان واستقراره.
وجدّد خلال لقاء الأربعاء النيابي أمس ان الإنتخابات النيابية ستُجرى في موعدها، مشيراً الى ان مشاركة الإغتراب اللبناني في هذه الانتخابات خطوة هامّة تندرج في اطار ما اكدنا عليه دائماً بأن المغتربين هم جزء عزيز لا يتجزأ من الوطن.
وتطرق الرئيس بري الى عمل المجلس النيابي مشيراً الى اهمية القوانين المدرجة على جدول اعمال جلسة اللجان المشتركة المقبلة، وقال «عندما تتوافر مشاريع واقتراحات القوانين المنجزة سأدعو الى جلسة تشريعية عامة».
اما الرئيس الحريري، الذي التقى أمس في «بيت الوسط» السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد، وشارك عصرا في احتفال مديرية الأوقاف الإسلامية بذكرى المولد النبوي الشريف في قاعة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مسجد محمّد الأمين، وبمشاركة المفتي دريان وشخصيات سياسية ونيابية ودينية، فقد لفت من جانبه إلى ان الأمور إيجابية، وإذا استمرت هذه الإيجابية، فإننا، ان شاء الله، سنبشر اللبنانيين في الأسبوع المقبل مع الرئيسين عون وبري بالرجوع عن الاستقالة».
وحول إمكانية اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع المقبل، قال الرئيس الحريري: «سنرى كيف سيكون مسار الأمور، لكنها إيجابية ان شاء الله».
وتوجه الحريري إلى اللبنانيين بالمعايدة لمناسبة عيد المولد النبوي، سائلا الله سبحانه وتعالى ان يعود على لبنان بمزيد من الخير والاستقرار، وأن تشمل بفضائلها العالم العربي، وقد تخلص من الإرهاب والساعين إلى تخريب امنه، وسلامة مجتمعاته».
عناصر ضغط
وفي تقدير مصادر وزارية من فريق الرئيس الحريري، انه ما كان ممكنا إيجاد الحل سريعا لازمة الاستقالة وغيابه عن لبنان، لولا تظافر ثلاثة عناصر ضغط محلية وخارجية، في مقدمها الموقف اللبناني الرسمي والسياسي، الذي تحدث عنه الرئيس برّي، أمس، والذي صار معروفا، وشكل التفافا بعدم المس باستقرار لبنان وأمنه، كان بدافع حماية النفط والثروة النفطية في المياه الإقليمية اللبنانية، فيما كان الضغط الأوروبي للحيلولة دون تدفق النازحين السوريين إلى أوروبا في حالة اضطراب الوضع الأمني في لبنان.
يضاف إلى كل ذلك، إصرار الرئيس الحريري على معالجة أسباب استقالته، والتشدد في الالتزام بما طلبه للعودة عنها، وهو المطلب الذي دفع الرئيس عون إلى اجراء مشاورات مع القوى السياسية كافة للاتفاق على الصيغة المناسبة للحل.
وبحسب هذه المصادر، فإن كل هذا الجهد المحلي والخارجي أثمر قراراً بعودة الحريري عن استقالته وإعادة إحياء عمل المؤسسات الدستورية، وأول الغيث.
جلسة مجلس الوزراء المرتقبة الأسبوع المقبل، ودعوة الرئيس برّي اللجان المشتركة لمناقشة مشاريع واقتراحات القوانين الخمسة المتعلقة باستخراج النفط والغاز وإدارة القطاع، وهو ما اعتبرته المصادر الوزارية عودة لممارسة المجلس دوره التشريعي في قضايا استراتيجية كبرى كالنفط، حتى لا تتفرد الحكومة والوزير المعني به، وبما يؤدي إلى إثارة المشكلات والخلافات حولها.

 

الاخبار :

تتباحث القوى السياسية بشأن تفسير معنى «النأي بالنفس»، لجهة مفهومه وحدوده. فهل النأي بالنفس يعني الحياد عن كل ما يتعلّق بالقضايا العربية وأزمات المنطقة، وعمّا فيه مصلحة للبنان؟ وهل يستطيع لبنان فعلاً أن يحيّد نفسه في ظل كل ما يحصل حوله؟

يبدو أن لا تفسير واحداً بشأن هذا التعبير الذي يراه البعض «مطاطاً»، ويراه البعض الآخر مطيّة لتحييد لبنان عن الصراع العربي ــ الإسرائيلي قبل تحييده عن الصراعات الدائرة في العالم العربي، ويراه طرف ثالث أنه يجب أن يكون صمام أمان للاستقرار، بمعنى أن «ننأى بأنفسنا عن الصراعات، إن ساعدنا ذلك في المحافظة على الاستقرار، وأن ننأى بأنفسنا عن الحياد إذا تطلبت منا الظروف عدم الوقوف جانباً، تفادياً لأي انفجار أمني، كما هو الحال مع سوريا». هذا الكلام كان محور حديث لقاء الأربعاء بين رئيس المجلس نبيه برّي والنواب الذين زاروه، وطرحوا أكثر من سؤال حول هذه النقطة العالقة. وكرّر الرئيس برّي موقفه «المؤيد لمفهوم النأي بالنفس حين يكون لنا مصلحة بذلك». وبحسب مصادر اللقاء، «تطرق الرئيس بري إلى موضوع سوريا الذي دفع حزب الله إلى المشاركة في الحرب الكونية عليها»، معتبراً أن «وجوده هناك كان ضرورة، نظراً إلى العمق الاستراتيجي الذي يربطنا بها، إذ إن الخطر الإرهابي كان محدقاً بنا، وقد ساعد وجود الحزب فيها في ردّ الأخطار عنّا». وأكّد بري أن «النأي بالنفس عن سوريا مستحيل». وفي ما يتعلّق بالأزمة الداخلية أشار برّي إلى أن «الإجماع اللبناني الذي تجلّى بأفضل حالاته في مواجهة هذه الأزمة، شكل ارتكازاً للإجماع الدولي على دعم لبنان واستقراره». وجدد تأكيده أن «الانتخابات النيابية ستجري في موعدها»، مشيراً إلى أن «مشاركة الاغتراب اللبناني في هذه الانتخابات خطوة مهمة تندرج في إطار ما أكدناه دائماً بأن المغتربين هم جزء عزيز لا يتجزأ من الوطن». وبحسب النواب، أشاد الرئيس بري بـ «جبران باسيل كوزير للخارجية»، مشيراً إلى أن «أحداً لم يولِ اهتماماً بملف المغتربين كما فعل»، مهنئاً إياه على جهوده التي أثمرت نتائج جيدة حتى الآن تمثلت «بتسجيل أكثر من 90 ألف مغترب لأسمائهم من أجل الانتخابات». وقد «تأكدت وزارة الداخلية من بيانات نحو 80 ألف منهم، وهم موزعون على مختلف الأقضية اللبنانية». وقبل مغادرته ليل أمس إلى فرنسا للقاء عائلته، شدّد الحريري أمس من مسجد محمد الأمين، ردّاً على سؤال عن عودته عن الاستقالة، على أنّ «الأجواء الإيجابية». وقال «إن شاء الله خلال الأسبوع المقبل إذا بقيت الأمور إيجابية، سنبشّر بالخير».
ورداً على سؤال «الأخبار»، نفت مصادر رفيعة المستوى في تيار المستقبل، «قَطعاً»، المعلومات التي جرى التداول بها أمس ومفادها أن عائلة الحريري غادرت السعودية إلى فرنسا نهائياً. وقالت مصادر أخرى إن زوجة الحريري وولديه لولوة وعبد العزيز سيعودون إلى الرياض نهاية الأسبوع الجاري. ورغم أن المدارس السعودية ليست في إجازة حالياً، قالت مصادر قريبة من الحريري إن زوجته وولديه يقضون في العاصمة الفرنسية باريس إجازة وسيعودون إلى الرياض فور انتهائها.