واصل فريق "الممانعة" بكل فروعه التصرّف على أساس أن استقالة الرئيس سعد الحريري "أزمة سعودية" وليست لبنانية، وللأسف أتاحت لهم معطيات كثيرة العبث بأزمة جدّية والتهازل فيها وعليها، حتى أنهم تظاهروا كأنهم هم جمهور الحريري، بل تصدّروا المطالبة بـ "فك أسره" وعودته. ظهر رئيس الحكومة في المقابلة التلفزيونية مستقيلاً، وليس "مُستقالاً" بحسب زعمهم، والاستقالة نهائية ما دامت أسبابها قائمة، ولا عودة عنها لاستئناف دور شاهد الزور. ولم تبدِ ردود فعل فريق "الممانعة" أنه قرر وقف المهازل بل هروباً متزايداً من المضمون السياسي للاستقالة. لم يعد ممكناً لأي رئيس حكومة أن يعمل بصفته "محلِّلاً شرعياً" لعربدات "حزب الله" في الداخل والخارج. فالأمر لا يخصّ السنّة وحدهم ولا السعودية، بل كان يجب أن تكون هناك بداية لإنهاء الوضع الشاذ، والأفضل أن يتمّ ذلك لبنانياً، بكل وضوح، وفي ضوء المصلحة اللبنانية.  صحيح أن الحريري شدّد على أن العلاقة مع الرئيس ميشال عون كانت جيّدة، وهذا مفهوم لأنه ليس في صدد اقفال الأبواب أو حرق الجسور، إلا أنه يحمّل الرئيس مسؤولية عدم احترام تحييد لبنان وإبعاده عن المحور الايراني، أي أنه لم يعمل بمضمون "التسوية" وروحها مقدار ما يعمل بموجب التزاماته تجاه "حزب الله". ففي أي حال لا يعني "النأي بالنفس" افتئاتاً على "الحزب" بل إلزاماً له بتغليب المصلحة اللبنانية على المصلحة الايرانية. وإذا لم يأخذ الرئيس وحليفه في الاعتبار أسباب الاستقالة، وواصلا انكارها والتهرب منها، فإنهما كممثّلين للمكوّنين المسيحي والشيعي يجازفان بتجاهل المكوّن السنّي بل باستعدائه، ولا يعني ذلك سوى تعطيل للنظام. ومن شأنهما، لا من الحريري وفريقه السياسي وحدهما، اعتبار أن ما بعد الاستقالة يجب ألّا يكون كما قبلها. كان خطأً فادحاً أن يوافق "حزب الله" و"التيار العوني" على "اعلان بعبدا" ثم يمزّقانه، ففي مثل هذه المحطّات تُمتحَن الصدقية الوطنية.