غموض في قضية الاستقالة  وحذر من تداعياتها

 

المستقبل :

على قاعدة «لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين»، وبعدما لمس «ما يُحاك في الخفاء» لاستهداف حياته وسط أجواء باتت «شبيهة بالأجواء التي سادت قبيل اغتيال الشهيد رفيق الحريري».. جاءت استقالة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لتُشكل زلزالاً سيادياً وسياسياً مدوّياً على امتداد المشهد الوطني دقّ من خلاله ناقوس الشرّ المتربص بالبلد وأبنائه علّ عنصر الصدمة الذي غلّف الاستقالة، بشكلها ومضمونها، يعيد انتظام الأمور إلى سكة الصواب والرشد بعيداً عن منزلقات الاستقواء على الدولة والاستيلاء على قرارها السيّد الحرّ المستقلّ. وفي الأثناء، يواصل رئيس الجمهورية ميشال عون اتصالاته ومشاوراته في محاولة للملمة الوضع الداخلي وامتصاص الصدمة الوطنية جراء استقالة رئيس الحكومة، علماً أنّ مصادر قصر بعبدا أكدت أمس أنّ عون يتريّث في قبولها ولم يتخذ قراره بالبت بها «لا سلباً ولا إيجاباً» قبل عودة الحريري إلى بيروت واستيضاحه حول الأسباب التي دفعته إلى الاستقالة. 

وكان رئيس الحكومة قد توجّه إلى المواطنين في خطاب الاستقالة المتلفز بالقول: «لقد عاهدتكم عندما قبلت بتحمّل المسؤولية أن أسعى لوحدة اللبنانيين وإنهاء الانقسام السياسي واستعادة سيادته وترسيخ مبدأ النأي بالنفس، ولقيت في سبيل ذلك أذىً كثيراً وترفعت عن الرد تغليباً لمصلحة لبنان والشعب اللبناني (...) وانطلاقاً مما أؤمن به من مبادئ ورثتها من المرحوم الشهيد رفيق الحريري ومن مبادئ ثورة الأرز العظيمة، ولأنني لا أرضى أن أخذل اللبنانيين أو أقبل بما يخالف تلك المبادئ، فإني أعلن استقالتي من رئاسة الحكومة مع يقيني بأن إرادة اللبنانيين أقوى وعزيمتهم أصلب وسيكونون قادرين برجالهم ونسائهم على التغلب على الوصاية عليهم من الداخل أو الخارج»، وختم واعداً إياهم «بجولة وجولات مليئة بالتفاؤل والأمل بأن يكون لبنان أقوى مستقلاً حراً، لا سلطان عليه إلا لشعبه العظيم، يحكمه القانون ويحميه جيش واحد وسلاح واحد».

وبخلاف ما تشتهي أقلام الترويج والفبركة لشائعات وأنباء مختلقة من نسج الخيال، أطلّ الحريري مساء أمس عبر صفحته على موقع «تويتر» بتغريدة أرفقها بصورة تجمعه بالسفير السعودي الجديد في لبنان وليد اليعقوب، مبدياً سروره بلقائه عقب أداء اليعقوب القسم أمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في مكتبه في قصر اليمامة في الرياض. 

«الفتوى».. و«المستقبل»

وفي بيروت، استرعت الانتباه زيارة القائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية وليد البخاري إلى دار الفتوى حيث أكد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بعد اللقاء أنّ «استقالة الرئيس الحريري شكلت صدمة ولم تأتِ من فراغ»، مضيفاً: «نحن نؤيده وندعمه ونتفهم هذه الاستقالة وينبغي أن نعالجها بالروية والحوار»، مع تشديده 

على كون «السعودية حريصة على أمن واستقرار لبنان وتريد له الخير كما تريده لسائر البلدان العربية التي تربطها علاقات أخوية مع لبنان واللبنانيين».

أما في «بيت الوسط»، فبرز انعقاد كتلة «المستقبل» النيابية في اجتماع استثنائي برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أعربت في ختامه عن دعم وتأييد موقف الاستقالة الذي اتخذه الرئيس الحريري، داعيةً جميع الفرقاء اللبنانيين إلى «التبصّر في المخاطر التي يتعرّض لها لبنان نتيجة الاختلال في التوازن الداخلي والمخاطر الخارجية»، وشددت في الوقت عينه على أنّ «الشعب اللبناني لن يتراجع ويقبل بمحاولات السيطرة والإخضاع، وهو بإذن الله سينتصر بوحدته وصلابته وتضامن شعبه وإجماعه على المصالح الوطنية اللبنانية العليا».

دعم عربي.. وقلق أممي

توازياً، كانت التطورات اللبنانية محطّ تداول عربي مع رئيس الجمهورية خلال الساعات الأخيرة، بحيث تباحث هاتفياً مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في المستجدات الراهنة وسمع منه تأكيداً على وقوف مصر إلى جانب لبنان «دعماً لسيادته وسلامة أراضيه ووحدة شعبه»، كما أجرى عون اتصالاً آخر بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي جدد دعم بلاده «لوحدة اللبنانيين ووفاقهم الوطني ولكل ما يحفظ استقرار لبنان».

في حين، أبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قلقه جراء خبر استقالة الحريري، آملاً في بيان أن «تركز الأطراف كافة جهودها على دعم استمرارية مؤسسات الدولة اللبنانية من خلال التمسك بالدستور والمحافظة على استقرار البلد وأمنه»، وسط تأكيد «التزام الأمم المتحدة دعم أمن لبنان وسيادته وسلامة أراضيه».

 

الديار :

هنالك غموض حول وضع الرئيس سعد الحريري، هل هو قيد الإقامة الجبرية للتحقيق معه بشأن الفساد، ام انه ممنوع من السفر، ام انه حر طليق، ذلك ان الرئيس سعد الحريري اعلن من الرياض استقالته ولا احد يعرف ما اذا كان سيعود الى بيروت ام لا.
وقد رافقت استدعاء الرئيس سعد الحريري الى السعودية، تصفية كبيرة لـ 11 اميرا من العائلة السعودية الحاكمة وأهم 12 رجل اعمال ووزراء في المملكة العربية السعودية.
مع العلم، انه بين الموقوفين يوجد رجل الاعمال الوليد الابراهيمي المحسوب على قرابة من الملك الراحل فهد وهو شريك الرئيس سعد الحريري في اعمال داخل السعودية.
المهم ان استقالة الرئيس سعد الحريري التي اعلنها من السعودية طرحت اسئلة كثيرة لم يستطع احد الاجابة عنها حتى الان. فالسلطات السعودية لم تعلن عن وضع الرئيس سعد الحريري، باستثناء الذي قاله الوزير السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، بأن امن الرئيس الحريري الذي تعرض لمحاولة اغتيال اهم من عودته الى لبنان.
الا انه كقيادة سعودية لم يصدر عنها شيء في شأن وضع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، مع العلم انه كصاحب جنسية سعودية تعتبره القيادة السعودية مواطناً سعودياً، ويمكنها التحقيق معه في شأن الفساد.
اما اعضاء تيار المستقبل، فقد نفوا ان يكون الرئيس سعد الحريري قيد الاقامة الجبرية او المنع من السفر، او التحقيق معه، الا ان محاولات الاتصال به هاتفيا صعبة جداً وهو لم يعلن قط عن عودته الى بيروت، وعن قراره في شأن المستقبل ووضعه الشخصي.
ومنذ 24 ساعة لم يعد الرئيس سعد الحريري يجاوب على خطه الهاتفي، رغم ان عضواً في تيار المستقبل قال انه تكلم معه، لكن هذا الخبر ليس مؤكداً، لان عضو تيار المستقبل لم يتحدث بشيء عن وضع الرئيس سعد الحريري، ولم ينقل عنه اي كلام.
ازاء هذا الوضع، تحرك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، واتصل بالرئيس المصري السيسي، طالبا المساعدة لمعرفة موقف السعودية، متمنيا على الرئيس المصري السيسي التحدث مع القيادة السعودية في شأن قرار استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من السعودية، وبخاصة طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون معرفة وضع الرئيس سعد الحريري في السعودية، وعما اذا كان في الاقامة الجبرية ام حراً طليقاً، ام سيعود الى لبنان.
كذلك اتصل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالملك الاردني متمنيا عليه المساعدة لمعرفة الموقف السعودي وخلفياته، واستدعاء رئيس الحكومة اللبنانية الى السعودية، حيث اعلن من هناك الاستقالة، والاستفهام عن وضع الرئيس سعد الحريري، وعما اذا كان سيعود الى لبنان أم ان السلطات السعودية تمنعه من ذلك وهو قيد الاقامة الجبرية، لان الاتصال مع الرئيس سعد الحريري لم يعد ممكناً من قبل المسؤولين اللبنانيين، ووضع الرئيس سعد الحريري يلفّه الغموض في المملكة السعودية.
 

 

 

 خطاب السيد حسن نصر الله


على صعيد آخر، أطلّ سماحة السيد حسن نصر الله امين عام حزب الله، وقال في كلمته الموجهة الى اللبنانيين والمسلمين في لبنان، انه لا داعي للخوف بسبب استقالة الرئيس سعد الحريري. ودعا الى الحفاظ على الاستقرار والامن والبعد عن الشارع او اثارة اي مشاكل، لان لبنان ينعم بوضع مستقر وسليم. 
اضاف سماحة السيد حسن نصر الله ان استقالة الرئيس سعد الحريري هي قرار سعودي، لان ادبيات الكلمة التي القاها الرئيس سعد الحريري في الرياض هي سعودية، لانه من خلال العودة الى خطابات الرئيس سعد الحريري السابقة كلها، يتبين انها مختلفة عن البيان الذي أذاعه في الرياض من حيث الشكل والمضمون.
وقال سماحة السيد حسن نصر الله انه يجب الانتظار حتى يوم الخميس لعودة الرئيس سعد الحريري، لكن لا احد يعرف لماذا قام السيد حسن نصر الله بتعيين يوم الخميس موعدا لعودة الرئيس سعد الحريري.
ونفى امين عام حزب الله ان يكون خبر محاولة اغتيال الرئيس سعد الحريري هو صحيحاً بدليل ان مديرية قوى الامن الداخلي ومخابرات الجيش اللبناني والمديرية العامة للامن العام كلهم نفوا وجود محاولة لاغتيال الرئيس سعد الحريري، وان ليس لديهم من خلال دراسة كل المعلومات المراقبة عن محاولة لاغتيال الرئيس سعد الحريري.
كذلك دعا امين عام حزب الله الى عدم ربط استقالة الرئيس سعد الحريري بحرب قد يشنّها العدو الاسرائيلي، لان الحسابات الاسرائيلية لعدوان على لبنان لا تتعلق بوجود حكومة او استقالة رئيسها، بل تتعلق بحسابات اسرائيلية وجدوى الحرب وحجم الخسارة، وأمور يستند اليها العدو الاسرائيلي قبل القيام بأي عدوان على لبنان، وبخاصة ان الحرب القادمة، وفق ما قال امين عام حزب الله، قد تؤثر استراتيجيا في وجود الكيان الصهيوني.
 

 ولي العهد السعودي يقوم بانقلاب في المملكة


اما في المملكة العربية السعودية، فقد قام ولي العهد محمد بن سلمان بشبه انقلاب عندما أمر باعتقال 11 اميراً من اصحاب المراكز العليا وهم ابناء الملوك السابقين، وقادة الحرس الوطني، و12 مسؤولا ورجل اعمال من خارج العائلة الحاكمة، وذلك كله تحت تهمة الفساد والمشاركة في الفساد. 
وقامت السلطات السعودية بإخلاء فندق «ريتز» في الرياض وحجزته حتى الثلاثين من شهر تشرين الثاني، ووضعت الامراء والموقوفين فيه، واقامت حراسة كبيرة حول الفندق، وأقامت لجنة خاصة للتحقيق في مكافحة الفساد في قاعات كبيرة في الفندق في الطابق الارضي للتحقيق مع الامراء والمسؤولين السعوديين ورجال الاعمال.
وقدّرت صحيفة «نيويورك تايمز» ان مجموع ما يملكه الامراء السعوديون ورجال الاعمال يقدّر بقيمة 252 مليار دولار. وصرّح ولي العهد محمد بن سلمان بأنه لا يمكن لأي امير او مسؤول او مواطن او رجل اعمال او صاحب منصب في المملكة العربية السعودية اشترك في الفساد في المملكة السعودية، الا وستتم محاكمته ومصادرة امواله لمصلحة الخزينة العامة في المملكة العربية السعودية.
من الناحية السياسية، يمكن اعتبار ازاحة اهم 11 اميراً سعودياً من العائلة الحاكمة آل سعود، اضافة الى مسؤولين سعوديين وكبار رجال الاعمال، حققت سيطرة كاملة لولي العهد محمد بن سلمان في السعودية. وانه ربما في نهاية سنة 2018، قد يتخلى الملك سلمان عن العرش وينتقل ولي العهد محمد بن سلمان الى مركز ملك السعودية وخادم الحرمين الشريفين، على اساس ان الملك سلمان في وضع صحي لا يسمح له بممارسة العمل الملكي، ويبقى في قصره في السعودية ويتولى نجله محمد بن سلمان مركز ملك السعودية وخادم الحرمين الشريفين.

 

 

الجمهورية :

لم يحمل اليوم الثاني على استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض، والتي هزّت الوسطَ السياسي وفاجأته، أيَّ مؤشّرات جديدة على طبيعتها وظروفها وأسبابِ توقيتها، ويبقى السؤال الكبير: ماذا بعد الاستقالة؟ مواقفُ القوى السياسية في لبنان، المؤثّرة على الوضع الأمني، تعاطت مع هذه الاستقالة بحذرٍ شديد، فيما أكّد بيان لحاكِم مصرف لبنان رياض سلامة ثباتَ النقدِ اللبناني وطمأنَ إلى وضعِ الليرة.

كشَفت مصادر قريبة من الحريري أنّ المعلومات عن محاولة اغتياله أتت من جهة خارجية موثوقٍ بها، وهذا ما يفسّر نفيَ عددٍ من الأجهزة الأمنية اللبنانية امتلاكَها أيّ معلومة في هذا الصَدد.

وعلمت «الجمهورية» أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري كانا قد اتّفقا على اللقاء في مصر أمس، وأنّ الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي كان قد حدَّد موعداً للحريري في نهاية الأسبوع، إلّا أنّ اتّصالاً ورَد إلى مكتب السيسي معتذِراً عن عدمِ تمكّنِ الحريري من الحضور، ما زاد مِن الغموض والتساؤلات. وذكرَت المصادر أنّ الحريري في صحّة جيّدة وقد تواصَل السبت مع بعض القريبين منه ولكنّه لا يدري متى تسنَح الظروف لعودته.

وعن موعد عودته قالت المصادر لـ»الجمهورية»: «قبل أن يكون هناك محاولة اغتيال لم يكن أحد يُعلن عن تحرّكاته، فهل تريدون اليوم بعد انكشاف محاولةٍ لاغتياله أن يفعل ذلك، ويعلنَ موعد عودتِه»؟

ووصَفت مصادر «المستقبل» الكلامَ عن وجود الحريري في الإقامة الجبرية بأنّه إشاعات، وأكّدت أنّ كلّ ما يقال لا أساس له من الصحة.
وعن نفيِ شعبةِ المعلومات والجيش والامن العام وجودَ أيّ مخطط لوقوع عمليات اغتيال، أجابَت المصادر:»الأجهزة تنفي أن تكون هي مصدر المعلومات، ما يَعني أنّ كشفَ مخططِ اغتيال الرئيس الحريري مصدرُه أجهزة غير لبنانية».

لكنّ الحريري، وفي أوّلِ إطلالةٍ له بعد إعلان استقالته، نشَر مساء أمس صورةً عبر «تويتر»، معلّقاً: «بعد أدائه للقسَم أمام خادم الحرمين الشريفين، سررتُ بلقاء سعادة السفير السعودي وليد اليعقوب».

إحتواء الاستقالة

وبَرزت مواقف احتواء الاستقالة من خلال تحرّكٍ سريع لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي اتّصَل بكلّ القيادات اللبنانية ودعاها إلى وقفةٍ مسؤولة، كما اتّصَل بالسيسي وبالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في قضية الحريري.

كما بَرزت مواقف الاحتواء من خلال تريّثِ المسؤولين في 8 و14 آذار في إبداء آراء حاسمة قبل انبلاج خيوطِ هذه الاستقالة وملابساتِها، حيث إنّ مصادر رسمية مطّلعة تؤكّد أنّ الحريري ما كان ليقدّمَ استقالته لو كان في ظروف اخرى لا سيّما وأنّه اكّد قبل ساعات قليلة من سفره الأخير الى السعودية بأنّ الحكومة باقية والاستقرارَ متين، وهاجَم الذين لا يعترفون بإنجازات حكومته، واعتبَر ذلك «قرصَنة».

وكانت قيادة الجيش قد اوضَحت «أنه بنتيجة التوقيفات والتحقيقات والتقصّيات، بالإضافة إلى المعطيات والمعلومات المتوافرة لديها، لم يتبيّن لها وجود أيّ مخطط لوقوع عمليات اغتيال»، كما اكّد مصدر أمني لـ«الجمهورية» أن «لا خوف مِن حصول أيّ اهتزازات في الوضع الأمني، وأنّ كلّ ما يُشاع عن عمليات اغتيال أو عمليات إرهابية لا يَستند إلى أيّ وقائع جدّية أو تقارير متوافرة لدى الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية، وأنّ الأجهزة المعنية تتابع إجراءاتها العادية متخذةً كافّة التدابير الضرورية لحفظِ الأمن وحماية مصالح المواطنين».

وضعٌ سعودي جديد

وحول أبعادِ الاستقالة، تشير المعلومات التي حصلت عليها مرجعيات لبنانية على صِلة بدوائرعربية وخليجية مطّلعة الى أنّ الاستقالة المفاجئة لا تأتي في سياقِ الاوضاع اللبنانية، إنّما في سياق نزاعات المنطقة والأنظمة، بدليل أنّ قوى 8 آذار أعلنَت قبل يوم واحد من إعلان الاستقالة تمسُّكَها بالحكومة، كما لم يصدر أيّ موقف من قوى 14 آذار يَدعو إلى استقالة أو إلى أزمة حكومة.

وتَرافقت الاستقالة مع وضعٍ سعودي جديد أعلنَت عنه الحكومة السعودية، حيث تمّ القبض على عدد من الأمراء البارزين والأقوياء من أبناء عمّ ولي العهد الامير محمد بن سلمان ومجموعة رجال اعمال تُمثّل الثقلَ الماليّ والاقتصادي في المملكة.

وقد نشَرت وكالة «رويترز»، نقلاً عن «مسؤول سعودي كبير» أسماءَ 17 شخصاً قالت إنّهم احتُجزوا السبت في إطار تحقيق تجريهِ لجنة عليا لمكافحة الفساد تشكّلت برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ومِن المحتجزين الأمير الوليد بن طلال، رئيس شركة المملكة القابضة والأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني، وخالد التويجري، الرئيس السابق للديوان الملكي.

كذلك ترافقت استقالة الحريري مع تطوّرات في المنطقة، ابرزُها ارتفاع منسوبِ النزاع السعودي ـ الايراني وصدورُ العقوبات الاميركية على «الحرس الثوري» في ايران و»حزب الله» في لبنان. كلّ ذلك في موازاة مناورات اسرائيلية عسكرية في الجنوب تتلازم مع تهديدات المسؤولين الاسرائيليين للبنان، ولـ»حزب الله» تحديداً.

3 قضايا
تجاه هذه المعطيات، يواجه لبنان 3 قضايا وجب معالجتُها، وهي:

1 ـ قضية دستورية تقضي بكيفية التعامل مع استقالة الحريري، فهل تُقبَل من خلال «الفضائيات» أم ينتظر رئيس الجمهورية إمكانية عودةِ الحريري ليقدّمها اليه حسب الاصول الدستورية في قصر بعبدا.

2 ـ ضبطُ الوضعِ السياسي لكي لا يحصل تصعيد يؤدّي الى نتائج غير محمودة.

3 ـ الإمساك بالوضع الامني لأنه في مِثل هذه الظروف تتحرّك الطوابير الخامسة.

لذلك، دعا عون إلى اجتماع امنيّ يُعقَد في العاشرة صباح اليوم في بعبدا، دُعيَ اليه وزراء الداخلية والدفاع والعدلية وقادةُ الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام ومدير المخابرات في الجيش ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ومدّعي عام التمييز ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، وسيخصّص لتقويم الوضع الأمني في البلاد وتداعيات الاستقالىة على الوضع.

كذلك دعا عون إلى اجتماعٍ وزاري ومالي يُعقد بعد الظهر، دُعيَ إليه وزير المال وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف، لتقويم الحركة المالية في ضوء ما ستَشهده الأسواق المالية في اليوم الأوّل من العمل بعد الاستقالة.

وتشير آخِر المعلومات الى انّ عون يفضّل التريّثَ في قبول الاستقالة مع انّها اصبَحت نافذةً سياسياً، اوّلاً لتقصّي ملابساتِها والتأكّد من وضعِ الحريري في منزله في الرياض. ثانياً، لرصدِ كلّ ردّات الفعل الاقليمية والدولية ولا سيّما الاميركية.

وثالثاً، لإجراء اتصالات في الكواليس لمعرفة مدى استعداد بعض الشخصيات السنّية لتولي رئاسة الحكومة في حال اصبَحت نافذةً، إذ إنّ رئيس الجمهورية ملزَم بحكمِ الدستور إجراءَ استشارات لتسمية رئيس جديد للحكومة في فترة قصيرة.

في غضون ذلك، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن قلقِه «من استقالة الحريري»، آملاً في أن «تركّز كلّ الأطراف جهودَها على دعمِ استمرارية مؤسسات الدولة اللبنانية».

من جهتِه، قال المتحدّث باسم وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية إنّ فرنسا تحترم قرار الحريري، وتدعو جميعَ الأطراف اللبنانيين إلى العمل بروحٍ مِن المسؤولية والتوفيق. ومن مصلحة الجميع أن لا يدخلَ لبنان مرحلةً جديدة من عدم الاستقرار.

التحالف العربي

وقال المتحدّث باسمِ التحالف العربي لدعمِ الشرعية في اليمن العقيد الركن تركي المالكي «إنّ إطلاق صاروخ باليستي على الرياض عملٌ همجيّ من الجماعة الحوثية ومَن وراءَها»، مؤكّداً أنّ صواريخ الحوثيين لم تكن في ترسانة الجيش اليمني. وأشار الى» أنّ «حزب الله» يُهرّب الأسلحة من لبنان إلى سوريا ثمّ إيران فاليَمن.

«المستقبل»

وأكّدت كتلة «المستقبل» بعد اجتماع استثنائي برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة دعمَها الموقفَ الذي اتّخَذه الحريري من الاستقالة. ودعَت جميعَ الفرَقاء اللبنانيين للتنبهِ والتبصّرِ في المخاطر، التي يتعرّض لها لبنان نتيجة الاختلال في التوازن الداخلي والمخاطر الخارجية الناتجة عن استمرار وتصاعدِ التورّط الإيراني و»حزب الله» في الصراعات الدائرة في المنطقة.

وأضافت: «لقد واجَه لبنان والشعب اللبناني سابقاً وخلال السنوات الماضية القريبة ظروفاً بالغة الصعوبة، وهو اليوم في مواجهة مماثلة، ولن يتراجعَ ويقبلَ بمحاولات السيطرة والإخضاع».

وهبي

وأكّد عضو الكتلة النائب أمين وهبي لـ«الجمهورية» أنّ تَواصُل الكتلة مع الحريري مستمر، ووصَف الاستقالة بأنّها» خطوة سِلمية دستورية، فعندما لا تسير الامور في الاتجاه الذي يَستجيب لمصلحة البلد وعندما يَطغى تصرّفُ الدويلة على الدولة اللبنانية، مِن حقّه ان يستقيل وأن يُعبّر عن امتعاضه، إذ لا بدّ مِن صرخةٍ ليسمعَها جميع اللبنانيين».

وأضاف: «نصِرّ على سِلمية المواقف والتحرّك، ولكنْ علينا واجبٌ وطنيّ هو ان نوضحَ لجميع اللبنانيين خطورةَ التدخّلِ الايراني في الشأن اللبناني والعربي».

واعتبَر وهبي أنّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله «بذلَ جهداً أمس لوضعِ الأمور في غير موضعِها، وهو معنيّ بالهدوء لكي يبقى متفرّغاً للمهمّات التي أنيطَت به على الساحة السورية والإيرانية واليمنية». وقال: «نحن معنيّون جداً باستمرار الهدوء وبتهدئة النفوس والتعاطي مع هذا الحدثِ تعاطياً سياسيا».

نصرالله

وكان نصرالله قد دعا إلى الابتعاد عن التصعيد السياسي والإعلامي وعن الشارع والتحريض الطائفي، واعتبَر انّ استقالة الحريري «كانت قراراً سعودياً أجبِر عليه، ولم تكن نيتَه ولا رغبته ولا قرارَه». وأشار الى أن ليس هناك ما يدعو إلى القلق، مشدّداً على ضرورة التريّثِ وعدمِ الاستعجال في التحليل.

بري

ومِن مِصر، قال بري الذي التقى السيسي، «لستُ مصَدّقاً ما جرى. فالحريري لم يكن في هذا الوارد على الإطلاق، بل على العكس، كان أداؤه حتى ما قبل سفرِه يَسير على خطّ الحفاظ على الحكومة». ورأى أنّ «المسألة ليست سهلة، ولا أحد يستطيع ان يقدّر ماذا يمكن ان يحصل وإلى أين يمكن ان تصل هذه المسألة، لا أحد يعرف».

واعتبَر أنّ «أولى تداعيات الاستقالة تعطيلُ الدولة، وخسارات كبرى». وكشَف أنّ لديه معلومات أكيدة «أنّ الولايات المتحدة وروسيا تمنَعان إسرائيل من أيّ عملٍ عدواني، وهذا الذي يَجري يُمكن أن يشقَّ الداخل، وشَقُّ الداخلِ يَستدعي إسرائيل وعدوانها». ونفى بري احتمالَ تطييرِ الانتخابات النيابية «فحكومة تصريفِ الأعمال تستطيع إجراءَها».(تفاصيل ص 5)

سعَيد

وقال النائب السابق الدكتور فارس سعَيد لـ»الجمهورية»: «14 آذار تقوم من إرادة وطنية وليس من إرادة سعودية، والإرادة الوطنية غيرُ موجودة اليوم وإلّا لَما اضطرّت السعودية للتدخّلِ مباشرةً لانتزاع ورقةِ الحكومة من يد ايران، والسؤال اليوم: كيف ستردّ طهران على ذلك؟ ومِن هنا كنّا ولا نزال ننادي بمبادرة وطنية».

واعتبَر سعَيد «أنّ الدوَل لا تتعامل بسياسة النكايات، فهناك أمرٌ حصَل في المنطقة سواء على المستوى المالي أو العسكري، وباستقالة الرئيس الحريري رُسِمت حدود بين الدولة اللبنانية و»حزب الله»، وأيّ شيءٍ يقوم به الحزب اليوم أو يتعرّض له الحزب، يتحمّل مسؤوليته هو وحده وليس كلّ لبنان».

رزق لـ«الجمهورية»

وأكّد الوزير السابق إدمون رزق لـ«الجمهورية»: «أنّه بموجب المادة 53 من الدستور الفقرة 5، رئيس الجمهورية هو الذي يُصدِر منفرداً مرسومَ قبولِ استقالةِ الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، والحالات التي تُعتبر فيها مستقيلة محدّدة في المادة 69 فقرتُها الاولى: تقديم رئيسها استقالته.

وليس هناك شكلٌ معيّن لتقديم الاستقالة، لكنّ التقليد المعتمد غالباً هو أن تُقدَّم الاستقالة الى رئيس الجمهورية بالتفاهم مع رئيس الحكومة، ويتمّ ذلك بزيارة رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية وتقديم الاستقالة شفهياً أو خطّياً ويمكن الإدلاء من على منبر القصر الجمهوري بتصريح.

إذاً، ليس هناك أيّ نصّ يُحدّد شكلَ الاستقالة وكيفية تقديمِها وموضعَ تقديمِها، لكنْ بالنتيجة المرجع هو رئيس الجمهورية الذي وحده يقرّر موقفَه من الاستقالة ويُصدر منفرداً مرسوم قبولها.

وأشار رزق إلى أنه لا توجد مهَلٌ لإصدار مرسوم قبول الاستقالة، لأنه مرتبط بتأليف الحكومة التالية. ولكن يمكنه إعلان قبولها والبدءُ بالاستشارات، لكن في هذه الحالة بالذات رئيسُ الجمهورية تريَّثَ في القبول، بانتظار لقاءِ الرئيس المستقيل، وحسَناً فعلَ لأنّه تبَصّرَ في الوضع قبل أن يقبلَ الاستقالة أو يرفضَ، ريثما يطّلع على الملابسات التي أدّت إليها.

 

 

اللواء :

احدثت استقالة الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة ارتجاجات سياسية كبيرة، تكاد تلامس بقوتها الزلزال السياسي، الذي من شأنه ان يُعيد ترتيب الوقائع السياسية في لبنان، وسط احتدام المواجهة العربية - الإيرانية، والمواجهة الأميركية - الإيرانية على خلفية البرنامج النووي ودعم جماعات مسلحة، من بينها حزب الله، متهمة بالقيام بأنشطة ليست خفية في سوريا والعراق واليمن وصولاً إلى بلدان الخليج.

ومنذ اللحظة الأولى لبيان الاستقالة السبت الماضي، تبدّل الموقف رأساً على عقب، وارتفعت أسهم القلق، وتطايرت الأسئلة عمّا جرى، ولماذا وكيف؟ وتتالت الاتصالات والاستفسارات والتعليقات والدعوات إلى التهدئة والتزام عدم التصعد، بانتظار جلاء الموقف، وعودة الرئيس الحريري إلى بيروت، والتي لا تبدو انها قريبة.

ومع ان الخطوة لم تكن مرتقبة، أو في الوارد أقله في المدى المنظور، الا ان حدوثها لم يُشكّل مفاجأة وحسب، بل صدمة قوية، فرضت على اللاعبين تحدياً ليس سهلاً، بأن قواعد اللعبة تغيّرت في لبنان، وربما في المنطقة، في سياق استعار المواجهة بين إيران والعرب، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية.

في الأسباب، بعض مما ذكره الرئيس الحريري في كتاب الاستقالة من أن «فئات لا تريد الخير للبنان دعمت من الخارج وأنشأت دولة داخل الدولة، مشيراً إلى إيران التي ما تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار والخراب، يشهد على ذلك تدخلها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن».

وأشار الرئيس الحريري في كتاب الاستقالة إلى اننا «نعيش أجواء شبيهة بالاجواء التي سادت قبيل اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وقد لمست ما يحاك في الخفاء لاستهداف حياتي».

وجاء في حيثية الاستقالة «ولأنني لا ارضى ان اخذل اللبنانيين أو اقبل بما يخالف مبادئ ورثتها عن والدي ومبادئ ثورة الأرز العظيمة، فإني أعلن استقالتي من رئاسة الحكومة، مع يقيني ان اللبنانيين سيكونون قادرين برجالهم ونسائهم على التغلب على الوصاية من الداخل أو الخارج».. مختتماً: «أشكر كل من تعاون معي ومنحني الثقة».

وهكذا وجد لبنان نفسه امام أزمة كبيرة، ووسط تحديات إضافية سواء في الأمن وحماية استقرار الليرة والنقد والحفاظ على الاستقرار والانتظام العام الذي كانت توفّره حكومة الرئيس الحريري، على الرغم من الانقلابات المتتالية على التسوية السياسية، التي أنجزها الرئيس المستقيل، واحترمها، وسط ظروف صعبة، لم يحترمها شركاؤه من اللبنانيين لا في الداخل ولا في الخارج.

وإذ سارعت كتلة «المستقبل» إلى عقد اجتماعات مفتوحة لمتابعة الموقف، معلنة تأييدها ودعمها الكاملين للرئيس الحريري ومواقفه، أشار رئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة الذي تحدث مع رئيس الحكومة المستقيل، ان هناك «في الأساس مشكلة، وهي العبء الكبير الذي تحمله الرئيس الحريري على مدى الأشهر الـ12، لذلك وصلنا إلى ما وصلنا اليه».

ودعت كتلة «المستقبل» في اجتماعها الثاني أمس اللبنانيين إلى «التنبه والتبصر في المخاطر التي يتعرّض لها لبنان نتيجة الاختلال في التوازن الداخلي والمخاطر الخارجية الناتجة عن استمرار وتصاعد التورط الإيراني وحزب الله في الصراعات الدائرة في المنطقة».

وفي إطار مرحلة ما بعد الاستقالة، كشف القصر الرئاسي ان الرئيس ميشال عون تلقى اتصالاً من الرئيس الحريري واعلمه باستقالة حكومته، على ان يبني الرئيس على الشيء مقتضاه بعد عودة الرئيس الحريري.

وبعد الظهر، نشر رئيس الحكومة المستقيل صورة على صفحته على «تويتر» تجمعه إلى السفير السعودي المعيّن في بيروت وليد اليعقوب.

وارفق الصورة بالتعليق التالي: «بعد ادائه للقسم امام خادم الحرمين الشريفين سررت بلقاء سعادة السفير السعودي». وقد اشاعت هذه الصورة ارتياحاً في أوساط تيّار المستقبل.

دار الفتوى

وعلى خط مواز، أكّد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، بعد استقباله أمس في دار الفتوى القائم باعمال السفارة السعودية في لبنان الوزير المفوض وليد بخاري ان استقالة الحريري لم تأتِ من فراغ وهي شكلت صدمة ونحن نؤيده وندعمه ونتفهم هذه الاستقالة، وينبغي ان نعالجها بالروية والحوار، مشيراً إلى ان السعودية حريصة على أمن واستقرار لبنان وتريد له الخير كما تريده لسائر البلدان العربية.

وشكلت زيارة الرئيس نجيب ميقاتي لدار الفتوى أمس حدثاً، خاصة وانه طرح على المفتي دريان مبادرة للخروج من الأزمة الحالية، فضل عدم الإعلان عن تفاصيلها، لكنه علم ان إحدى بنودها تقضي بعقد اجتماع للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى بكل أعضائه، بمن فيهم رؤساء الحكومة السابقون لتجديد الالتزام بوثيقة الثوابت الوطنية لدار الفتوى.

ونفى الرئيس ميقاتي ان يكون موضوع ترشحه لرئاسة الحكومة وارداً لا من قريب ولا من بعيد، كاشفاً بأن مبادرته لا تتضمن ان يكون مرشحاً لرئاسة الحكومة في الوقت الراهن، داعياً إلى الاتفاق على الشخصية السنية المناسبة تحت سقف دار الفتوى.

بعبدا

في غضون ذلك، واصلت مصادر رئاسة الجمهورية رفضها لليوم الثاني، التعليق على موضوع استقالة الرئيس الحريري من الخارج، بانتظار الاطلاع منه شخصياً على ظروف الاستقالة، لتبني على الشيء مقتضاه.

وفهم من المصادر نفسها ان أي كلام آخر لا يقع الا من باب التكهن، وانه في انتظار تبيان حقيقة الأمور لن يصدر بيان قبول الاستقالة أو رفضها، ولا بيان استشارات التكليف.

وأكدت مصادر الرئاسة، ان الاتصالات والاجتماعات التي أجراها الرئيس عون داخلياً وخارجياً، منذ الاتصال الوحيد الذي تلقاه من الرئيس الحريري، وابلغه باستقالة حكومته، صبّت كلها في إطار تحصين الوضع اللبناني والمحافظة على الوحدة الوطنية والاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي بما في ذلك الاتصال بالرئيس المصري عبد الفتاح السياسي حيث تبلغ منه وقوف مصر إلى جانب لبنان، ومع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي أكّد له دعم الأردن لكل ما يحفظ استقرار لبنان، فيما كانت الاتصالات مع عدد من الأقطاب السياسيين والقيادات العسكرية والأمنية والروحية والمالية بهدف ضبط الوضع الامني والمالي والاقتصادي ومنع أي خلل.

وأفادت انه منذ شيوع نبأ الاستقالة لم تهدأ اجتماعات الرئيس عون التي انعقدت بعيداً عن الأضواء بهدف التشاور لتقرير ما يمكن عمله فيما كان البارز التروي في إطلاق المواقف.

وعلمت «اللواء» ان هناك اجتماعات سيترأسها الرئيس عون اليوم تباعاً، وتصب كلها في الإطار عينه, ويعقد اجتماع أمني موسع برئاسة الرئيس عون في قصر بعبدا، يحضره قائد الجيش العماد جوزيف عون وقادة الأجهزة الأمنية للتباحث في التنسيق واتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية لبنان من أي اهتزازات.

اقتصادياً، أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن المصرف أصدر بياناً شدّد فيه على أهمية أن تبقى الليرة مستقرة، مؤكداً ان الأزمة سياسية وحكومية، وليست نقدية، كاشفاً عن إجراءات اتخذت لتجاوز أزمات سابقة..

سياسياً تحدثت مصادر مطلعة أن الرئيس عون، سيتريث في بت موضوع الاستقالة، وانتظار عودة الرئيس الحريري والوقوف على الأسباب التي أدت إلى الاستقالة، ولم يعلنها صراحة في بيان الاستقالة.

أما الرئيس نبيه برّي الذي التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ، فدعا إلى تهدئة النفوس، واصفاً لقاءه مع الرئيس المصري بأنه يفتح بابا كبيراً للإنفراج.

وهو اتصل بالرئيس عون ووضعه في أجواء اللقاء.

وفي إطار المواقف، دعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى الهدوء وعدم القلق، مؤكداً حرصه على الأمن والاستقرار، نافياً أن يكون هناك أي سبب داخلي للاستقالة..

وغرّد النائب وليد جنبلاط، عبر حسابه الخاص على موقع التواصّل الاجتماعي «تويتر»، قائلاً «أكثر من أي وقت مضى فإن لمرحلة تتطلب الهدوء واحترام الدستور واحترام والمؤسسات وكلام السيّد حسن في غاية المسؤولية وان كنت لا اشارك بعضاً من مضمونه».

ومن جهته، أسف البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي «لاستقالة الرئيس الحريري، وللظروف التي قادته إليها، معرباً عن خشيته من «تداعياتها على الاستقرار السياسي وما يرتبط به من نتائج».

ونبّه إلى أية مكيدة أو أي مخطط تخريبي يهدف إلى ضرب الاستقرار في الوطن، أو إلى استدراجه للإنخراط في محاور اقليمية أو دولية لا تتلاءم وطبيعته وقيمه ودوره كعنصر تعاون واسقرار وعيش مشترك في محيطه الشرق أوسطي.

دولياً وعلى وقع دعوات سفارات ودول رعاياها لمغادرة لبنان، أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة أمس أن الأمين العام انطونيو غوتيريش عبر عن القلق حيّال إعلان الرئيس الحريري استقالته، داعياً للحفاظ على «مؤسسات الدولية اللبنانية واستقرارها، معلناً التزام الأمم المتحدة» أمن لبنان وسيادته ووحدة أراضيه.

 

 

الاخبار :

دخل لبنان مرحلة جديدة من المواجهة السياسية العاكسة لما يحصل في المنطقة. وإذا كان حكام السعودية قد قدموا خلال الأعوام القليلة الماضية نماذج عدة عن الجنون الذي لا يقف عند مصلحة شعب أو دولة، فإن استقالة غامضة لرئيس الحكومة سعد الحريري جاءت في سياق المستوى الجديد من العبث السعودي بالمنطقة.

الخطوة بدت سريعاً كأنها جزء من عملية حصر إرث مملكة القهر التي قرر وليّ العهد فيها، محمد بن سلمان، السيطرة على كامل مفاصل الدولة في السعودية ومقدراتها وأدواتها في الخارج، ما جعل السؤال الأساسي حول أسباب استقالة الحريري يتراجع أمام سؤال حول مصير الحريري نفسه. ورغم أن ما حكي عن أن السلطات السعودية وضعت رئيس الحكومة في إقامة جبرية بقي في إطار الشائعات، إلا أن المسار السياسي يُثبت أن الحريري بات رهينة ابن سلمان. رهينة، بالمعنى السياسي للكلمة.
وإلى أن يظهر الحريري، خلال وقت قريب، في بيروت أو في أي عاصمة أخرى غير الرياض، فإن القلق حول مصيره لن يتبدد، ليس عند أركان الدولة فقط، بل حتى عند المقربين منه وعند أنصاره.
صحيح أن القوى الأكثر نفوذاً ليست في حالة توتر، لكن الوقائع على الأرض تبقى رهن مسارات الأمور الجارية خارجياً، لأن الخطوة السعودية بدت كأنها رد في لبنان على خسائرها في سوريا والعراق واليمن. وما يجري الآن في مملكة القهر يفتح الباب أمام أسئلة حول مستقبل الوضع في الجزيرة العربية نفسها، حيث الجميع غارق في وحل اليمن، وحيث الأزمة مع قطر تربك دول الحصار كما تربك الإمارة المحاصرة، وحيث يستعجل الأميركيون إنجازات ميدانية تتيح استعادة زمام المبادرة بوجه خصوم صاروا أكثر قرباً من بعضهم البعض، من روسيا إلى إيران، إلى العراق وسوريا وقسم كبير من لبنان... وقسم غير قليل من فلسطين.


 

 

إعادة تجميع عناصر المشهد تقود إلى حملة بدأتها السعودية قبل مدة على حزب الله في لبنان وعلى نفوذ إيران فيه، توّجتها بارتفاع في حدة المطالب السعودية بعزل حزب الله حكومياً ونيابياً وسياسياً، وإطلاق اتهامات بحق الحكومة «الساكتة عنه». وفجأة، رنّ هاتف الرئيس الحريري يوم 30 تشرين الأول 2017، يبلغه دعوة عاجلة للقاء ولي العهد السعودي، ليعود بعد يومين إلى بيروت، مشيعاً الأجواء الإيجابية عند معظم الحلفاء والسياسيين، وأنه ينتظر اتصالاً لتحديد موعد له مع الملك السعودي سلمان. حصل ذلك بعد يومين، إذ توافقت المصادر على أن الحريري تلقى اتصالاً يوم الجمعة الماضي يفيده بضرورة القدوم فوراً الى الرياض، ومن دون مرافقين، وأن موعده تحدد مع الملك. لكن، خلال ساعات، تبين أن الملك لم يستقبل الحريري، بل خرج الأخير معلناً استقالته من الحكومة، ليقفل بعدها خطوطه الهاتفية، وينشغل الجميع بحملة شائعات كبيرة حول ما يحصل.
وخلال ساعات قليلة تلت بيانه، انتقل الجميع للانشغال بالحدث السعودي الداخلي، حيث بدأت اعتقالات لعدد غير قليل من الأمراء والمسؤولين السعوديين، ليتبيّن أن جميع هؤلاء كانوا قد أبلغوا قبل أسبوع بضرورة وجودهم داخل الرياض، لأن الملك وولي عهده يريدان الاجتماع بهم. اكتشف الجميع أنها مجرد مواعيد وهمية، وهي أقرب الى كمين مكّن السلطات من ضمان وجود هؤلاء داخل المملكة، إذ اتخذت على الفور إجراءات بمنع إقلاع الطائرات الخاصة في كل المطارات، وليتم تعميم لائحة بعشرات الأسماء عند المعابر الحدودية ممن صدر بحقهم قرار منع سفر أو «ترقب وصول» كما هي حال بعض رجال الأعمال اللبنانيين.
وفي وقت لاحق، تبين أنه تم نقل جميع المطلوبين الى المجمع الفندقي الراقي «الريتز كارلتون» قبل أن تطوّقه قوة خاصة من الحرس الأميري التابع لولي العهد. ومُنِحت إجازات لعدد كبير من موظفي الفندق، ليتولى رجال الأمن المهمات اللوجستية، وتعلن أدارة الفندق أنه محجوز حتى نهاية الشهر.
في ما خص الحريري، تسارعت التطورات: إعلان مفاجئ من قناة «العربية» عن رسالة من الحريري، الذي قرأ بيان استقالة ملتبساً. تلا ذلك انقطاع «التواصل الطبيعي» بينه وبين الآخرين. كل ذلك جعل السؤال مشروعاً عما إذا كان الحريري مشمولاً بالإجراءات، وخصوصاً أن مسؤولاً سعودياً بارزاً أبلغ جهة لبنانية أن الحريري موضع «شبهة» في ملف هبة المليار دولار التي خصصها الملك الراحل عبدالله لمساعدة القوى الأمنية اللبنانية، وأن اسمه ورد في التحقيقات الجارية مع خالد التويجري، رئيس الديوان السابق الذي تولى الإشراف على إنفاق الهبة بطلب من الملك.
ومع ذلك، سارع مقربون من الحريري ومن أعضاء في حرسه الخاص الى الاتصال به، لكن الاتصالات بقيت مقتضبة وباردة. وقال أحد مساعدي الحريري إنه لم يرد على مكالمته، بل بعث له رسالة من خلال تطبيق «الواتس آب» قائلاً إنه بخير، ومن ثم نقل المساعد عنه أن كلامه اقتصر على العموميات: «إن شاء الله خير». «نلتقي قريباً». «المهم الاستقرار». وعندما اقترح بعضهم عليه أن يزوروه في السعودية، أجابهم بالقول: «إذا احتجت لأحدكم، فسأطلب حضوره».
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل تعداه الى توتر أكبر مع إعلان الحريري أنه يملك معلومات عن محاولة لاغتياله. ومع أن الجميع فهم العبارة كتعبير عن قرار بعدم عودته سريعاً الى لبنان، فإن الخبر أثار حفيظة جميع القوى الأمنية في لبنان، التي سارعت الى نفي أن تكون خلف المعلومات، نافية أيضاً وجود مثل هذه المعطيات عند أي منها، فقرر السعوديون إحالة المعلومات الى جهات غربية أو الى حرسه الخاص.
وبرغم الخضة التي شهدها لبنان عموماً، وانشغال المسؤولين اللبنانيين باتصالات لمعرفة خلفية الخطوة وماهية الخطوات اللاحقة، ركز الفريق اللصيق بالرئيس الحريري على معالجة حالة الذهول والحيرة عند جمهوره. وتولى قياديون في «المستقبل» إبلاغ الكوادر أن الحريري عائد الى بيروت في وقت قريب. وذهب النائب عقاب صقر ليل أمس الى إبلاغ إعلاميين أنه تم تحديد موعد عودته خلال 48 ساعة. لكن أي بيان حول هذا الأمر لم يصدر عن أي جهة، بينما تداول الجميع صورة نشرت على صفحة الحريري على موقع «تويتر»، تجمع الحريري مع السفير السعودي المعين في بيروت وليد اليعقوبي. لكن مصدراً قريباً من الحريري قال إن الحريري يربط أي مغادرة له للسعودية بظروف أمنية وسياسية، وإنه قد يسافر الى اليونان للمشاركة في قمة أوروبية – عربية، على أن يعود الى السعودية، وإن مسألة عودته الى بيروت لم تبتّ في كل اتصالاته المقنّنة مع بيروت، رغم أن المصدر نفسه يدعو الى الأخذ بالحسبان أن الحريري قد لا يطلع أحداً في بيروت على برامج تحركاته في العالم. وتجرى اتصالات جدية، تتولاها جهات رسمية فرنسية، لكي ينتقل الحريري إلى باريس، ما يؤدي إلى نزع الكثير من أسباب التوتر الناتجة من الغموض الذي يلف حالة الحريري.
يشار هنا الى أن عنصر المفاجأة يعود الى كون الحريري، إثر زيارته الأولى للرياض الخميس الماضي، أبلغ مساعديه أنه توصل مع القيادة السعودية الى دعم مشروع باريس ــ 4 وأن هناك برامج دعم كبيرة سوف يحصل عليها لبنان لدعم قطاعات عدة؛ بينها الجيش.
أما كتلة «المستقبل» النيابية التي عقدت اجتماعين خلال 24 ساعة، فقد أصدرت موقفاً لم يعالج الغموض بشأن وضع الحريري، مكتفية بتبنّي ما جاء في بيان استقالة الحريري، مع دعوة «جميع الفرقاء اللبنانيين إلى التنبه والتبصر في المخاطر، التي يتعرض لها لبنان نتيجة الاختلال في التوازن الداخلي والمخاطر الخارجية الناتجة من استمرار التورط الإيراني وحزب الله وتصاعده في الصراعات الدائرة في المنطقة».
ومع كل ما سبق، بقي موضوع الاستقالة بشكلها ومضمونها محل متابعة بطرق مختلفة. في بعبدا، قرر الرئيس ميشال عون التريث في الخطوات الدستورية، وبرر الأمر بأنه يريد الاستماع الى الحريري مباشرة ليفهم منه سبب استقالته، وليفهم أكثر إذا كان قراره يتعلق بشخصه أو أن تياره السياسي لا يريد البقاء داخل الحكومة أو داخل أي حكومة جديدة. وعلم أن