رجح مسؤولون ومحللون أن يستفيد الحرس الثوري في إيران، الذي يمثل قوة عسكرية لها نفوذ سياسي وامبراطورية صناعية، من زيادة التوتر بين واشنطن وطهران.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خالف القوى الكبرى الأخرى هذا الشهر برفضه أن يشهد بالتزام إيران بالاتفاق النووي الذي وقعته مع القوى العالمية عام 2015 الأمر الذي عقد الأمور للمستثمرين الأجانب الذين يخشون فرض عقوبات أميركية جديدة على طهران.

ويسيطر الحرس الثوري على أنشطة متعددة من إدارة الموانيء إلى الاتصالات وقد استفاد أكبر استفادة ممكنة من فتور العلاقات مع الغرب ومن تحسنها.

فعندما هجرت شركات النفط الغربية مشروعات الطاقة في إيران عام 2012 تولى الحرس الثوري أمرها وبعد رفع العقوبات عام 2016 أسس الحرس الثوري شركات شكلية أصبحت منفذا لدخول الشركات الأجنبية إلى إيران.

وقال مسؤول من معسكر خامنئي إنه إذا ابتعد المستثمرون مرة أخرى فإن الحرس على استعداد لأن يحل محلهم.

وأضاف المسؤول طالبا عدم نشر اسمه لأنه ليس مخولا سلطة الحديث لوسائل الإعلام "نحن نريد بقاء المستثمرين الأجانب. لكن إذا رحلوا بسبب الضغط (الأميركي) فيمكن للحرس أن يحل بكل سهولة محلهم. لا يوجد بديل أفضل من ذلك".

انفتاح محدود

في ظل العقوبات كافأ حكام إيران الحرس الثوري بإغراقه بالعقود لتفادي القيود ولقمعه المعارضة في الداخل ومساعدته حلفاء طهران على الصعيد الإقليمي من العراق إلى لبنان.

وأيد خامنئي الذي له الكلمة الأخيرة في شؤون الدولة في إيران الاتفاق النووي تأييدا متحفظا لكنه قال إن العائد الاقتصادي الذي تحدث عنه روحاني لم يحقق المنشود منه.

وللالتفاف على العقوبات الأميركية أحادية الجانب التي لا تزال سارية وتمنع التعامل مع الحرس والشركات التابعة له فإن الكثير من الشركات الشكلية التابعة للحرس لا يملكها الحرس الثوري ملكية رسمية بل يملكها أفراد وشركات تربطهم صلات به.

وفي الشهور الأخيرة رد الحرس الثوري الذي يرى في نفسه حصناً لصد النفوذ الغربي بانتقاد روحاني لاعتباره الشركات الأجنبية مفتاح النمو الاقتصادي.

وقال دبلوماسي غربي يتابع إيران عن كثب "الحرس الثوري سيكون المستفيد الرئيسي من التوتر مع واشنطن ... ولحماية هيمنته على الاقتصاد يفضل الحرس الثوري انفتاحا محدودا فقط على الغرب".

ورغم أن الاوروبيين يؤيدون الاتفاق النووي فإنهم يشاركون واشنطن قلقها إزاء البرنامج الصاروخي الإيراني وتصرفاتها الاقليمية "المزعزعة للاستقرار".

ولا تزال شركات أجنبية كثيرة تتردد في الاستثمار في إيران لأسباب من بينها العقوبات الأميركية الأحادية المفروضة بسبب انتهاكات حقوق الانسان وما يقال عن صلات إيرانية بالإرهاب والدور المهيمن الذي يلعبه الحرس الثوري في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط.

ومن الشركات الأوروبية التي أعلنت صفقات كبرى في إيران منذ العام الماضي ايرباص لصناعة الطائرات ومجموعة توتال الفرنسية للطاقة وسيمنس الألمانية. وشركة بوينج هي الشركة الأميركية الوحيدة التي حصلت على صفقة مباشرة في السوق الإيرانية وذلك باتفاق لبيع 110 طائرات لشركتين إيرانيتين.

غير أن نهج ترامب المتشدد تجاه إيران واقترانه بمخاوف مصرفية ومشاكل سياسية داخلية في البلدين يغلف مصير صفقة الطائرات بالغموض.

ويسلم المسؤولون الإيرانيون علانية بأن الشركات العالمية الكبرى ما زالت تخشى تقديم التمويل لمشروعات ترتبط بإيران خشية أن تقع تحت طائلة غرامات من جراء العقوبات الاميركية السارية والتي من بينها حظر على التعامل بالدولار مع طهران.

الاستثمار الأجنبي في خطر

تحتاج إيران لاستثمارات تعادل مليارات الدولارات لتنشيط صناعات من بينها النفط والغاز وتطوير قطاعات عرقلها نقص التمويل الغربي وكذلك النفوذ الاقتصادي الواسع للحرس الثوري.

وقد أدت هذه العوامل كلها إلى زيادة الصعوبات التي يواجهها المستثمرون الأجانب المتطلعون للاستفادة من السوق الإيرانية.

وقال اندرياس شفايتسر العضو المنتدب لشركة أرجان كابيتال ليمتد المتخصصة في استشارات الاندماج والاستحواذ والاستثمار وتعمل انطلاقا من لندن والتي تستثمر في إيران منذ 2009 "المسألة التجارية هي الاضطراب الذي يخلقه ترامب".

وأضاف أن صفقات ما زالت مع ذلك تبرم ومنها صفقات في قطاعات السيارات والطاقة والصناعة وذلك في حدود من 100 مليون إلى 200 مليون يورو. وقال إن من هذه الصفقات عمليات اندماج واستحواذ.

وقال: "نحن نحافظ على نفس التوجه الذي كنا عليه في 2009. ونفترض أسوأ التقديرات بما في ذلك فرض عقوبات على الحرس الثوري رغم أننا لا نتعامل معه وإذا كانت أطراف خاضعة لعقوبات معينة فإننا لا نمس الصفقة أو الشركة. نحن في غاية الحذر وحتى الآن لم نواجه مشكلة".

وفي أعقاب خطاب ترامب قال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إنه يعتزم فرض عقوبات على الحرس الثوري وسيعمل مع نظرائه على المستوى الدولي فيما يخص هذه المسألة.

وقال تشارلز بلاكمور الرئيس التنفيذي لشركة أودير انترناشيونال المتخصصة في الفحص الفني ومقرها لندن ولها نشاط في إيران إن تغير سياسة واشنطن سيكون له "أثر عكسي على المستثمر الأكثر عزوفا عن المخاطر".

وأضاف "لمن لهم استثمارات بالفعل ويعرفون البلد معرفة جيدة لن يحدث ذلك أي فرق".

وتابع: "يوجد من المشاكل ما يكفي في الوقت الحالي بما يجعل الناس تدرك كم حجم الاقتصاد الذي يسيطر عليه مالكون في الظل وهياكل معتمة للحرس الثوري الإيراني".

ويتوقف بقاء الاتفاق النووي على الكونجرس الأميركي الذي أمامه 60 يوما للبت فيما إذا كان سيعيد فرض عقوبات على إيران. وقد قالت الإدارة الأميركية إن واشنطن لن تقف في طريق التجارة الاوروبية وصفقات الأعمال مع إيران.