ليس المطلوب ان نعيد صناعة الماضي ولا أن نمارس توبة النادم
 

يختلط الامر على كثيرين في معالجة قضية الحكم على حبيب الشرتوني بالاعدام. الالتباس ناتج عن ازدواجية النظرة الى ما مثله بشير الجميل ماضيا وما يمثله اليوم . في الماضي كان بشير الجميل صاحب مشروع سياسي وعسكري يواجه تعاظم دور منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وتحالفها مع احزاب الحركة الوطنية بوهم جعل لبنان قاعدة ثورية وهانوي العرب في الصراع مع اسرائيل، تضمن مشروع بشير فرض غلبة طائفية سافرة على الشريك المسلم وعلى بقية القوى المسبحية معتمدا على عسكرة الطائفة المسيحية وتوحيدها، مع ما رافق ذلك من مآسي وحروب وتصفيات وقمع. ورافق ذلك شعور لدى المسيحيين بامتلاكهم قوة صاعدة تعزز حضورهم. المشروع لم يصل الى تحقيق مبتغاه الا بتحالف علني مع اسرائيل ادى الى احتلال بيروت ومعظم لبنان. 
هل الحكم القضائي الصادر اليوم يريد الانتصار لهذا المشروع، اي اعادة احيائه،! لا اعتقد لان هذا المشروع لم يعد قائما. لم يعد هناك اي امل باعادة احيائه، تغير دور المسيحيين، ضعفت علاقة احزابهم بالغرب، اسرائيل لم تعد كما كانت، واستراتيجيتها لا تصل الى احداث انقلاب في الداخل اللبناني. منظمة التحرير لم تعد تريد من لبنان ان يلعب دور هانوي العرب، وعاصمتها رام الله تعتمد التفاوض لبناء دولتها. لم يبق من بشير الا ذكرى رجل شجاع، تحول الى ضحية، لوهم  شغله، بأنه يستطيع  لعب دور سياسي اقليمي  كممثل لمسيحيي الشرق.
 هل صراخ الهاتفين من الشباب "بشير حي فينا"،  هو انتصار للمشروع ام لذكرى الضحية!  ضحية لديه اسرة واولاد وزوجة وعائلة، تلك هي المسالة التي تفرض الخشوع امام احزان احبابه دون استحضار مشروعه!؟
 على ضفة أخرى عملية اغتيال بشير كانت جزءا من معركة مواجهة بين فريقين تقاتلا منذ سنة ١٩٦٩ الى سنة ١٩٩٠ وحبيب الشرتوني ونبيل العلم وغيرهما كانوا جزءا من هذه المعركة، تماما كما كانت اغلبية زعماء الاحزاب الحاكمة الآن جزءا من هذه المعركة، والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة تبادلتها الاطراف المتقاتلة كل ما دعت حاجتهم لذلك، انها الحرب التي لايخرج من يخوضها منها، الا ويداه ملطخة بالدماء، دماء اعدائه ودماء الابرياء ايضا،  لا يمتلك احد من الفرقاء اي تفوق اخلاقي في هذه المسالة،  والعدالة الانتقائية تشوبها العيوب، كل كلام عن دور اسرائيلي في هذا الاغتيال كذب وتلفيق لمراعاة حاجات سياسية، ولممارسة نفاق سياسي اصبح عادة لبنانية تعفينا جميعا من اعادة قراءة حماقاتنا واخذ العبر منها لعدم تكرارها، حكم الاعدام نقطة تسجل لصالح محبي بشير الجميل، ونجاة حبيب الشرتوني وبقاؤه في ملجأ امن، هي نقطة تسجل للطرف الاخر. هل نستمر بلعبة تسجيل النقاط وصولا الى استحضار خطابات الحرب الاهلية،و ماذا بعد النقاط؟ هل نعتبر؟، اما آن اوان المراجعة ونقد التجربة واستخلاص العبر ، ام ان درب الاوهام والخطايا ما زال هو خيار نجمع عليه؟.
اتوقع ردودا على مقالتي تاتي لتثبيت وجهة نظر احد فرقاء الحرب وتقديس خيارات طرف من اطرافها و هو امر يمكن ان يكون متبادلا عبر ايراد الكثير من التفاصيل وذكر الكثير من المذابح والخطايا او الانتقال الى إدانة الخارج توطئة لتبرئة نفاقية لمعسكر الصديق وللخصم من اجل وحدة وطنية نفاقية. نستطيع الاستمرار في هذا الردح سنين دون فائدة بل بضرر كبير، المطلوب العودة الى الذات واكتشاف كل فريق لاخطائه واوهامه.
ليس المطلوب ان نعيد صناعة الماضي ولا أن نمارس توبة النادم بل ان نستعيد تبصر المجرب، ونسعى الى ان نعيد قراءة الحرب من اجل بناء المستقبل والعيش معا.