إن مفهوم التعصب من المفاهيم المركبة التي تعج بها أدبيات العلوم الانسانية والعلمية والثقافية وهو ظاهرة قديمة حديثة يرتبط بها العديد من المفاهيم .كالتمييز العنصري والديني والطائفي والمذهبي والجنسي .فالتعصب هو شعور داخلي يجعل الانسان يرى نفسه على حق والاخرين على باطل ويظهر هذا الشعور بصورة ممارسات ومواقف ينطوي عليها احتقار الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه وانسانيته ومن سمات المتعصب التسلط والجمود في التفكير واللجؤ الى العنف لتحقيق الغايات والتمحور حول الذات والغرور وعدم تقبل الحوار من الآخر وعدم الموضوعية في تناول القضايا الخلافية وهو لايختلف كثيراً عن التطرف لا بل ان التعصب هو وليد التطرف . وهما أمة واحدة من حيث المنشأ والهدف والمحتوى والنتيجة ولافرق في التعصب للدين او القبيلة او الطائفة او المذهب وغيرها . وتبدأ العصبية والتعصب في النمو مع الفرد بالتدريج فهي تولد في المجتمعات التي تنمو فيها تناقضات اجتماعية وثقافية لا سيما في مستوى تعدد الطبقات الاجتماعية وتعدد الاديان والمذاهب وتلعب الافكار والآراء التعصبية في ذلك دوراً بارزاً ويرى الباحثون ان التربية هي المحرك الرئيسي للفرد, فليس من المعقول أن يولد الشخص ويصبح متعصباً الا اذا وُجد بين تربية تدعو للعصبية والتعصب سواء من والديه او ممن نشأ وترعرع في حضنهم وكنفهم , ويرى الباحثون ايضاُ ان التربية التي يتلقاها الانسان والظروف التي يعيشها تشكل شخصيته , ومن ضمنها هل يصبح شخص متعصب ام شخص متسامح متسالم. ؟ ومما يؤكد ان العصبية مكتسبة أن الطفل الذي يُولد في مجتمع قبلي ينشأ ونظام العصبية يحكم سلوكه ويوجه إردته وعقله , وامااذا نقل في مرحلة الفطرة الى مجتمع معتدل ينشأ فيه فإنه يحمل في نشأته نظام قيم ذاك المجتمع تماماً كسائر الاطفال فيه ومن وجهة نظر علم النفس الاجتماعي ان التعصب ينشأ ويزداد عندما يوجد هناك اختلاف بين الجماعات والتوعية التي يتكوّن منها المجتمع من اديان او ثقافات مختلفة تعتبر أرضاً خصبة لنشأة التعصب .وتؤكد دراسة أجريت في الولايات المتحدة الامريكية أن حوالي 69% من أفراد (عيّنتها) قرّروا أن التعصّب لديهم مأخوذٌ ومكتسبٌ من الوالدين، ويمكن القول أنّه لا يوجد هناك أي دليل فسيولوجي أو نفسي على وجود غريزة تسمّى التعصّب أو العصبية أو أنّه فطري، ولكن هناك استعداد للتعصّب، والجهل هو من أهم روافده ويشكّل القابلية لهذا الإستعداد. وقد كشفت دراسة أكاديمية حول التعصّب القبلي والطائفي في جامعة الكويت أعدّها الأستاذ في كلّية التربية د.عيسى الأنصاري عن قناعة الطلبة لمحاباة المجتمع الكويتي من التعصّب القبلي بنسبة تأييد بلغت 1 ,69% وتبيّن الدراسة أن التعصّب القبلي للأساتذة يبلغ أشدّه في " كليّة الشريعة " بنسبة 77،9%. بالمقابل كان طلّاب الصيدلة والطب يقيّمون أساتذتهم الأدنى في الممارسة الطائفية بنسبة 48،6% وبرغم القناعات المخيفة يطمح 84،7% من الطلبة لاستئصال ظاهرة التعصّب من الجامعة. وبالتالي مهما اختلفت مظاهر التطرّف والتعصّب فإن السكوت عنهما يؤدّي إلى مخاطر استبعادوتغيير الفكر المعتدل والمتسا مح وتغليب الفكر الذي يدعو إلى العصبية والتكفير والإنحراف عن المبادئ والقيم الدينية الأساسيّة.
بقلم الشيخ محمد حسني حجازي