أنا إبن حزب الله أنا إبن المقاومة الإسلامية إبن الحالة الإسلامية منذ سنة 1980 دفعت من عمري الفتيّ المُنتج سنينا من التضحية فوق ما يتصوره خيالكم
 

قضيت سنة و 3 شهور سجيناً  في زنازين  سوريا بشار الأسد بتهمة العمالة لإسرائيل  وفيها أيضاً وُلدت من جديد  لأصبح ما أنا عليه الآن.
في الزنزانة اختبرت شتى صنوف الحرمانات المادية والمعنوية  مررت بأوقات عسيرة كنت أشفق فيها على نفسي من قهر الحاجة إلى لقمة نظيفة كنت أحلم بتفاحة أو بيضة ببضع قطرات من زيت الزيتون .
 كان أقصى طموحي أن أحصل على حمام ساخن أو ثياب بديلة عن ملابسي التي اهترأت على جسدي وأنا أرتديها شهرا  متواصلا في “فرع الأمن” حيث تسلخ جلدي بفعل التعذيب الجسدي و الرطوبة والعفن داخل الزنزانة  كنت أخشى الجراثيم الخطيرة  من فراش ملّوث بالدماء والعرق المُخَمَّر المُعَتَّق وأغطية رطبة قذرة مجبولة بالبول الناشف والمني اليابس  والتقيؤ الجاف هناك كنت رجلا محاصرا تماماً كما لو في غابة بين الوحوش بل أوحش كان السجانون يلتذون بشتم العزة الإلهية بأقبح عبارات اللغة العربية ولست أدري إلى الآن سبب  معاداتهم الشديدة مع الله !

إقرا أيضا: ظلمات فتنة عمياء
كان هاجسي أن أحافظ على طاقاتي العقلية والعصبية لأحتمل ما ينتظرني بل كان عليّ أن أكتشف قدرات جديدة وأن أطورّها لأتمكن من الدفاع عن حقي في الحياة وعبر سنة وثلاثة شهور  تعلّمت كيف أعوّض عن شوقي إلى العيش والقراءة  بتذكر ما أعرفه بإعادة التأمل في الأشعار التي حفظتها والأفكار التي حملتها والتي فتحت نوافذ ذاكرتي ليتسلل منها  نهج البلاغة وسيرة الحسين وزين العابدين وزينب ورشيد الهجري  وميثم التمار وعمرو بن الحمق الخزاعي وسعيد بن الجبير وحجر بن عدي ومسلم بن عقيل وأبو ذر الغفاري في إضرابي عن الطعام ثلاثة أيام  احتجاجاً على سوء المعاملة ومنع الزيارة، كان  يساندني علي بن أبي طالب  بجملته التي كتبتها على الجدار بحبة بندورة عفنة " إن يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم  “ .
كان خيالي هو الحصان الجامح الذي يحملني إلى كل بقاع الأرض، بل ويأخذني إلى عالم السماء لأفهم أكثر عن البشر وعباداتهم ومعتقداتهم وفي الزنزانة تعلم بأن  عالم الخيال نعمة مدهشة، الزنزانة  جعلتني أحبّ النمل وأنتظر الفراشات وأفهم ضعف الكائنات الحية وهشاشتها وأختار جانب الشجاعة لمواجهة تقلبات الزمن.
في الزنزانة تحرّرت من مخاوفي وأملاكي وحقدي وتعلمت أن الحرية وحدها قادرة على أن تمنحنا الطيبة والكرامة معاً.

إقرا أيضا: هل يجوز شرعًا القتال في الجيش اللبناني في ظل قيادة كافرة؟

أنا إبن حزب الله أنا إبن المقاومة الإسلامية إبن  الحالة الإسلامية منذ سنة 1980  دفعت  من عمري  الفتيّ المُنتج سنينا من التضحية فوق ما يتصوره خيالكم  تلك السنين التي كانت قادرة أن تجعل حياتي  جنة صغيرة لولا الديكتاتورية الهمجية التي إجتهدت لتدفعنا إلى اليأس والعزلة ، بعد أن سلبتنا أعمارنا!
دعونا نتشارك فرح مقاومة الظلم في كل مكان .
سنة وثلاثة شهور في زنزانة إنفرادية مظلمة بشهادة معتقلين رأيتهم في رواق السجن ونحن ننتقل منه إلى المحكمة قالوا لي: " نحن سنشهد لك بين يدي الله يوم الحساب والثواب والعقاب بأنك أمضيت هنا في سجون سوريا 10 سنوات ! "قلت لهم:" ولِماَ الكذب بين يدي الله وأنا أمضيت سنة وثلاثة شهور ! " قالوا : "إن الشهر الواحد الذي أمضيته هنا في هذه الزنزانة المظلمة الموحشة المرعبة يعادل عند الله  سنة والسنة تعادل عشر سنوات."
" الداخل لزنزانة المخابرات السورية مفقود والخارج منها مولود  ،  بالتأكيد إنك محظوظ عند الله بسبب حسنة  عظيمة آتيت بها في هذه الدنيا وجاء وقت المكافئة من الله تعالى . "
خرجت من الزنزانة وفوراً ولا إرادياً نصبت وجهي ورفعت يداي نحو السماء لأشكر الله شكراً نبع من دمي ولحمي وعظمي ومخي وعصبي ومن صميم صميم مشاعري وإحساسي على نعمة الحرية الجسدية والخروج من قبر الزنزانة .

 

من مدينة ديجون الفرنسية