زوبعة جديدة يعيش على وقعها لبنان عنوانها “الانتخابات النيابية بين تأجيلها أو إجرائها في وقت سابق لأوانها”، ويرى متابعون أن هذه الضجة تعكس في واقع الأمر تخوف القوى السياسية التقليدية من الاستحقاق ونتائجه التي قد تكون كارثية بالنسبة لها
 

تشهد الساحة السياسية في لبنان هذه الأيام جدلا كبيرا حول الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في مايو 2018، وسط تحذيرات من وجود نوايا لتأجيلها إلى موعد آخر، وهو ما يرجح أن يكون السبب خلف طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري مشروعا يقضي بإنهاء تفويض البرلمان الحالي في 31 ديسمبر على أن تجرى الانتخابات قبل هذا التاريخ، في خطوة تهدف إلى حشر الجميع في الزاوية.

وأعلن نبيه بري الثلاثاء خلال جلسة عاصفة لمجلس النواب أن كتلة التنمية والتحرير التي تمثل حركته “أمل” قدمت اقتراح القانون المعجل حول تقصير ولاية المجلس النيابي الممدد له مرتين.

ورافق هذا الإعلان تعالي أصوات كثيرة رافضة وفي مقدمتها التيار الوطني الحر الذي قال رئيسه جبران باسيل “هذا ضرب للإصلاحات الانتخابية الكبيرة التي يتم تحقيقها للمرة الأولى”.

وتقول أوساط سياسية لبنانية لـ“العرب” يبدو أن قدر لبنان هو الانتقال من اشتباك سياسي إلى آخر، فبعد العاصفة التي أحدثها حزب الله بتدخله على خط عمليات الجيش العسكرية في جرود القاع ورأس بعلبك الحدودية مع سوريا، هاهو يسجل اشتباك جديد وهذه المرة حيال الاستحقاق الانتخابي.

وترى هذه الأوساط أن معظم القوى تبدو غير مستعدة لإجراء الانتخابات في موعدها في ظل عدم استعدادها لهذا الاستحقاق، فضلا عن تخوفاتها من أن يفضي قانون الانتخابات الجديد إلى خسارة مقاعد قد تصل بالنسبة للبعض إلى 50 بالمئة لصالح أطراف سياسية أخرى أو قوة جديدة يسمح لها هذا القانون بالبروز والتعبير عن نفسها.

ويوضح الباحث السياسي اللبناني مكرم رباح لـ”العرب” أن “القانون النسبي يشكل تحديا للأحزاب التقليدية التي تعودت في السابق على التحالف ضمن ما يسمى ‘المحدلة’، في حين قد تعطي النسبية نتائج غير متوقعة وقد تهدد بسيطرتها على الطوائف والجماعات. ومن أهم التحديات بالنسبة لهذه الأحزاب هو المجتمع المدني الذي حقق نتائج جيدة في الانتخابات البلدية العام الماضي”.

وكانت القوى اللبنانية قد توصلت في يونيو الماضي إلى اتفاق بشأن قانون انتخابي جديد قائم على النسبية مع الصوت التفضيلي وذلك على أنقاض قانون الستين، المثير للجدل.

ويبدو أن هذه القوى وبعد استفاقتها من “سكرة” التوافق على القانون اكتشفت أن به ثغرات قد تدفع ثمنها غاليا انتخابيا.

وفيما تبدو فرصة إجراء تحويرات وتعديلات عليه غير ممكنة، فإنها تتذرع، وفق البعض، بمسائل تقنية من قبيل البطاقة الممغنطة أو البيومترية، ومسألة تسجيل الناخبين مسبقا.

وأقر مؤخرا مجلس الوزراء حلا لمسألة البطاقة الممغنطة التي نص عليها القانون الانتخابي بتطوير بطاقة الهوية الحالية، وتم الاتفاق على الشركة التي ستتولى مهمة إعداد نحو 3 ملايين و800 ألف بطاقة.

ولكن هذا الإقرار لا يبدو أنه يلقى دعما من البعض وفي مقدمتهم القوات التي ترى أنه كان يجب أن يمر إعداد البطاقة عبر مناقصة مفتوحة للجميع، مشككة في إمكانية أن يتم تحضير تلك البطاقات في الوقت المناسب.

ولم يطل الرد كثيرا على المعترضين حيث سارع وزير الداخلية إلى التوضيح للرأي العام أن “الشركة المقصودة هي التي تعمل على إنتاج بطاقات الهوية منذ العام 1997، وتنطلق من قاعدة بيانات مليونين و400 ألف لبناني يحملون بطاقات الهوية، و700 ألف لبناني بياناتهم غير مكتملة تماما. وبالتالي فإن من شأن ذلك تسهيل وتسريع إنتاج وتوزيع البطاقة الجديدة”. والبطاقة الممغنطة هي عبارة عن بطاقة بلاستيكية بها شريط إلكتروني يحوي معلومات بشأن الناخب ومكان إقامته. ولئن يمكن القول إن مسألة البطاقة تم حلها جزئيا وإن الجدل حولها مآله إلى زوال، إلا أن مسألة تسجيل الناخبين المسبق، تلاقي اعتراضات كبيرة.

وحذر حزب الكتائب “من نيات مبيتة للسلطة السياسية في التحكم بنتائج الانتخابات، سواء من خلال تحويل هيئة الإشراف على الانتخابات إلى هيئة تابعة لأهل السلطة، أو من خلال محاولة التحكم بخيارات الناخبين بالبطاقة الممغنطة حينا أو بشرط التسجيل المسبق للناخبين حينا آخر، وكل ذلك بهدف إعادة إنتاج السلطة نفسها، هذه السلطة التي تخلت عن المرجعية السيادية للدولة اللبنانية، وتفرغت للهدر والفساد”.

ومعلوم أن حزب الكتائب يشهد تدهورا سياسيا وشعبيا الأمر الذي يثير مخاوف فعلية لديه من أن تكون نتائجه هزيلة في الاستحقاق المقبل. وليس الكتائب وحده من يشهد هذا الانحدار، فالعديد من القوى التقليدية تعيش هذا الواقع، ويقول مراقبون إن طرح بري قد يشكل صدمة لها للعودة عن طموحاتها التي أقصاها تأجيل هذا الاستحقاق لأشهر إضافية تحت غطاء التمديد التقني.

ويقول رباح لـ“العرب”، “طرح بري يتجاوز المناورة، بل يعكس الأزمة البنيوية بين الطبقة السياسية لا سيما الحاكمة منها، وبحسب المعطيات وحركة الماكنات الحزبية لا توجد مؤشرات جدية على أن الأحزاب تريد لهذه الانتخابات أن تجري في موعدها ولا سيما أن المال السياسي شحيح والضرائب المستحدثة غير شعبية”.