ان الإمام الحسين عليه السلام خرج لطلب الإصلاح في أمة جده محمد (ص)، وكما هو عبر عن ذلك بالقول:إني لم أخرج اشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي
 

قضية الإمام الحسين عليه السلام هي قضية الإنسان الرسالي هي قضية الأنبياء والرسل والأوصياء منذ آدم وحتى خاتم االأنبياء رسول الله النبي محمد (ص)، فقضيته هي قضية الرسالة الإلهية بكل تجلياتها وقضية الإنسان بكل تفاصيل حياته وهي المعنى الحقيقي للحياة والموت. 
فالإمام الحسين عليه السلام لم يخرج إلى أرض الطف ليذبح على رمضاء كربلاء بأيدي ثلة من أشرار البشر، ويرى أطفاله وأولاده وأهل بيته وأصحابه أضاحي بين يديه، ويترك نسائه سبايا يساقون أسارى على اقتاب الإبل من بلد إلى بلد على رمال الصحراء اللاهبة تلفحهم حرارة الشمس الحارقة في رابعة النهار بحماية عدو لا يرحم تستقبلهم الناس بالأهازيج والزغاريد والشماتة يحدوهن القريب والبعيد وعرضة للنظرات اللئيمة والخبيثة وهن المحجبات المخدرات اللواتي لم يلمح وجوههن سوى محرم قط. 

إقرأ أيضًا: من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
بل ان الإمام الحسين عليه السلام خرج لطلب الإصلاح في أمة جده محمد (ص)، وكما هو عبر عن ذلك بالقول "إني لم أخرج اشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي". 
والإمام الحسين بهذا المعنى لم يخرج طلبا للموت وهو العارف بأنه مقدم على أمر جل ولم يخرج سعيًا للشهادة وهو المبشر من جده بأنه سيد شباب أهل الجنة ولم يترك نفسه لقمة سائغة وسهلة للأعداء وفريسة للقتل والذبح وفي متناول السيوف والسهام والرماح بل على العكس تماما فإنه خرج طالبًا الحياة وبعث الروح من جديد في جسد الأمة التي أصابها الوهن والضعف والإنحراف وخرج لتقويم الاعوجاج الذي ضرب المجتمع الإسلامي وتنقية الرسالة الإلهية من الشوائب والادران. 
خرج الإمام الحسين على الطاغية يزيد الذي شوه صورة الدين الإسلامي بفسقه وفجوره وجوره وطغيانه وانحرافه وكما وصفه الإمام "نحن بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا الله فتح وبنا ختم ويزيد رجل فاسق فاجر شارب الخمر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله". 

إقرأ أيضًا: صفقة مشبوهة وقسمة ضيزى
فبعد أن بالغ يزيد في ضرب الأعمدة الأساسية التي قام عليها الإسلام وهي التوحيد والعدالة والنبوة والإيمان باليوم الآخر، وأمعن في تجويف الرسالة وافراغها من جوهرها الذي يعتمد سلوك طريق الصدق والأمانة والوفاء والإخلاص والتضحية والإيثار والإبتعاد عن المحرمات والشهوات والنزوات والقبائح والمعاصي كبيرها وصغيرها والإلتزام بالأوامر الإلهية والنهي عن نواهيه وبعد أن مارس الظلم على الأمة الإسلامية بكل صلف وجبروت وبأبشع صور التوحش كان لا بد للإمام الحسين عليه السلام من إطلاق حركة تغييرية كمصداق للآية الكريمة "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (صدق)"، فخرج من مدينة جده قاصدًا مكة المكرمة فاعتمر عمرة مفردة ويمم وجهه ومسيره شطر الكوفة عاصمة أبيه بعد أن ألقيت عليه الحجة بوصول عشرات الآلاف من الكتب والرسائل من أهلها تدعوه للاقدام إليهم وعلى أنهم جنود مجندة للإنطلاق بالثورة التغييرية تحت رايته على السلطة الجائرة وأن بها رؤوس قد أينع قطافها. 

إقرأ أيضًا: لحظة حداد على الوطن
وانطلقت القافلة الحسينية تقطع المسافات من الحجاز إلى العراق والناس تنضم إليها أثناء المسير إما إيمانا بالثورة الحسينية وهم قلة قليلة جدًا، وإما طمعًا بغنائم الحرب والسلب والنهب وهم يمنون النفس بالنصر على الحكم الجائر متأكدين من أن قلوب الناس مع الحسين. 
لكن ما أن وصلت القافلة الحسينية أرض العراق وحطت رحالها في أرض الكرب والبلاء رأى الإمام الحسين عليه السلام بأم العين أن القلوب لا تكفي لأن تكون معه بل أن الثورة تحتاج إلى السيوف التي انقلبت عليه، وهذا شكل عاملًا أساسيًا في تغيير ميزان القوى لمصلحة السلطة الحاكمة، فلجأ الإمام إلى خيار تفادي وقوع الملحمة الكربلائية بالطلب إما برجوع قافلته من حيث أتت او سلوكها في الفلاة في أرض الله الواسعة وفي الصحاري البعيدة بإتجاه اليمن، لكن الطاغية يزيد وضعه أمام أحد خيارين إما السلة وإما الذلة وهيهات على الإمام الحسين اختيار الذلة يأبى عليه ذلك الله ورسوله والمؤمنون فاختار طريق السلة ووقعت أعظم مأساة إنسانية في التاريخ على أرض كربلاء والتي أضاءت منارة في طريق الأحرار وشكلت نبراسا ومدرسة للمظلومين يهتدون بهديها الطريق إلى الإنتصار على الظلم والطغيان. 
إلا أن هناك فئة من المتاجرين بدماء الحسين يصرون على طمس المعالم الحقيقية والأهداف السامية للثورة الحسينية وافراغها من جوهرها بألهاء الناس البسطاء ببعض القشور والأساطير والترهات والحكايات التي لا يقبلها عاقل وذي لب وحصرها بذرف الدموع والنواح باضفاء صورة الذل والبساطة والهوان على شخصية الإمام الحسين العظيمة وهذا لعمري أكبر إهانة للحسين وثورته وتضحياته وفكره واستخفاف باستشهاده ودمائه الزكية..