الحديث عن موضوع العدل كأساس في العلاقات الانسانية السليمة , وكأساس ايضا لحفظ كرامة الانسان وحفظ حريته المقدسة , حيث لا كرامة بلا حرية ولا حرية بلا كرامة , ولا وجود لهما بغياب العدل ,  يثير الشجون والاحزان , وخاصة في مجتمعاتنا التي افتقدت العدل بكل اشكاله , وتحول الى حلم للشعوب العربية والاسلامية على مدار قرون طويلة , فلا نبالغ اذا قلنا بان انسان العالمين العربي والاسلامي لم يعرف للعدل مكانا , ولا لآثاره وجودا الا في عالم الذهن والنظريات , وهذا مما يؤسف له آسفا شديدا , بل أننا , وبصريح العبارة  في هذا العصر نحصد الآثار السلبية على كل الاصعدة بفعل غياب العدل والعدالة , وبالتالي استلاب الحريات وضياع الكرامة .

العدل في جوهره إعطاء كل ذي حق حقه , وقد يكون العدل في بعض الاحيان المساواة بين الرعية ببعض الحقوق , ويقابله الظلم الذي يعني تجاوز حقوق الناس  والاعتداء على هذه الحقوق وسلبها عنهم , وتشمل الحقوق , الحقوق المادية , والحقوق المعنوية من قبيل الحرية في العيش بكرامة , والحرية في الفكر , والعيش بأمان وأمن , ونحو ذلك من الحقوق الكثيرة التي لا مجال لذكرها هنا .

من هنا يُعتبر العدل قيمة مهمة , بل عنصر اخلاقي اساسي في خلق الاستقرار الاجتماعي بكل وجوهه , وقد اعتبره الاسلام عنصرا مهما في التشريع , ومعيارا أخلاقيا حُرّمت على اساسه سلوكيات انسانية كثيرة حفاظا على كرامة الانسان وصونا لانسانيته , فاعتبر الاسلام ان البهتان والغيبة والتجسس والشتم والاتهام ظلما للإنسان , والتعدي على جسده قتلا وجرحا وتعذيبا ظلما ايضا , وكل هذا وغيره مما يشبهه مخالف للعدل الذي هو من أهم غايات التشريع ومقاصده .

والعدل في الاساس هو سلوك انساني ناتج عن تربية ثقافية وقيمية تشكل عند الانسان ملكة نفسانية تبعثه على افراغ الذات من الاحقاد الناتجة عن الحسد والكراهية والقسوة المنتجة بدورها عن حب الذات والانانية والمطامع التي تغرق الانسان في الشهوات الدنيوية , فالعدل يقابل هذا كله فيكون نتاج المحبة للآخرين والرحمة لهم وإحترام انسانية الانسان مهما كان , لذا اكد الله سبحانه وتعالى على أهمية العدل كوظيفة للإنسان المؤمن مهما حاول الآخر ان يظلم , ولا ينبغي للمؤمن ان يدفعه ظلم أحد له على ان يكون ظالما , فقال في كتابه الكريم : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط , ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى , واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " . ومن المهم للإنسان ان يحرص على ان يكون عادلا محاولا السيطرة على نفسه , لان النفس ميالة الى العنف والافراط والتكبر , وقد ورد في المأثور " من ملك اسباب العدل فقد ملك أسباب الدنيا والاخرة " وورد عن الامام علي عليه السلام انه قال : " العدل رأس الايمان , وجماع الاحسان , وأعلى مراتب الايمان " , وعنه ايضا : " إستعن على العدل بحسن النية في الرعية , وقلة الطمع , وكثرة الورع ".