انصرف الإعلاميون والمراقبون منذ عشرة أيامٍ وأكثر على ضرب أخماس بأسداس بشأن موقف الجيش اللبناني في مواجهة «داعش» بتلال رأس بعلبك والقاع. «نصرالله» عرض على الجيش أن يساعده أو يبقى على الحياد. والنظام السوري يظهر الإرادة، وإن كنا لا نعلم إن كان يملك القدرة. كل هذه الجدالات حُسمت في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الوطني برئاسة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والوزراء والأمنيين المختصين. قال رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بصوت واحد إنّ الجيش وحده، وبدون الحزب، والقوات السورية، سيُزيل «داعش» من الأرض اللبنانية. ولبنان ليس ضعيفاً في مواجهة الإرهاب، فهو جزء من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي تتزعمه الولايات المتحدة. وكان في ذلك ردٌّ على زعيم «حزب الله» الذي كان قد قال إنّ الاستعانة بالأميركيين عارٌ وشنار!
كل هذا الجبروت، وهذه المناعة، من أجل سمعة الجيش الوطني، وثقة اللبنانيين به وبقدراته، وطمأنة الأميركيين، اختفت في اجتماع مجلس الوزراء في اليوم التالي عندما تعلّق الأمر بذهاب ثلاثة وزراء إلى سوريا بدعوة من حكومتها. فتحدث في الجلسة معترضاً وزراء «القوات» و«الاشتراكي»، وما تحدث من وزراء «المستقبل» في الجلسة معترضاً غير وزير الداخلية نهاد المشنوق، بينما تدخل عديدون مؤيِّدون للتطبيع مع النظام السوري، بحجة أن هناك علاقات دبلوماسية بين البلدين، وأن للبنان مصالح في تطبيع العلاقات! كنا قد شعرنا منذ شهور بمحاولات وإرادة التطبيع هذه، عندما عرض «نصر الله» الوساطة مع النظام السوري بشأن اللاجئين، ثم تصاعدت الدعايةُ من جانب جبران باسيل من أجل ذلك، وباعتبار أنّ اللاجئين صاروا حواضن للإرهاب، فينبغي التعاون مع النظام لإعادتهم إلى ديارهم. وقبل أيام، وبعد نزاع على استئجار البواخر لتوليد الكهرباء من تركيا، وهو نزاع انتصر فيه باسيل ووزير الطاقة؛ إذا بوزير الطاقة نفسه يُطْلع الجمهور المشدوه على عرضٍ سوري بإعطاء لبنان الكهرباء بمقابل مالي أقلّ من توليدات البواخر! سوريا التي تغيبُ الكهرباءُ عن ثلاثة أرباع أنحائها تريد بيع «فوائض» كهربائها للجمهورية اللبنانية الغنية والمزدهرة والمستنيرة إنما بدون إنارة. وعندما كان مجلس الوزراء يهمُّ بالاجتماع، وقد أخبرنا أحد أعضائه أن الحلَّ سيكون ذهاب الوزراء الثلاثة «على مسؤوليتهم، وليس بإيفاد من الحكومة»، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يصرّح من طهران بأنه يتعين التطبيع مع الأشقاء، وهو أمر طبيعي، ويخدم مصالح الشعبين! وعلى ذلك ردَّ فارس سعيد في مقابلة له على المؤسسة اللبنانية للإرسال بأنّ كلام بري من طهران عن التطبيع مع النظام السوري، دليل على أنه مطلب إيراني، وي سياق التنافس بين إيران وروسيا على العصفور في القفص، ومن يمسكه أكثر، وما فسعر ابتياعه! هناك شائعاتٌ كثيرةٌ بالطبع عن تحسُّن أوضاع بشار الأسد، وبقائه إلى نهاية المرحلة الانتقالية عام 2020 أو 2021. واللبنانيون براغماتيون، ونصر الله يغريهم إن مشوا وراءه أن يتخلصوا من اللاجئين، وأن يكسبوا من وراء إعادة إعمار سوريا مقاولين ومتمولين ومهندسين!، بل وها هم لشدة دهشتهم يُقبلون على استيراد الكهرباء من الشقيقة المزدهرة والحافلة بالفوائض الكهربائية والتكنولوجية. وبالطبع كل هذه أَوهام، وجزء من ازدياد سيطرة الإيرانيين وحزبهم المسلح على السياسات الدخلية والخارجية للبنان. وفي الحد الأدنى، ولأن البراغماتية رخيصة الآن ولا تؤمّن أية مكاسب؛ فلننتظر ونحن بلد عربيٌّ، الموقف الذي تتخذه الجامعة العربية التي قاطعت بشار ونظامه منذ عام 2013. ثم إننا نحن اللبنانيين المسلمين لدينا من الدماء والخراب واللاجئين في لبنان ولدى أهلنا في سوريا ما لا يسمح بهذا الحماس المنقطع النظير للتطبيع السريع مع النظام القاتل.
إن التماس رضا النظام السوري بدفشةٍ من طهران هو سعي للتحالف مع الشيطان!

 

المصدر:  "الاتحاد"