أثارت زيارة الزعيم العراقي مقتدى الصدر للسعودية في الأسبوع الماضي الكثير من الجدل في مختلف الأوساط، فهناك من أيدها ورآها خطوة مهمة في سبيل تطوير العلاقات بين البلدين وآخرون عبروا عن رفضهم لهذه الزيارة باعتبارها تعبر عن تنازلات متبادلة وتغير في المواقف السابقة لكلا الطرفين. ومع أنه قد سبقها العديد من الزيارات المتبادلة التي نقلت العلاقات لمرحلة جديدة بعد قطيعة وتنافر، فهذه الزيارة تعبر عن تحرك قوى سياسية شعبية عديدة باتجاه تعزيز التواصل مع المحيط العربي المتوتر.

 


اولا ينبغي القول أن هذه الزيارة تعكس المبدا العام في السياسة بأنه لا توجد هناك صداقة دائمة ولا عدادة دائمة في العلاقات السياسية، وإنما اقتراب المصالح المشتركة وادراكها هو الدليل الأكثر واقعية في الحياة السياسية. وبالتالي فان الخلافات والنزاعات السياسية قابلة للطي والنسيان في حال شعر الجميع بأهمية التقارب والمصالحة، والذين يراهنون على عكس ذلك ويعتقدون أن مثل هذه الخلافات – وإن بدت كبيرة وعميقة – ستظل أبد الدهر يقعون في هذا المطب الخطير. ومثل ذلك أيضا عدم التفريق بين الخصم والعدو في النزاعات، مما يؤدي إلى تغييب الأولويات وتضييع الفرص.


البعد الثاني أن الخلط الذي حدث بسبب مذهبة السياسة هو ما جعل العلاقات بين البلدين تبدو أكثر تعقيدا، فقد عملت جماعات متشددة من الطرفين فكريا وسياسيا على إبراز الخلاف السياسي على أنه صراع مذهبي وتسويق الصراع السياسي في العراق على أساس مذهبي وهو ما ثبت خلافه، فحتى بين القوى السياسية داخل المذهب الواحد توجد هناك خلافات حادة. كما أن النظر لكل دولة على أنها تمثل مذهبا معينا يغيب فرص التلاقي والبحث عن المصالح المشتركة وتدفع بالعلاقات لمزيد من التخندق بالتاريخ والايدلوجيات المغلقة.


هناك العديد من المشتركات بين البلدين، وتبدل مراكز القوى السياسية في أي منها قد يخلق فرصا جديدة بمقدار ما يقابلها من تحديات، ومن المؤكد أن التواصل وتوطيد العلاقة مع مختلف القوى الصاعدة يفتح المجال أمام توظيف أفضل للفرص المتاحة، بينما القطيعة والغياب الكامل – تحت أي مبرر كان - يضيع أي فرصة محتملة على الطرفين. الحالة الطبيعية هي في استمرار العلاقة قائمة بمستويات واتجاهات مختلفة، ومنفتحة على مختلف المكونات والشرائح، ومتفاعلة مع التطورات القائمة، ومساهمة في تحقيق الاستقرار السياسي بما يحقق المزيد من التنسيق والتعاون لمصلحة الطرفين.

 

التجديد العربي