شهدت الساحة اللبنانية أحداثاً سياسية وأعمالاً عسكرية، أظهرت واقعَ الإنقسام بين اللبنانيين. فلم يكد مجلسُ النواب يقرّ مشروعَ سلسلة الرتب والرواتب، حتى بدأت معركةُ سلسلة جبال لبنان الشرقية، في جرود عرسال، بقيادة «حزب الله» ضدّ جماعات «النصرة» المتمركزة على الحدود اللبنانية - السورية.
 

أُقرّت السلسلة في مجلس النواب، بعد سنوات من النقاشات والتظاهرات والإضرابات، فشكلت حالة إنقسام عند مَن رحّب بها، كالموظفين في القطاع العام ومعلّمي القطاع الخاص، والقوى العسكرية.

وعند مَن عارض إقرارها، كالهيئات الإقتصادية التي تعتبر أنّ إنعكاساتها ستكون كارثيةً على القطاع الإقتصادي ككلّ، وموظفي القطاع الخاص والمهن الحرة.

وسط الحالة الإنقسامية التي أظهرها إقرار السلسلة، برزت حالة إنقسامية أخرى سبّبتها معارك السلسلة الشرقية. وتمثّلت في خوض «حزب الله» معركة تطهير الجرود من الجماعات الإرهابية. هذا ما كرّس عمق الهوة بين اللبنانيين، خصوصاً أنّ المعركة أظهرت وجودَ مشروعَين متعارضَين في الداخل اللبناني، لا بل متصارعَين إقليمياً.

مهما يكن من أمر السلسلة إقتصادياً، إلّا أنّ لقراءتها السياسية أهمية، يمكن البناء عليها. ففي جلسات مناقشة السلسلة في مجلس النواب، صعد الكلام الحاد والمتشنّج، حيث تخطّى فيه النقاش العام حول السلسلة، ليطاول العلاقة المتوترة بين الأفرقاء السياسيين داخل الحكومة نفسها.

لذا، فإنّ الصراع الذي أخذ طابع الحدّية بين تكتل «التغيير والإصلاح» وكتلة «التنمية والتحرير» حول كلمة «مزحة» في مجلس النواب أثناء المناقشات الأخيرة، لم يكن أبداً مزحةً بقدر ما هو خلاف عميق بين «التكتل» وكتلة «التنمية والتحرير».

إنّ خلاف «التيار الوطني الحرّ» وحركة «أمل»، مردّه إلى الإختلاف في الرؤية السياسية بين حليف «حزب الله» وحليف الحليف. فرغم أنّ بعض المصادر المقرّبة من الرئيس نبيه بري يؤكّد عمق التفاهم والتنسيق بين بعبدا وعين التينة، إلّا أنّ الواقع يعكس خلاف هذا، لا سيما في ما يتعلّق بالرؤية الإستراتيجية لمفهوم بناء الوطن، وفي إدارة الأزمات، كقضية المياومين، والكهرباء وغيرها.

ورأت مصادر مراقبة، أنّ ما حصل يكشف النوايا الخلافية بين السياسيين. الأمر الذي تُظهره طريقة معالجة الملفات والقضايا الوطنية، حيث تصل أحياناً إلى وضع العراقيل لإيقاف المشاريع.

إنّ دخول «حزب الله» في معركة جرود عرسال، كسَر حالة التناغم والتعايش بين الحزب وتيار «المستقبل»، والتي فرضها ترشيحُ العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، ووصول الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة مجلس الوزراء. فالإنقسام العامودي بينهما، بدأ مع جدال حول موضوع عرسال، لينتهي بربط الإثنين بسياسات المحاور الإقليمية المتصارعة.

فالأول، ينتمي إلى فريق له امتداد إقليمي يحارب في أكثر من منطقة دفاعاً عن مشروعه في المنطقة، بقيادة إيران. بينما الثاني، ينتمي إلى فريق له رؤية مختلفة تماماً، تنطلق من السياسية العربية بزعامة السعودية، التي تقود أكثر من مواجهة في المنطقة تحت عنوان محاربة المدّ الإيراني.

مهما يكن من وجود الهوّة التي تفصل بين الأفرقاء اللبنانيين، ورغم الحالة الإنقسامية التي تساعد في توتير البلد، إلّا أنّ القوى السياسية تتّفق على موضوع واحد، هو استغلال الخلاف بين اللبنانيين لزيادة قدرتها التجييرية في الانتخابات النيابية المقبلة، فقد وجدت في موضوع السلسلتين، فرصةً لشدّ عصب قواعدها الشعبية، في ظلّ معركة إنتخابية بدأ الجميع يتحضّر لها.

أخيراً، يبدو أنّ لبنان لن يستطيع التفلّت من الصراعات الإقليمية التي تحيط به، رغم سياسات النأي بالنفس التي اعتمدتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

وإنّ الحالة الإنقسامية ستزيد في الهوّة مع اختلاف الرؤية الإستراتيجية للقوى السياسية حول أيّ لبنان تريد، وطالما أنّ معالجة القضايا الوطنية تقوم على أساس شدّ العصب الإنتخابي عند القاعدة الشعبية لكلّ فريق سياسي.