إستطاع إيمانويل ماكرون الوصول إلى قصر «الإليزيه»، بفوزه الأحد 7 أيار 2017، على منافسته مارين لوبان في الإنتخابات الرئاسية الفرنسية حاصلاً على نسبة 65 في المئة من إجمالي أصوات الناخبين الفرنسيين.
 

أطلق الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون في برنامجه كثيراً من المواقف الدولية، التي شكّلت عنده العمود الفقري لسياساته الخارجية، ولتحالفاته المتوقّع عقدها مع الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.

كما أنه لم يتردّد في إعلان العداء للسياسة الروسية، من خلال التشديد في فرض العقوبات عليها. وبالنسبة إلى سوريا، أتت مواقفه رافضة لبقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم، ودعا إلى محاسبته أمام محكمة العدل الدولية.

عناوينه الكثيرة التي حملها الرئيس الفرنسي في برنامجه الإنتخابي، ستصطدم بعوائق خارجية. إذ لن تسمح له بالتحرّك خارج حدود فرنسا. فعالمنا اليوم يشهد تحوّلات وتدخلات دولية ضمن معركة إثبات الوجود التي ترسم حتماً حدوداً للطامحين في اللعب دولياً.

أما أبرز هذه العوائق التي تقف في وجه طموحات ماكرون، فنجد:

- السياسة الأميركية التي باتت تحمل أكثر من سؤال، خصوصاً بعد التصاريح التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في احتفالية مرور الـ100 يوم الأولى من حكمه، مبشّراً بأنّ المعارك الكبرى آتية، ما سيضع الشريك الفرنسي في موقع التبعية للسياسات الأميركية، ليس أكثر.

- التهديدات الجدّية لكوريا الشمالية التي أتت على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع الكورية الشمالية مون سانغ كيون، بأنّ «بلاده على استعداد تام للردّ على أيّ خيار تتخذه الدول الغربية». وتابع أنّ «بيونغ يانغ ستُواصل زيادة قدراتها على صعيد الضربات النووية الإستباقية». الأمر الذي سيُحاصر المشروع الفرنسي دولياً ويضعه في موقع التحضير لمجابهة هذه التهديدات.

- الموقف الفرنسي تجاه سوريا والمطالبة بمحاسبة الأسد، على ما يبدو موقفاً ضعيفاً لأنّ أزمة الشرق الأوسط عموماً، وسوريا تحديداً، لا تعطي لفرنسا أيّ دور رئيسي فيها. فبوجود لاعبين إقليميين فاعلين، كالدعم الإيراني المطلق للنظام، ودوره في المنطقة والتدخّل العسكري التركي في العراق وسوريا، لن يسمحا بأيّ دور عسكري، ولا حتّى سياسي تستطيع من خلاله فرنسا إثبات وجودها في الشرق الأوسط.

- المشروع الروسي في الشرق وفي أوروبا، إضافة إلى دعمه لكوريا الشمالية، في تجاربها الصاروخية، واعتبار إيران شريكاً إستراتيجياً في المنطقة، ومحاولته فرض نظام عالمي جديد عبر التوسّع دولياً.

هذا المشروع لن يعطي الفرصة لفرنسا لكي تكون عقبة في وجه تمدّد نفوذه، لذلك لن يستطيع الرئيس الفرنسي من أن يكون لا وسطياً ولا خصماً شرساً، ولا حتّى قادراً على تسجيل حالة استثنائية على الساحة الدولية، كما فعل في الإنتخابات الفرنسية.

إنّ فرنسا بعد عدوانها على مصر عام 1956، خرجت من المنطقة لا بل من الشؤون الدولية ككلّ. ولم يعد دورها يقتصر إلّا على التبعية للسياسة الأميركية، التي أخذتها حليفاً لها في كل الأزمات. لذلك لن يستطع ماكرون فعل المعجزات، ولا التأثير في مجريات الأحداث الدولية. كما أنّ حدود تدخّله لن يتعدّى الحدود الفرنسية على رغم طموحاته الشابة التي ستُصدم بحواجز دولية.

أخيراً، بات على الفرنسي إدراك أنّ القدرات الفرنسية غير مؤهّلة لتجعل من بلاده دولة مؤثّرة دولياً، خصوصاً بعد عهد الرئيس فرنسوا هولاند الذي أضعف هذا الدور، مساعداً بطريقة غير مباشرة بعبور الإرهاب إلى أراضيه، فوضع بلاده في موقف مدافع عن ذاته في وجه التمدّد الإرهابي في بلاده.

فجلّ ما سيفعله ماكرون هو تحويل الإقتصاد الفرنسي إلى نيوليبرالي. أمّا خارجياً، فسيكمل ما سبقه اليه هولاند من سياسات مع بعض التعديلات الخجولة.