معارك عرسال وبواخر الكهرباء يغرقان لبنان في أزمة جديدة

 

المستقبل :

مستهلاً نشاطه الرسمي في العاصمة الأميركية عشية اجتماعه المرتقب اليوم في البيت الأبيض مع الرئيس دونالد ترامب، كانت لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري سلسلة لقاءات أمس بين مبنى الكابيتول ومقرّ البنك الدولي حمل فيها أعباء التحديات المتعاظمة على كاهل الوطن، أمنياً واقتصادياً، لا سيما في ضوء تداعي البنى اللبنانية التحتية والاجتماعية تحت ثقل استضافة مليون ونصف مليون نازح سوري. وخلال محادثاته في واشنطن، برز تشديد الحريري سواءً في مجلس الشيوخ كما في البنك الدولي على همّ «المحافظة على لبنان» بوصفه هماً مركزياً وحيداً تتمحور حوله كل الجهود السياسية التي يبذلها داخلياً وخارجياً.

فخلال اجتماعه بمدير شؤون الموظفين في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي كريس بروز ومدير سياسة اللجنة الذي عيّن أخيراً نائباً لرئيس القوات المسلحة ماثيو دونافان وعدد من المسؤولين، بحضور الوفد اللبناني المرافق، شدد رئيس مجلس الوزراء على أنّ «لبنان يشهد الكثير من التحديات إلا أنه ينعم بالاستقرار على الرغم من كل ما تشهده المنطقة من حروب وهو لا يزال نموذجاً للاعتدال في المنطقة يجب المحافظة

عليه وتعميمه للحفاظ على الأقليات في المنطقة كلها خصوصاً أنّ الدستور اللبناني يكفل هذه الحقوق». في حين أكد في الكلمة التي ألقاها لاحقاً خلال لقائه فريق العمل اللبناني في البنك وصندوق النقد الدوليين أهمية التوافق الحاصل في لبنان للمحافظة عليه وقال: «همي الوحيد هو كيفية المحافظة على لبنان وأن نبذل كل ما في وسعنا لنتمكن من النهوض بالبلد وتثبيت الاستقرار والنهوض بالاقتصاد، وهذا يُشكل اليوم أساساً لما أتيت للتحدث به في البنك الدولي لأننا في لبنان نعرف أنّ لدينا شراكة في مكان ما مع البنك تعود إلى عشرات السنين خلت، ونسعى إلى تطويرها لكي نتمكن من النهوض بالاقتصاد اللبناني خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها، أكان في ما يتعلق بالنمو في لبنان أو العجز الذي يعاني منه في ظل وجود مليون ونصف مليون نازح سوري»، مضيفاً رداً على أسئلة الحضور: «هناك أمور سياسية قررنا أن نختلف حولها ولا يمكن أن نتفق عليها كموضوع إيران أو سوريا، هم مع ونحن ضد، ولكننا انفقنا على أنّ هذا الاختلاف لن يعطل العمل الحكومي (...) اليوم الجميع واعٍ لحجم التحديات التي نواجهها والجميع جاهز لتقديم التنازلات لأنهم مقتنعون بأنها السبيل الوحيد للمضي قدماً للنهوض بالبلد، فالوضع في لبنان صعب ولكنه ليس مستحيلاً».

وكان رئيس مجلس الوزراء قد عقد فور زيارته مقر البنك الدولي لقاء عمل مع المديرة التنفيذية للبنك كريستالينا جبور جيفا في حضور الوفد اللبناني المرافق وعدد من كبار المسؤولين في البنك الدولي.

 

الديار :

وفي اليوم الرابع «انجزت المهمة» ورفعت صور شهداء الجيش «المذبوحين» فوق مراكز قيادة الارهابيين... هكذا «باعجاز» عسكري تم تحرير جرود عرسال بفترة قياسية، «جبهة النصرة» «سحقت» ولم يعد لـ«شذاذ الافاق» بعد تنظيف 90 بالمئة من تلك المساحة الجغرافية الصعبة والمعقدة اي وجود او دور، اما العشرة بالمئة المتبقية فهي ستخضع في الساعات القليلة المقبلة «للضغط» و«التفاوض» على وقع الهزيمة المدوية، والانجاز الذي حققه «رجال المقاومة» في الميدان... وشروط اي «تسوية» مرتقبة لمن تبقى من هؤلاء اصبحت مختلفة للغاية، ومن تبرع للوساطة سمع كلاما حاسما برفض اي مناورة او محاولات لـ«كسب»الوقت، وكان بيان قيادة عمليات المقاومة واضحا عندما اكد ان المعركة مع «جبهة النصرة» اصبحت على مشارف نهايتها، داعية جميع المسلحين في ما تبقى من جرود عرسال الى ان يحقنوا دماءهم بإلقائهم السلاح وتسليم انفسهم مع ضمان سلامتهم... وبانتظار ما ستحمله التطورات المتسارعة، بدأت الاسئلة تتلاحق حول المعركة مع «داعش»، فيما تتكشف فصول جديدة من التكتيكات العسكرية التي استخدمت في هذه المواجهة وادت الى هذا الانتصار الخاطف. 
بعد سيطرة المقاومة على وادي الخيل اكبر معاقل «جبهة النصرة» في جرود عرسال صباحا، سجلت حالات فرار وانسحابات واسعة في صفوف الارهابيين بواسطة دراجات نارية باتجاه خطوط التماس مع «داعش» في شرق جرد عرسال، ومجموعات أخرى انسحبت باتجاه وادي حميد والملاهي حيث مخيمات النازحين حيث يتواجد هناك قرابة 4000 الاف نازح، ونحو 200 مسلح من «سرايا الشام» الذين انسحبوا قبل يومين من المواجهة في الجرود، وهذا يفرض بحسب اوساط ميدانية مطلعة، معادلة جديدة في ادارة العمليات على الارض، وهو ما ستتضح معالمه خلال الساعات القليلة المقبلة، ربطا بردود فعل المسلحين على «عرض» المقاومة، ومن المفترض ان تلعب سرايا «اهل الشام» دورا فاعلا في هذا السياق، بعد ان وافقت في وقت سابق على التفاوض، فهل تقنع من تبقى من «النصرة» بالرضوخ للامر الواقع؟
 

 

 كيف تم «سحق» «النصرة»؟


في اليوم الرابع وجه مقاتلو حزب الله التحية الى شهداء المؤسسة العسكرية وقاموا بتعليق صور الشهداء الذين ذبحهم ارهابيو النصرة (علي السيد - محمد حمية - علي البزال - عباس مدلج) على مركز قيادة «النصرة» في وادي الخيل كما رفعوا لافتة مشابهة على مدخل غرفة عمليات النصرة في جرود عرسال في مرتفع حقاب الخيل حيث أدار منها ابو مالك التلي عملياته حتى بداية معارك الجرود وتقدم مجاهدي المقاومة اليها حيث انسحب التلي منها، هذا الانسحاب والتقهقر لم يكن وليد «الصدفة» وانما من خلال استخدام المقاومة «تكتيكات» عسكرية، كشفت عنها مصادر مطلعة على مجريات الميدان والتي جزمت بادئ ذي بدء، بأن من يدير غرفة العمليات لدى المقاومة هو مزيج من الجيل الجديد، وجيل «المخضرمين»، حيث ظهرت جليا «بصمات» من خاض التجربة الميدانية ابان الاحتلال الاسرائيلي للجنوب والبقاع الغربي، فتجربة تسلق الجبال، واقتحام المواقع الاسرائيلية، حضرت بشكل واضح، وكانت لمسات «الجيل القديم» واضحة للعيان. 
وتلفت تلك الاوساط الى ان مقاتلي الحزب خاضوا المواجهة بقدر عال من الانضباط الميداني، ولم يتم تعديل الخطط العملانية خلال سير المواجهات، ولم يضطر القادة الميدانيون الى استخدام الخطتين «باء» و«جيم» اللتين وضعتا قبيل انطلاق العملية لمواجهة اي تعثر في «الخطة الف». اما التخبط لدى المسلحين في الساعات الاولى للهجوم، فكان سببه نجاح المقاومة في ضرب مراكز «القيادة والسيطرة»، و«التشويش» على موجات اتصالاتهم اللاسلكية، وبعد ذلك تم قطع  طرق الامداد، وبات المسلحون غير قادرين على تأمين المستلزمات اللوجستية للمواجهة ما افقد «ابو مالك التلي» ومعه القيادات العسكرية القدرة على التواصل مع مواقع مسلحيهم المنتشرين على خطوط الجبهة، ففضل الكثير منهم اخلاء مواقعه ما سبب حالة من الفوضى و«الشك» لدى الكثير منهم بجدوى مواصلة القتال... فيما خاض اخرون قتالا شرسا ويائسا... وبحسب احصاءات اولية يتجاوز عدد قتلى «النصرة» الـ130 مقاتلا.
 

 «التكتيكات العسكرية»  


وفي هذا السياق استخدم حزب الله ثلاثة تكتيكات عملانية سمحت له بتحقيق هذا الانتصار السريع، ووفقا لتلك الاوساط يحتاج هذا الدمج الى خبرة كبيرة لا تتوافر الا لدى القوات الخاصة في جيوش الدول المتقدمة... التكيتك الاول هو المباغتة قبل التمهيد الناري، وهذا حصل في الساعات الاولى من المعركة حين فوجئت المجموعات الارهابية بمقاتلي حزب الله على «السواتر» والتحصينات الرئيسية لمواقعهم، بعد ان نجحوا في التسلل ليلا والوصول فجرا الى تخوم تلك المواقع، حينها فقد المسلحون المبادرة وسقطت خطوط الدفاع الاولى كحجارة «الدومينو»...
 التكتيك الثاني، القيام بعمليات هجومية بالتزامن مع التمهيد الناري، اي التغطية النارية بالتزامن مع تقدم المشاة، وهذا التكتيك يحتاج الى دقة متناهية في تحديد الاحداثيات والتنسيق الميداني العالي المستوى التي تقوم به غرفة العمليات في الربط بين سلاح المدفعية وقادة المجموعات على الارض، «الخطأ» في هذا السياق يكون مميتا وكارثيا... وهنا ايضا فوجئت المجموعات المسلحة، بوصول طلائع القوات المهاجمة على الرغم من استمرار التغطية النارية، ففي الوقت الذي كانت تحتمي فيه من القصف الشديد كانت «القوات الخاصة» قد وصلت الى مسافة قريبة من مواقعها.
اما التكتيك الثالث، فكان عملية «الالهاء والايهام»، وتشرح تلك الاوساط هذا التكتيك بالاشارة الى ان هذا التكتيك العسكري بدأ تنفيذه قبل ساعات قليلة من بدء العملية العسكرية، من خلال حشد قوة «وهمية» كانت مهمتها الهاء المجموعات المسلحة وايهامها بأن الهجوم سيبدأ من «نقطة» معينة تشكل بطبيعتها الجغرافية مكانا طبيعيا ومنطقيا لبدء الهجوم، لكن ما حصل ان هذه الجبهة لم تتحرك وكانت التحضيرات تجري بهدوء في مكان آخر... وتم الاطباق من ثلاثة محاور.
 

 النجاح الامني  


وتلفت تلك الاوساط، الى ان العامل الاكثر تأثيرا في كل ما تقدم من خطط وتكتيكات عسكرية كانت «المعلومة الامنية»، وقد اتضح من خلال النقاط المستهدفة في الساعات الاولى لانطلاق العمليات ان حزب الله يملك «بنكا» دقيقا من الاهداف، حصل عليها بفعل عمليات رصد الكترونية، وتقنيات حديثة، واستخدام فاعل لطائرات من دون طيار، اضافة الى استعلام بشري كان حاسما في رصد حركة المسلحين ومواقع انتشارهم، ومراكز القيادة، ومخازن الاسلحة التي دمر قسم لا يستهان منه جراء استهداف تلك المخازن بصواريخ دقيقة ذات قدرات تدميرية عالية. 
 

 المواجهة مع «داعش»


ووفقا للمعلومات الميدانية، فان التحضيرات العملانية لمعركة تحرير الجرود الواقعة تحت سيطرة «داعش» بدأت، وانتقل العمل الى وضع اللمسات الاخيرة على الخطط العسكرية، المعدة سلفا، مع لحظ تعديلات عليها بالاستفادة من الحسم السريع الذي انجز في المواجهة مع «جبهة النصرة»، طبعا تتكتم الاوساط المعنية عن الموعد المحدد لانطلاق العمليات، لكنها اكدت ان مفاجآت كثيرة تنتظر المجموعات المسلحة في تلك الجرود، وستتحدث المعركة عن نفسها حين تبدأ، لكن الثابتة الوحيدة التي يمكن التأكيد عليها الان، ان السيد نصرالله وعد بتحرير كامل الجرود وهو عندما يعد يفي بوعده... «وغدا لناظره قريب». 
 

 دور الجيش


لكن مسألة تحرير الجرود الواقعة تحت سيطرة تنظيم «داعش» الارهابي لا ترتبط فقط بانتهاء الاستعدادات اللوجستية لمقاتلي حزب الله، بل ترتبط ايضا بمسائل اخرى لها ابعاد غير محلية، فواقع انتشار مواقع الجيش اللبناني على طول الجبهة المقابلة لمواقع التنظيم تجعل دوره في المعارك المقبلة امرا حتميا، لكن تبقى الاعتراضات الاميركية الصريحة على عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في معركة مشتركة مع حزب الله والجيش السوري، وهنا لا بد من التساؤل هل يكتفي الجيش بأداء دور دفاعي «تكتيكي» كما حصل في المواجهة مع «جبهة النصرة»؟ ام تتحرر القيادة السياسية، وخصوصا رئيس الحكومة سعد الحريري الموجود في واشنطن من «الضغوط» الاميركية ويشارك الجيش في خطة هجومية باتت كامل التحضيرات لها منجزة؟
 

 عون


وفي سياق متصل، اعاد رئيس الجمهورية ميشال عون التأكيد على الغطاء السياسي الكامل الممنوح لعملية تحرير الجرود، وهو ترأس اجتماعاً امنياً في بعبدا، للاطلاع على آخر تطورات المعارك ضدّ الارهاب، حيث شرح له قائد الجيش العماد جوزيف عون على الخرائط طبيعة سير المواجهات، وقد أكدَ رئيس الجمهورية أن النتيجة ستكون ايجابية وستُعيد الامن والاستقرار الى الحدود...
 

 الحريري - السنيورة


وفي هذه الاثناء يتحضر رئيس الحكومة سعد الحريري للقاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب اليوم في واشنطن، حيث يفرض حزب الله نفسه «ضيفا ثقيلا» على المحادثات خاصة بعد حسم  المعركة في عرسال، ويحضر ايضا على جدول اعمال الاجتماع المساعدات للجيش اللبناني، والعقوبات المالية المرتقبة... ومن بيروت يواكب الرئيس فؤاد السنيورة الزيارة الاميركية ببيانات ادانة لحزب الله، «يتبرأ» من خلالها من العمليات العسكرية في الجرود، وهو بحسب اوساط سياسية مطلعة على اجواء «المستقبل» يعيش هاجس الاجماع الوطني غير المسبوق وراء ما تقوم به المقاومة في جرود عرسال، ويخشى من تداعياته على الواقع السياسي الداخلي.

 

 

الجمهورية :

يكاد المشهد الداخلي لا يتّسع لسلسلة التطورات التي تتسارع على غير صعيد. في الميدان، تبدو المعركة التي يشنّها «حزب الله» على إرهابيي «جبهة النصرة» في جرود عرسال، قد وصَلت إلى خواتيمها، ومن ثمّ الانتقال إلى المرحلة الثانية بالتوجّه نحو مجموعات «داعش». وفي السياسة، بدأ رئيس الحكومة سعد الحريري محادثاته في واشنطن تمهيداً للقائه اليوم بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. وأمّا في الاقتصاد والمال فدخَل قانون سلسلة الرتب والرواتب المحطة ما قبل الأخيرة قبل النفاذ، والكلمة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إمّا أن ينشر القانون أو يردّه إلى المجلس النيابي لإعادة النظر فيه. وعلى حافة الملف المالي ثمَّة أزمة مرشّحة لأن تكهربَ الحكومة بعدما غرقت بواخر الكهرباء نهائياً، وفق ما تأكَّد من تقرير إدارة المناقصات حول صفقة البواخر، وجاءت نتيجة التقرير مناقضةً لِما يريد أصحاب الصفقة.

في الميدان، واضحٌ تقهقُر جبهة «النصرة» هجوم «حزب الله» لتحرير المنطقة التي يحتلها الارهابيون في الجرود، والمسألة باتت مسألة وقت قصير جداً، للقضاء عليهم. ودلَّ على ذلك بيان «غرفة عمليات المقاومة» الذي أكّد أنّ المعركة مع «النصرة» قد اصبحت على مشارف نهايتها، ودعا الارهابيين في ما تبَقّى من جرود عرسال إلى إلقاء السلاح، «فإنْ أراد من تبَقّى منهم حقنَ دمِه فليُلقِ سلاحه وليُسلّم نفسَه نضمن سلامته».

وبحسب مصادر ميدانية، فإنّ حالات فرار واسعة من صفوف «النصرة» تمّ رصدها اعتباراً من بعد ظهر أمس، حيث استخدم الارهابيون الهاربون درّاجات نارية توجّهوا بها نحو خطوط التماس مع «داعش» في شرق جرد عرسال، فيما فرّت مجموعات اخرى في اتجاه وادي حميد والملاهي حيث مخيمات النازحين قرب عرسال.

وبدا ذلك نتيجةً واضحة لتقدّمِ هجوم «حزب الله» في المنطقة والذي تصاعدت وتيرته في يومه الرابع أمس، حيث حرّر الحزب ما يزيد عن ثلثَي المساحة التي تسيطر عليها «النصرة».

وبحسب الاعلام الحربي، فإنّ مقاتلي الحزب شنّوا هجوماً واسعاً من عدة جهات باتجاه وادي الخيل وحصن الخربة. وسيطروا على كامل وادي المعيصرة وعلى مرتفع قلعة الحصن الذي يشرف بشكل مباشر على مثلّث معبر الزمراني، وعلى وادي الخيل أكبرِ معاقل «النصرة» في جرود عرسال. وكان الحزب قد سيطر على مواقع «النصرة» في وادي معروف - وادي كحيل - وادي زعرور - وادي الدم - وادي الدقايق في جرود عرسال.

ورَفع المقاتلون الرايات تحيةً إلى شهداء المؤسسة العسكرية، وحُملت صورُ الشهداء الذين ذبحتهم «النصرة»: علي السيّد - محمد حميّة - علي البزّال - عبّاس مدلج. كما رَفع مقاتلو الحزب لافتةً مشابهة على مدخل غرفة عمليات «النصرة» في جرود عرسال في مرتفع حقاب الخيل، حيث أدارَ منها أبو مالك التلّي عملياته حتى بداية معارك الجرود.

وقال قياديّ كبير في «حزب الله» لـ«الجمهورية»: «نستطيع ان نقول إنّ الحسم قد تمّ، والتحضيراتُ لجولاتٍ لوسائل الإعلام في المنطقة المحرّرة ستبدأ اعتباراً من اليوم، لكن مع هذا الحسم فإنّ المعركة لا تنتهي هنا، بل ستُستكمل قريباً جداً في الجانب الآخر من الجرود، أي الذي يحتلّه إرهابيّو «داعش» الذين باتوا أمام واحد من ثلاثة خيارات: إمّا أن يستسلموا أو يهربوا أو يُقتلوا، نحن ماضون في تحرير المنطقة وتنظيفها من أيّ أثر للارهابيين».

وإذ تكتَّم القيادي على موعد إطلاق الهجوم في اتجاه المنطقة التي يحتلها «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع، أكّد «أنّ المعركة هنا، أسهلُ من المعركة مع «النصرة» التي لها العدد الاكبر من الارهابيين في الجرود، ومع ذلك تمّ الإطباق عليها في فترة أقلّ ممّا قدّرنا، والإنجازات التي تحقّقت هي أكبر وأكثر ممّا قدّرنا أيضاً. مع انّ عناصر الحزب الذين يقاتلون «النصرة» ليسوا من قوات النخبة، بل هم من قوات التعبئة».

وأضاف القيادي: «لا نستغرب صراخ بعض الاصوات، ومحاولاتها تشويه العملية العسكرية، فهذا لا يعنينا. ما يَعنينا هو انّ هذه المنطقة محتلة، ونعمل على تحريرها من «النصرة» و»داعش»، هنا ينتهي دورنا، وسيتمّ تسليمها بالكامل الى الجيش اللبناني».

إجتماع أمني

وقد حضرَت التطورات الامنية في اجتماع أمني ترَأسه رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، في حضور قائد الجيش العماد جوزف عون، الذي قدّم شرحاً مفصّلاً للواقع العسكري الراهن والإجراءات التي اتّخَذها الجيش لحماية الحدود ومنعِ تسللِ الإرهابيين منها وتأمين سلامة المواطنين اللبنانيين والنازحين السوريين. ونوَّه رئيس الجمهورية بالجيش، مؤكّداً أنّ «نتائج التطورات الميدانية الأخيرة ستكون إيجابية وستعيد الأمن والاستقرار إلى الحدود».

وسبقَ الاجتماع صدورُ تقرير اللجنة الطبّية التي كشَفت على جثث السوريين الأربعة الذين أُلقيَ القبض عليهم في منطقة عرسال خلال العملية التي حصلت في 30 حزيران الماضي، وتبيّنَ أنّ وفاتهم ليست ناتجة عن أعمال عنف بل عن مشاكل صحّية مختلفة لكلّ منهم».

برّي

إلى ذلك، أعرَب رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن تقديره الكبير لِما يقوم به المقاومون في جرود عرسال، وكذلك ما يقوم به الجيش اللبناني، ولا سيّما في حماية الحدود ومنعِ تسللِ الارهابيين الى الداخل اللبناني.

وقال بري امام زوّاره: «جرود عرسال منطقة لبنانية محتلة، ومن واجبنا ان نحرّرها، وما تقوم به المقاومة هناك من حرب على الارهابيين، تقوم به نيابةً عن كلّ لبنان وعن كلّ اللبنانيين من دون استثناء، تماماً كما كان قتالنا لإسرائيل في الجنوب يعبّر عن كلّ لبنان واللبنانيين».

وأكّد بري «أننا اليوم في وقتٍ تُعبّر فيه الثلاثية الماسية الجيش والشعب والمقاومة عن نفسها في أعلى تعبير، اليوم كما دائماً، الشعب يقف خلف الجيش والمقاومة.

وهناك صورة مشرقة تجلّت في مبادرة أبناء دير الأحمر إلى التبرّع بالدم، هذا ليس غريباً على إخواننا المسيحيين، هم يقومون بمثلِ ما قاموا به خلال عدوان 2006 حينما فتحوا الكنائس والاديرة لاستقبال إخوانهم. إنّ الشعب اللبناني يعرف أين هو الصحّ، وما هو الصحّ، وهذا الذي يقوم به اليوم هو الصحّ بعينِه».

قانون «السلسلة»

على صعيد آخر، وقَّع بري أمس، مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب، ومشروع قانون الموارد اللذين أقرّهما المجلس في جلسته العامة يومَي الثلثاء والاربعاء الماضيَين. وقد أحيلَ القانونان فوراً إلى مجلس الوزراء، على طريق إحالتهما إلى رئيس الجمهورية للنشر.

وفيما أثيرَت بَلبلة نهار أمس، حول ما يمكن أن يُقدِم عليه رئيس الجمهورية، سواء لنشرِ القانونين أو ردِّهما، أو نشرِ أحدِهما وردّ الآخر، قال مواكبون لهذا الموضوع لـ«الجمهورية»:» مِن المبكر الحديث عمّا سيتّخذه رئيس الجمهورية من موقف تجاه قانون السلسلة.

فالقانون لم يصل بعد الى قصر بعبدا، وأمام رئيس الجمهورية مهلة شهر للنظر في مضمونه وإخضاعه للبحث مادةً مادة، وخصوصاً تلك التي تتناول فَرض المزيدِ من الضرائب والرسوم لتوفير موارد السلسلة المالية قبل اتّخاذ القرار المناسب بشأنها».

الحريري

مِن جهة ثانية، باشرَ الحريري أمس لقاءاته في واشنطن بزيارة مبنى الكابيتول ومقرّ البنك الدولي.

وقالت مصادر الوفد اللبناني لـ«الجمهورية» إنّ الحريري «يحمل الى العاصمة الاميركية ثلاثة ملفات: الاستقرار السياسي والاقتصادي، ومواجهة أعباء النزوح السوري، وتجنيب لبنان تداعيات فرضِ العقوبات على جهات لبنانية.

وكشفَت المصادر أنّ الحريري سيعرض على المسؤولين الاميركيين خطة استثمار رأسمالي أعدّها فريق عمل من خبراء واقتصاديين سيطلب على أساسها دعمَ واشنطن وضغطها على المجتمع الدولي لمساعدة لبنان وتحمّل المسؤولية تجاهه في إيوائه هذا العددَ الهائلَ من النازحين، لأنّ البديل هو الفوضى التي تشكّل خطراً على انفلاش الأزمة وعبور النازحين نحو بلدان أخرى».

وأكّدت المصادر أنّ الحريري «سيركّز في محادثاته على دعم الجيش والأجهزة الامنية، لأنّ لبنان يستثمر في الأمن بشكل غير مسبوق. كذلك سيُبلغ المسؤولين في عاصمة القرار التزامَ بلاده تطبيقَ العقوبات مع ضرورة التنبُّه لئلّا تطبّق بطريقة تؤثّر على الاستقرار المالي والسياسي».

طارت صفقة البواخر

على صعيد آخر، وفي تطوّر لافِت، أبحرَت مناقصة بواخر الكهرباء بعيداً، وربّما إلى اللا رجعة، بعدما انتهت إدارة المناقصات من إعداد تقريرها عن استدراج العروض المالية المتعلقة باستقدام توليد الكهرباء العائمة (البواخر)، وانتهت فيه الى عدم جواز أو قانونية فضِّ العروض، بسبب وجود عارضٍ وحيد أو بالأحرى شركة واحدة، وهي الشركة التركية (karpowership).

علماً أنّه، قانوناً، تنتفي المنافسة مع وجود عارض واحد، ولا يعود هناك مبرّر لفتحِ العرض المالي الوحيد، بحسب مصادر متابعة لعمل إدارة المناقصات، التي أشارت الى ثغرات سَجّلها تقريرُها المحالُ إلى وزير الطاقة والمياه سيزار ابي خليل، ولا سيّما لجهة عدم انطباق ما اتّخِذ من إجراءات لاستدراج عروض البواخر على النظام المالي لمؤسسة كهرباء لبنان، لا على قانون ديوان المحاسبة، ولا على قانون المحاسبة العمومية، ولا على الأسُس المنصوص عليها في نظام المناقصات.

وعلمت «الجمهورية» أنّ إدارة المناقصات أحالت تقريرَها إلى وزير الطاقة الذي بات عليه ان يُعدّ بدوره تقريراً مفصّلاً ويَرفعه الى مجلس الوزراء للبتّ به بأسرع ما يمكن، وفق ما نصَّ عليه قرار المجلس الذي أحال ملفَّ البواخر الى إدارة المناقصات، ما يعني أنّ الكرة باتت في ملعب أبي خليل. فهل سيُعِدّ تقريرَه وفق تقرير إدارة المناقصات، أم سيتريّث؟ علماً أنّ هناك من يتحدّث عن ضغوط ما زالت تمارَس من أجل تمرير هذه الصفقة مهما كلّف الأمر!

 

 

اللواء :

فيما كانت رحى المعارك لا تزال تدور على تلال عرسال وجرودها، مع أن اعلام حزب الله كان يُشدّد على ان المواجهة في يومها الرابع، اوشكت على النهاية، كان الرئيس سعد الحريري من الكابيتول في واشنطن، يعلن ان «لبنان يشهد الكثير من التحديات الا انه ينعم بالاستقرار على الرغم من كل ما تشهده المنطقة من حروب، وهو لا يزال نموذجاً للإعتدال في المنطقة، يجب المحافظة عليه وتعميمه للحفاظ على الأقليات في المنطقة كلها، خاصة وأن الدستور اللبناني يكفل هذه الحقوق.
ومن زاوية ان أبرز التحديات التي تواجه لبنان اليوم: الأمن وأزمة النازحين، واستعداداً لتتويج اللقاءات باستقبال الرئيس دونالد ترامب اليوم للرئيس الحريري والوفد المرافق، استهل الرئيس الحريري اجتماعاته بلقاء مساءً مع مجلس شؤون الموظفين في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي كريس بروز ومدير سياسة اللجنة ماثيو دونافان، بحضور الوزير جبران باسيل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وبعد الظهر، زار مقر البنك الدولي حيث التقى المديرة التنفيذية للبنك كريستالينا جبور جيفا، بحضور الوفد المرافق ثم اجتمع مع فريق العمل اللبناني في البنك وصندوق النقد الدوليين وممثل المجموعة العربية في البنك الدولي ميرزا حسن وممثل المجموعة العربية في صندوق النقد حازم الببلاوي ومدير الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد جهاد أزعور.
وعلمت «اللواء» ان الجانب اللبناني كان يُشدّد خلال لقاءاته في الكابيتول ومقر البنك الدولي على أهمية المساعدة الدولية والأميركية على وجه الخصوص لعودة النازحين السوريين إلى مناطق آمنة داخل سوريا.
وقال موفد «اللواء» إلى واشنطن ان الرئيس الحريري شدّد خلال لقاءاته التمهيدية سواء في الكونغرس أو البنك الدولي على أهمية تحييد لبنان والاستمرار بتسليح الجيش اللبناني، وعلى الأهمية الاستثنائية للمساعدة الاقتصادية، ووصف مصدر شارك في الاجتماعات النتائج الأوّلية بالجيدة.
وفي مستهل اللقاء تحدث حسن مرحباً بالرئيس الحريري في مجموعة البنك الدولي ولقاء زملائنا من الجالية اللبنانية العاملين في البنك وصندوق النقد.
ثم تحدث الرئيس الحريري معبراً عن فخره بالاجتماع، وقال: وجودكم هنا يعزز دور لبنان ويثبت دور اللبنانيين وقدراتهم على الابداع في كل العالم. ان لبنان اليوم وكما تعلمون يعيش معجزة صغيرة وسط منطقة مشتعلة، وقد استطعنا ان نتوصل في لبنان الى نوع من التوافق لكي نحافظ على البلد، خاصة واننا نرى ما يحدث في سوريا والعراق وغيرها من المناطق العربية.
همي الوحيد هو كيفية المحافظة على لبنان وان نبذل كل ما في وسعنا لنتمكن من النهوض بالبلد وتثبيت الاستقرار والنهوض بالاقتصاد، وهذا يشكل اليوم اساسا لما اتيت للتحدث به في البنك الدولي لاننا في لبنان نعرف ان لدينا شراكة في مكان ما مع البنك تعود الى عشرات السنين خلت، ونسعى الى تطويرها لكي نتمكن من النهوض بالاقتصاد اللبناني خاصة في هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها، اكان فيما يتعلق بالنمو في لبنان او العجز الذي يعاني منه في ظل وجود مليون ونصف مليون نازح سوري.
وقال: تعلمون جيدا انه قبل بدء الازمة في سوريا كانت البنى التحتية في لبنان مستهلكة واليوم مع اضافة مليون ونصف نازح سوري فلنتخيل مدى الاهتراء الذي لحق بهذه البنى.الحمد لله ان فخامة الرئيس وانا تمكنا من ان نصل الى حل سياسي في البلد واساس هذا الحل هو حماية لبنان من كل ما يحدث خارجه وتحصين الداخل من خلال طرح المشاريع المتعلقة بالنهوض، وانا فخور برؤيتكم موجودين هنا في هذه المؤسسة العريقة التي لطالما ساعدت لبنان.
وردا على اسئلة الحضور قال الرئيس الحريري ان هامش الاستثمار في البلد واسع جدا على الرغم من التحديات الكبرى التي نواجهها فقانون الانتخابات الذي اقريناه مؤخرا كان من اصعب الامور التي من الممكن ان تمر ، وقد استغرق اكثر من سبع سنوات من النقاش ولم يقر، ولكننا تمكنا خلال اشهر عدة من اقراره لان هناك توافقا وجوا ايجابيا. جميعنا يعمل على تدوير الزوايا في كل المواضيع ويجب القيام بذلك لاننا نعلم انه في نهاية المطاف اننا اذا اختلفنا سيحدث مشكل كبير في البلد ونحن لا نريد العودة الى الوراء، لذلك فهذا التوافق قائم بيننا وبين رئيس الجمهورية وبين سائر الافرقاء في الحكومة.
وختم قائلا: هناك امور سياسية قررنا ان نختلف حولها ولا يمكن ان نتفق عليها كموضوع ايران او سوريا، هم مع ونحن ضد، ولكننا اتفقنا على ان هذا الاختلاف لن يعطل العمل الحكومي.
كما اننا نعمل على تسريع اقرار المشروع المتعلق بالنفط والغاز وسيصار الى اقراره في مجلس النواب في الاسابيع المقبلة بعد طول انتظار، كذلك فقد تم اقرار سلسلة الرتب والرواتب مع كل الاصلاحات والاضافات بالواردات التي تضمنتها.
اليوم الجميع واع لحجم التحديات التي نواجهها والى ضرورة اقرار الاصلاحات وهناك فرصة للقيام بها والجميع جاهز لتقديم التنازلات لانهم مقتنعون بانها السبيل الوحيد للمضي قدما للنهوض بالبلد، فالوضع في لبنان صعب ولكنه ليس مستحيلا.
اجتماع أمني
وفي بعبدا ترأس الرئيس ميشال عون أمس الاجتماع الأمني الذي كان أشبه بجلسة عسكرية، حيث كان عرض لمواقع انتشار المسلحين المحاصرين واماكن محاصرتهم، وما إذا كانت هناك من مسارب لأي فرار محتمل، فضلاً عن انتشار الجيش على الحدود والمواقع الاستراتيجية، وجرى التركيز خلال الاجتماع على أهمية حماية المدنيين في عرسال والنازحين الموزعين على 18 مخيماً في المنطقة وجرى التأكيد على تعزيز القوى الأمنية لحماية الحدود، وكان الرئيس عون واضحاً في مسألة حماية المواطنين والنازحين.
وبحسب مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، نوّه الرئيس عون بجهوزية الجيش واستعداده لصد أي اعتداء على الأراضي اللبنانية وحماية السكان والنازحين وتأمين سلامتهم في عرسال ومحيطها، وفي سائر القرى والبلدات على امتداد الحدود.
وفي موقف لافت، اعتبر عون ان نتائج التطورات الميدانية الأخيرة ستكون إيجابية على صعيد الحد من اعتداءات الارهابيين وممارساته ضد المدنيين والعسكريين على حدّ سواء وسوف تعيد الأمن والاستقرار إلى الحدود.
وعلى خط آخر لم يعرف بعد ما إذا كانت المعركة ستستمر لمحاربة داعش بعد الانتهاء من جبهة النصرة، وعلم أن هناك مفاوضات يقودها العامل على هذا الخط حول الحصول على انسحابات وشروط معينة على غرار ما جرى في باقي المناطق السورية.
من ناحية ثانية، أوضح وزير شؤون النازحين معين المرعبي لـ«اللواء» أنه منذ ثلاثة أسابيع طلب عدد من النازحين الاجتماع به لطلب العودة أو السفر الى بلد ثالث بعد الأحداث التي حصلت بحق النازحين، وكشف أنه طلب أن يتم تسليمه مذكرة خطية للتوثيق وان يكون الاجتماع في حضور ممثلين عن المفوضية السامية للاجئين وكان من المفترض حصول اللقاء أمس في حضور هؤلاء الممثلين إلا أنه في أثناء المشاركة بواجب التعزية بنائب رئيس بلدية عرسال السابق أحمد الفليطي موفداً من الرئيس الحريري والإطلاع على أحوال أبناء المنطقة والنازحين تمت تلاوة المذكرة وتسليمي إياها أمام الحاضرين في المخيم.
وفي رد على سؤال قال إن الموضوع يجب أن يدرس مع مفوضية شؤون اللاجئين التي من المفترض أن تتولى تفاصيله مع الأتراك والسوريين.
يذكر ان المذكرة تضمنت رغبة هؤلاء النازحين بالعودة إلى سوريا فور توفّر الأمن والأمان، وإذا لم يتوفر ذلك فإلى جرابلس في سوريا، بالتنسيق مع الدولة التركية والأمم المتحدة في حال كانت الأوضاع الأمنية تسمح بذلك.
مواقف سياسية
في هذا الوقت الذي طغت فيه التطورات الامنية والعسكرية في معركة جرود عرسال، على المشهد السياسي اكد تيار المستقبل في بيان رفضه ان يتخذ الآخرون من محاربة الارهاب سبيلاً لتجاوز الدولة ومؤسساتها الدستورية ووسيلة لتبرير المشاركة في الحروب الاهلية العربية او التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، مشيرا الى انه «لن يقع في خطيئة اعتبار المعارك الدائرة في جرود السلسلة الشرقية فرصة لاضفاء الشرعية الوطنية على مشاركة الحزب في الحرب السورية، مهما بلغ حجم التهديدات والرسائل المكتوبة والمتلفزة التي تهدد المعترضين على سياسة حزب الله بالقتل والابادة.
وحمّل المكتب السياسي لحزب الكتائب السلطة السياسية مسؤولية التنازل عن سيادة لبنان وعن واجبها في تحرير ارضه، مؤكدا على دور الجيش اللبناني في مكافحة الارهاب والحفاظ على سيادة لبنان وامنه واستقراره وحماية حدوده.
أما «القوات اللبنانية» فرأى وزير الشؤون الاجتماعية بيار بوعاصي «اننا معنيون فقط بالقرارات التي تتخذها الحكومة اللبنانية وتنفذها الأجهزة الأمنية، مشيراً إلى اننا ننظر إلى ما يجري في جرود عرسال من منظار «حزب الله»، مجداداًً التشديد عن الدعم المطلق للجيش اللبناني فقط.
معركة الجرود
ميدانياً، أفادت آخر المعلومات عن هدوء حذر في جرود عرسال نتيجة توقف القصف المدفعي والصاروخي منذ الخامسة عصراً، لافساح المجال أمام عمليات تمشيط وتنظيف المواقع التي سيطر عليها «حزب الله» بعد ان اعلنت قيادته ان «المعركة باتت على مشارف نهايتها»، داعية المسلحين إلى «تسليم أنفسهم مع ضمان سلامتهم حقناً للدماء»، فيما أفاد الإعلام الحربي التابع للحزب من «حصول حالات فرار وانسحابات واسعة في صفوف إرهابيي «النصرة» بواسطة دراجات نارية في اتجاه خطوط التماس مع «داعش» شرق جرود عرسال ووادي حميد والملاهي، حيث مخيمات النازحين، مما دفع الجيش اللبناني إلى تعزيز اجراءاته الأمنية في المنطقة لعزل المخيمات عن الجرود، وهو كان عمل صباحاً على تسهيل دخول النازحين من المخيمات في وادي حميد إلى داخل البلدة، وسهل بالتعاون مع الصليب الأحمر على دخول 79 من النساء والأطفال إلى عرسال البلدة.
وكان «حزب الله» نفذ صباحاً هجوماً واسعاً تخللته اشتباكات من جهات عدّة باتجاه حصن الخربة ووادي الخيل، أهم معاقل جبهة «النصرة» في جرود عرسال، وأقرت تنسيقيات المسلحين عن سيطرة الحزب على وادي الخيل، كما سيطر الحزب على كامل وادي المعيصرة وعلى مرتفع قلعة الحصن الذي يشرف بشكل مباشر على مثلث معبر الزهراني شرق الجرد وعلى وادي الخيل، إضافة لوادي معروف ووادي كحيل ووادي الزعرور ووادي الدم والدفايق.
ولم يعرف بعد مصير امير «النصرة؛ في الجرود ابو مالك التلي، سوى انه بات محاصراً في مربعي الزمراني والعجرم، اللذين كانا هدفا للطائرات السورية، وانه لم يبق له خيار سوى اللجوء الى مناطق «داعش» الى الشمال الشرقي، مقابل رأس بعلبك والقاع، حيث يفترض ان تدور هناك وقائع المرحلة الثانية من المعركة.
وشيع الحزب، امس، احد قادته العسكريين والميدانيين، جعفر علي مشيك الذي قضى في وادي الخيل، في بلدته كفردان غربي بعلبك، كما شيع واهالي بلدة طليا شرقي بعلبك حسن عباس المصري.
من ناحية ثانية، نفت مصادر امنية ان تكون الاجهزة الامنية قد حددت مكان تواجد العسكريين المخطوفين لدى «داعش»، مشيرة الى ان كل المعلومات التي تحدثت عن هذا الموضوع لا اساس لها من الصحة.
وفي سياق متصل، رفع حزب الله بعد صور شهداء الجيش الاربعة، على اكبر معاقل النصرة في جرود عرسال، في دلالة على انه قضى على المجموعة الارهابية التي عمدت الى اعدام الشهداء الاربعة بعد احتجازهم في آب من العام 2014.

 

الاخبار :

في غضون أربعة أيام، حققت المقاومة إنجازاً يمكن وصفه بالتاريخي: للمرة الأولى منذ عام 2011، انتهى وجود تنظيم القاعدة (المسمّى في سوريا «جبهة النصرة») على الحدود اللبنانية السورية. وفي المرحلة المقبلة، ستُنهي أيضاً وجود تنظيم «داعش»، لتصبح كامل منطقة الحدود آمنة من الوجود المسلّح المعادي للبنان وسوريا، بكافة نسخه.

وسبق للمقاومة أن أتمّت، إلى جانب الجيش السوري، تأمين عمق كبير داخل الأراضي السورية، يحفظ أمن لبنان، حاضراً ومستقبلاً. ما جرى في منطقة الحدود تجاوز تحقيق ردع في وجه المسلحين، إذ وصل إلى إبعاد الخطر تماماً.
يوم أمس، أنجزت المقاومة المرحلة الثانية من عملياتها العسكرية التي تستهدف «جبهة النصرة» في الجرود اللبنانية. ومنذ اليوم، ستنتقل إلى المرحلة الثالثة من العملية، وهي الإجهاز على ما بقي من مقاتلين، مع «أميرهم» أبو مالك التلّي، بعدما باتوا محصورين في مساحتين ضيقتين: وادي حميّد والملاهي من جهة، ووادي العويني من جهة أخرى. ما يمكن أن يرجئ إتمام العملية بدءاً من اليوم، هو إعلان الاستسلام، بلا أي شرط. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن التلّي طلب تدخّل عدد من الوسطاء لإتمام عملية استسلام مقاتليه. وقالت مصادر أمنية رسمية لـ«الأخبار» إن التلّي اتصل بالشيخ العرسالي مصطفى الحريري («أبو طاقية»)، طالباً منه التوجه إلى الجرود لمحادثته. وبحسب المصادر، التقى الحجيري التلّي أمس، بعد تنسيق عملية انتقاله إلى الجرود مع الجيش اللبناني. وقالت المصادر إن خطوة التلي تعني أنه أيقن أن معركته انتهت، وأنه بات يبحث عن سبل للحفاظ على حياته وحياة ما بقي من مسلّحيه.


 

 


وفي مقابل طلب الوساطة، تستكمل المقاومة عمليتها، على أن تبدأ، بعد إقفال ملف «جبهة النصرة»، مرحلة القضاء على وجود تنظيم «داعش» في الجرود. وتلفت مصادر ميدانية إلى أن توقيت بدء العملية ضد «داعش» سيبقى مفاجأة، مشيرة إلى أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وعد بتحرير كافة الجرود وكامل السلسلة الشرقية، لا تلك التي يحتلها مسلّحو «جبهة النصرة» وحدهم. يُذكر أن الجزء الأكبر من الأراضي التي يحتلها مسلحو «داعش» تقع قبالة بلدتي راس بعلبك والقاع في الجانب اللبناني، وفي جرود بلدة قارة في سوريا.
ميدانياً، وفيما يقترب عناصر النصرة من المنطقة الخارجة عن سلطة الجيش التي تضم مخيمات للنازحين السوريين، قرب منطقة الملاهي في جرود عرسال، أكدت مصادر عسكرية لبنانية رسمية أن مسلّحي «سرايا أهل الشام الذين انسحبوا سابقاً إلى هذه المخيمات يأخذون على عاتقهم حمايتها ومنع تسلل «النصرة» إليها. وبالتالي، لا خوف من محاولة «النصرة» استعمال النازحين كدروع بشرية. إلا أن الوضع يبقى هشّاً في هذه المنطقة، ولا ضمانة حقيقية بألّا يحصل هذا الأمر».
وكانت المقاومة قد شنّت صباح أمس هجوماً واسعاً من عدة جهات باتجاه وادي الخيل وحصن الخربة في شرق عرسال اللبنانية، وسط تقدم لرجال المشاة ترافق مع اشتباكات عنيفة مع إرهابيي جبهة النصرة. ولاحقاً، تقدّمت مجموعات كبيرة من رجال المقاومة وأحكمت السيطرة بنحو كامل على وادي الخيل، أهم معاقل جبهة النصرة في جرود عرسال، ليرفع بعدها المقاومون رايات «تحية المجاهدين إلى شهداء المؤسسة العسكرية» حملت صور الشهداء الذين ذبحهم إرهابيو النصرة، وهم: الشهيد علي السيد والشهيد محمد حمية والشهيد علي البزال والشهيد عباس مدلج. كذلك رفعوا لافتة مشابهة على مدخل غرفة عمليات النصرة في جرود عرسال المعروفة، في مرتفع حقاب الخيل، التي كان التلّي يدير عملياته منها.
من ناحية أخرى، تمكنت المقاومة من بسط سيطرتها على كامل وادي المعيصرة في الجرد، في موازاة سيطرتها على مرتفع قلعة الحصن الذي يشرف مباشرةً على مثلث معبر الزمراني شرق الجرد، وذلك بعد كسر دفاعات مسلحي جبهة النصرة الذين انهاروا بشكل كامل. وقد أدى هذا التقدم العسكري الواسع إلى تحرير مواقع النصرة في وادي معروف ووادي كحيل ووادي زعرور ووادي الدم ووادي الدقايق. وعلى الأثر، انسحب المسلحون وفروا بواسطة دراجات نارية باتجاه خطوط التماس مع داعش في شرق جرد عرسال، فيما انسحبت مجموعات آخرى باتجاه وادي حميد والملاهي حيث مخيمات النازحين.
وكانت قيادة عمليات المقاومة قد أعلنت أن «المعركة مع جبهة النصرة أصبحت على مشارف نهايتها»، داعية جميع المسلحين في ما بقي من جرود عرسال إلى «حقن دمائهم وإلقاء سلاحهم وتسليم أنفسهم مع ضمان سلامتهم».