حرب الجرود تشتعل وعشرات القتلى

 

المستقبل :

مرّة جديدة، نكأ «حزب الله» سياسة «النأي بالنفس» اللبنانية، مع مساندته النظام السوري في الحرب التي يخوضها في جرود السلسلة الشرقية المتداخلة مع الأراضي السورية (بانتظار ترسيم الحدود)، محاولاً توريط لبنان في تداعيات هذه الحرب في عزّ انهماكه بمعالجة ملف النزوح وبأولوياته الاقتصادية والإنمائية والسياحية. فيما نفّذت وحدات الجيش اللبناني إجراءات أمنية مشدّدة على الحدود وفي بلدة عرسال لحماية أهلها من تداعيات هذه الحرب.

وتواصلت طيلة يوم أمس المعارك التي استخدم فيها القصف المدفعي الصاروخي العنيف على محورَي فليطا والجرود. فيما أكد رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري أن الوضع داخل البلدة «مستقرّ وأن الأهالي يمارسون حياتهم العادية وسط إجراءات الجيش».

وجدّد تيّار «المستقبل» رفضه كل أشكال توريط لبنان في الحرب السورية، واعتبر في بيان أصدره أمس مشاركة «حزب الله» في هذه الحرب «خروجاً على مقتضيات الإجماع الوطني والمصلحة الوطنية». ورفض «رفضاً قاطعاً» بعض المحاولات الجارية لإضفاء صفة الشرعية على قتال الحزب في الجرود أو داخل سوريا، مشدّداً على أن مسؤولية حماية أهالي عرسال وغيرها من القرى اللبنانية «تقع حصراً على الدولة اللبنانية وجيشها».

وفي السياق نفسه ترأس وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق اجتماعاً استثنائياً لمجلس الأمن الداخلي المركزي خصّص لمواكبة الوضع في منطقة الجرود «والتدابير الواجب اتخاذها لحماية المدنيين وسبل مكافحة شحن النفوس على مواقع التواصل الاجتماعي».

رسالة كويتية

ليس بعيداً من هذه التطوّرات، تلقّت وزارة الخارجية أمس رسالة من وزارة الخارجية الكويتية على خلفية حكم المحكمة الذي ثبت فيه مشاركة «حزب الله» في التخابر والتمويل وتقديم الأسلحة لخليّة العبدلي الإرهابية.

وطالبت الكويت في رسالتها الحكومة اللبنانية بـ«تحمُّل مسؤوليتها إزاء وقف هذه التصرّفات غير المسؤولة التي يُمارسها «حزب الله» واتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع هذه الممارسات وإفادتها بتلك الإجراءات حفاظاً على علاقات الأخوّة القائمة بين البلدَين الشقيقَين».

وأشارت الرسالة إلى أنه ثبت للمحكمة «مشاركة حزب الله في التخابر وتنسيق الاجتماعات ودفع الأموال وتوفير وتقديم أسلحة وأجهزة اتصال والتدريب على استخدامها داخل الأراضي اللبنانية لما سُمِّي بخليّة العبدلي الإرهابية للقيام بأعمال عدائية ضدّ دولة الكويت».

 

الديار :

معركة تطهير الجرود من التكفيريين «تتحدث عن نفسها» كما اعلن الاعلام الحربي «وستسير وفقا لمراحل تمّ التخطيط لها».
فسير العمليات العسكرية في اليوم الاول من حيث التقدم السريع لمجاهدي حزب الله نحو مواقع الارهابيين يساندهم الجيش السوري بقصف عنيف كانت نتيجته صدمة وترويعاً للارهابيين.
فعملا بالموعد المحدد منذ قرابة الاسبوع من قبل القيادة العسكرية المشتركة بين الجيش السوري وحزب الله، وبعد تحقيق المرحلة الاولى من العملية التطهيرية ضد التكفيريين هدفها، بعد نجاح القصف الجوي والبري السوري،  لمواقع المسلحين لانهاكهم، وبعد افشال خطتهم في تطويل امد المفاوضات، انطلقت عند الساعة الخامسة والنصف فجر اول من امس العملية العسكرية من محوري الشرق من فليطة تحديدا ،حيث استشهد للحزب 6 مقاتلين في كمين نصب لهم، ومن الجنوب باتجاه مناطق سيطرة «النصرة» عبر قصف تمهيدي عنيف من الجيش السوري استمر زهاء ساعتين، قبل ان تتقدم «قوات الرضوان» الخاصة المقدرة بـ 2500 عنصر تواكبها عناصر الهندسة في حزب الله، بمساندة من مدفعية الـ 130 المباشرة المحمولة وسلاح المضاد للدروع بصواريخه الموجهة، لتنجح بعد معارك ضارية مع المسلحين، بالسيطرة على منطقة سهل الرهوة وموقع ضهرة الهوّة، ووادي دقيق، ووادي زعرور، ومواقع رعد 1 و2 و3 في جبل الانزح، فضلا عن سيطرتها بالنار على وادي الخيل من الجهة الجنوبية، مكبدة المسلحين عشرات القتلى بينهم مسؤول موقع الهوة واثنان من مرافقيه، كما تمكنت من اسر عدد منهم.
وتكشف مصادر مطلعة على سير العمليات ان خطة حزب الله ترمي الى الفصل بين مناطق تواجد «داعش»، التي تبلغ ضعفي المساحة التي تسيطر عليها «النصرة» والتي لم يتحرك مسلحو «الدولة» حتى الساعة رغم المصالحة التي تمت مع «الجبهة»، و«فتح الشام»، وثانيا عزل المواقع الاساسية ذات الثقل بالنسبة لـ «النصرة» في كل من كسارات عرسال، ضهر الهوة، وادي الخيل، ووادي حميد، (يبلغ عديد مقاتليها الـ 400 مسلح)، من خلال احكام الحزب على مناطق  حاكمة لابطال مفعول القناصين المنتشرين بكثافة، متجنبا سلوك الممرات العادية خوفا من وجود اي كمائن.
وتشير المصادر الى ان مدينة الملاهي تشكل نقطة محورية، اذ انها عقدة المسالك عبر عدة خطوط يستعملها المسلحون:
-مدينة الملاهي - وادي عجرم «المستشفى الميداني» - مراح الشيخ - وادي الزمراني.
-وادي عجرم خربة يونين - وادي الريحان - وادي الدم.
-وادي الريحان - وادي العويني - وادي الرهوة (النقطة التي انطلق منها الهجوم لجهة الجنوب للوصول الى عزل منطقة الكسارات الاستراتيجية عن جرود عرسال).
واكدت المصادر ان من بين الاهداف المرسومة عدم السماح بانتقال تلك المجموعات نحو مناطق «داعش»، رغم ان لا شيء يثبت حتى الساعة صحة الادعاءات عن مبايعة بعض المسلحين لتنظيم الدولة، ومن جهة ثانية عدم تمكينهم من النزول باتجاه مواقع الجيش، وبالتالي حصرهم بين فكي كماشة عبر فصل المواقع عن بعضها البعض وقضمها تباعا وفق مقتضيات سير المعارك، معتبرة ان لا حل امام المسلحين غير الاستسلام او الموت، مشيدة باداء المقاتلين «اذ تسير العملية وفقا للمرسوم لها والمخطط تماما» مبدية اعتقادها بان تستغرق بحدود السبعة ايام لانهاء تواجد «فتح الشام» «والنصرة» قبل الانتقال الى المرحلة الثانية لتطهير الجرود من «داعش»، كاشفة ان قرار انطلاق المعركة عبر الاجهزة اللاسلكية صدر من احد القياديين الجهاديين في غرفة العمليات.
انطلاق المعركة اذا،جاء بعد ساعات طويلة من المفاوضات والطروحات التي حملها الوسطاء من الجرود وآخرهم الشيخ مصطفى الحجيري والتي انتهت الى رفض حزب الله والقيادتان السياسية والعسكرية اللبنانيتان، لمطالب ابي مالك التلي التي اعتبرت غير مقبولة، سواء لجهة انسحابه مع مسلحيه عبر مطار بيروت، وان كان دون سلاح، وهو المسؤول عن اراقة دماء اللبنانيين والعسكريين، او عبر احد المرافئ البحرية مع سلاحه  كما طلب.
 

 

 سير المعركة العسكرية


وبالعودة الى سير العمليات العسكرية فقد اعلن الاعلام الحربي «انه مع ساعات الفجر الأولى اول من امس، انطلقت العملية العسكرية لتطهير جرود عرسال والقلمون من المسلحين الإرهابيين، بقصف مدفعي وصاروخي من قبل رجال الجيش السوري والمقاومة.
واستهدف القصف تجمعات وتحصينات ومواقع «جبهة النصرة» في ضهر الهوى وموقع القنزح ومرتفعات عقاب وادي الخيل وشعبة النحلة في جرود عرسال اللبنانية.
كما استهدف الجيش والمقاومة نقاط انتشار المسلحين في مرتفعات الضليل وتلة الكرة وتلة العلم في جرود فليطة بالقلمون الغربي.
وانطلق الهجوم من محورين باتجاهات متعددة لكل محور. الاول من بلدة فليطة السورية باتجاه مواقع النصرة في جردها في القلمون الغربي، والثاني من جرود السلسلة الشرقية للبنان الواقعة جنوب جرد عرسال (مسيطر عليه منذ 2015) باتجاه مرتفعات وتحصينات ارهابيي جبهة النصرة شمال وشرق جرد عرسال.
وأعلنت قيادة العمليات أن لا وقت محدد للعملية، وأن المعركة هي ستتحدث عن نفسها وستسير وفقاً لمراحل تم التخطيط لها.
ومع ساعات الظهيرة، حققت قوات الجيش السوري والمقاومة تقدماً ملحوظاً على جبهات جرد فليطة في القلمون الغربي، بالتزامن مع تقدم المقاومة في جرود عرسال باتجاه موقع القنزح ووادي القرية جنوب شرق جرد عرسال، وسط اشتباكات مع ارهابيي جبهة النصرة أوقعت قتلى وجرحى في صفوفهم.
أولى التلال التي سيطرت عليها القوات هي تلة البركان في جرد فليطة في القلمون الغربي، وبعدها شن مجاهدو المقاومة هجوما كبيرا باتجاه سهل الرهوة وعلى موقع ضهرة الهوة الذي يعد من اهم المواقع في جرد عرسال.
وسيطرت القوات على سهل الرهوة بعد مواجهات مع الإرهابيين، أدت إلى مقتل وإصابة العشرات منهم، وتدمير عددا من الآليات، كما تم استهداف غرفة لمسلحي النصرة، ما أدى إلى تدميرها ومقتل من بداخلها.
ورفع المجاهدون راية المقاومة فوق موقع ضهرة الهوة في جرد عرسال بعد نزع راية النصرة، بعد السيطرة عليه، ليفتح هذا التقدم الطريق أمام القوات باتجاه وادي الخيل ووادي الدب. ويضم الموقع 3 مواقع لجبهة النصرة وهي الطائف والفتح والراية، وتتميز بتحصينات قوية.
وفي ظل هذا التقدم الكبير للجيش السوري والمقاومة، اعترفت تنسيقيات المسلحين بمقتل 17 مسلحا بينهم مسؤول ضهرة الهوة واثنين من مرافقيه.
واستمر تقدم الجيش والمقاومة مع ساعات بعد الظهر، وتمت السيطرة على وادي دقيق ووادي زعرور جنوب شرق عرسال، الذي يضم 3 مواقع لجبهة النصرة، بالتوازي مع السيطرة على موقع تفتناز في جبل القنزح جنوب جرد عرسال.
كما سيطرت القوات على مرتفع الكرة الأول ومرتفع ضليل الحاج ومرتفع حرف الصعبة في جرود فليطة في القلمون الغربي.
الوحدة الصاروخية في المقاومة الإسلامية استهدفت بصاروخ ثقيل قصير المدى نقاط التحشد الخلفية وخطوط امداد ارهابيي جبهة النصرة في مثلث وادي العويني ووادي الخيل بجرد عرسال، ما أدى إلى حدوث دمار كبير في المكان المستهدف ووقوع عدد كبير من القتلى والجرحى بصفوف الإرهابيين.
واختصر الاعلام الحربي عمليات امس بالسيطرة على :
- في القلمون الغربي : تلة البركان، مرتفع الكرة الأول، مرتفع ضليل الحاج، مرتفع حرف الصعبة في جرد فليطة.
- في جرود عرسال : سهل الرهوة، موقع ضهر الهوة، وادي دقيق ووادي زعرور، موقع تفتناز في جبل القنزح.
 

 اجراءات الجيش


من جهتها اكدت مصادر متابعة ان الهدوء يعم بلدة عرسال ومخيماتها نتيجة اجراءات الجيش المتخذة، معتبرة ان ما اعلنه رئيس الحكومة عن عملية للجيش في الجرود يمكن ادراجه في اطار الكلام السياسي الاستباقي في حال استجدت اي تطورات على الجبهة استدعت تدخلا مباشرا من قبل الجيش اللبناني، خلال فترة تواجده في الولايات المتحدة والتي يغادر اليها اليوم على ان يلتقي الرئيس الاميركي دونالد ترامب الثلاثاء ويعقد سلسلة اتصالات بمسؤولين اميركيين، كاشفة ان المسؤول الامني الرفيع الذي كان سيرافق رئيس الحكومة الى واشنطن اعتذر عن المشاركة في الوفد نتيجة التطورات الحاصلة في جرود عرسال ، مبدية اعتقادها بانه كان على «الشيخ» سعد اختصار زيارته بيوم واحد نتيجة الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد.
مصدر امني لبناني اكد ان الجيش باشر بتطبيق الخطة الموضوعة من قبل قيادة الجيش التي يتابع كبار ضباطها مجريات العمليات العسكرية على الارض لحظة بلحظة عبر وسائل الجيش الخاصة، والمقسمة على ثلاث مستويات:
-الاول : رفع الجهوزية العسكرية الى 100% على الجبهة واستقدام التعزيزات العسكرية اللازمة لضمان تأمين خط الجبهة وحمايتها من اي اختراق وكذلك حماية القرى والبلدات اللبنانية من اي اعتداءات ، بما فيها اتخاذ الاجراءات الضرورية لمنع اي عمليات انتحارية سواء عبر سيارات مفخخة او انتحاريين ضمن الممكن، وكذلك رفع الجهوزية على كامل الاراضي اللبنانية بنسبة 50% لمواجهة اي تطورات امنية غير محسوبة. يضاف الى ذلك وضع كل الهيئات الصحية والمدنية في قطاع عمليات الجيش بحال الاستنفار.
-الثاني : بالنسبة للنازحين الموجودين خارج رقعة انتشار الجيش والذين يقدر عددهم بعشرة آلاف نازح، فقد اقامت قيادة الجيش ممرا آمنا لمن يرغب بالنزول الى داخل عرسال، وقد حاول صباح امس ما بين 20 الى 30 امراة وطفل الدخول عبر حاجز الجيش بعدما وصلن الى مسافة قريبة منه الا انهن ما بتن ان تراجعن، يشار الى ان الامم المتحدة ارسلت موفدا خاصا يتواجد في المكان لمراقبة وتسجيل تفاصيل اي عملية دخول عبر حاجز الجيش وللتأكد من التزام الدولة اللبنانية بما تعهدت به. وبهذا الخصوص اشارت اوساط عرسالية الى ان «احرار الشام» والتي يبلغ عديدها بين 150 الى 200 عنصر تعهدت بمنع نزول مسلحي جبهة فتح الشام الى مخيمات النازحين المنتشرة خارج منطقة سيطرة الجيش في مدينة الملاهي ووادي حميد ووادي عطا.
-الثالث : فيما خص الوضع داخل عرسال فان الجيش باشر منذ صباح امس بتسيير دوريات راجلة ومؤللة في كل شوارع البلدة، لطمأنة المقيمين فيها من اهالي ولاجئين، مشددا من اجراءاته الامنية عند مداخلها مدققا في الهويات، كما انه نفذ انتشارا في محيط مخيمات اللاجئين التي لم تشهد اي حركة غير عادية، فيما سجل رفع للاعلام اللبنانية على خيم بعضها، وفي هذا الاطار تتابع الاجهزة المعنية الامنية مراقبتها الشديدة بعدما توافرت معلومات لدى المحققين عن وجود حوالى 150 مقاتلا لفتح الشام داخل مخيمات عرسال التي يبلغ عددها 110 وتضم 100000 نازح، للتحرك ضد الجيش دون وجود اي مؤشرات حتى الساعة توحي بذلك. وعلم ان بلدية عرسال تتعاون بشكل كامل مع الاجهزة الامنية والعسكرية لضبط الاوضاع داخل البلدة ومنع اي احتكاك بعدما غابت مظاهر الدراجات النارية والسيارات ذات الزجاج الداكن.
وكشف المصدر الامني ان الجيش يتعامل مع اي محاولة تسلل باتجاه مواقعه بالاسلحة المناسبة وهو في هذا الصدد قام باستخدام الاسلحة المتوسطة صباحا ضد احدى المجموعات التي اشتبه بانها تحاول التقدم باتجاه مواقعه قبل ان تكمل طريقها في اتجاه آخر، محاولا عدم استخدام سلاح المدفعية قدر المستطاع وتنفيذ رمايات في بقعة المواجهات في جرود عرسال التي تبعد بين 10 الى 15 كلم عن البلدة

 

 

الجمهورية :

توقّف المشهد الداخلي عند الصوَر المتناقضة التي أرخاها إقرار سلسلة الرتب والرواتب بتقديماتها الى الموظفين وضرائبها لتمويل كلفتها من جيوب الناس، فيما بدأت صوَر مشهد آخر تتجلّى في أفق العملية العسكرية الواسعة التي بدأها «حزب الله» أمس، ضد المجموعات الارهابية المتمركزة في منطقة جرود عرسال، والتي سجّلت في يومها الاول تقدماً ميدانياً ملحوظاً أمام التراجع الذي أصاب إرهابيي «جبهة النصرة» في تلك المنطقة، وذلك بالتزامن مع اجراءات امنية مشددة نفّذها الجيش اللبناني في القرى اللبنانية القريبة من مسرح القتال، وعلى وجه الخصوص بلدة عرسال، في وقت تكثّفت الاجراءات العسكرية والامنية في مختلف المناطق اللبنانية تحسّباً من أي عمليات او خروقات امنية قد يلجأ اليها الإرهابيون. وفيما شهدت الحركة السياسية تراجعاً ملحوظاً عمّا كانت عليه خلال الايام الماضية، واقتصرت على نشاطات واستقبالات رسمية محدودة بالتزامن مع مغادرة رئيس الحكومة سعد الحريري بيروت تمهيداً لزيارته الى الولايات المتحدة الاميركية، كانت المستجدات على الساحة اللبنانية محلّ بحث بين دولة الرئيس النائب ميشال المر ورئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميّل، خلال اجتماع مطوّل عقد في مكتب دولة الرئيس. حيث تطرّق الإجتماع الى اللوائح الإنتخابية في المتن الشمالي، وتمّ الاتفاق على عقد اجتماع آخر خلال الأسبوع المقبل.

ميدانياً، بدأ «حزب الله» بعملية عسكرية واسعة ضد مواقع «جبهة النصرة» في جرود عرسال. وافادت مصادر الحزب لـ«الجمهورية» أنّ معركة الحسم لتحرير جرود عرسال واستئصال الارهابيين منها، انطلقت في ساعة متقدمة من فجر امس، حيث بدأ الهجوم في وقت واحد من محورين وفي اتجاهات متعددة، الاول من بلدة فليطا السورية باتجاه مواقع «جبهة النصرة» في جرود البلدة في القلمون الغربي، والثاني إنطلاقاً من جرود السلسلة الشرقية الواقعة الى جنوب غرب عرسال باتجاه تحصينات «النصرة» شمال وشرق جرد عرسال.

وبحسب المصادر، فإنّ العملية تمّت وسط غطاء مدفعي وصاروخي كثيف من قبل «حزب الله»، وغارات جوية متتالية نفّذها الطيران السوري على المناطق المستهدفة بالعملية، الأمر الذي أدى الى انهيارات كبيرة في صفوف الارهابيين.

واكدت المصادر انّ النتائج التي حققها عناصر الحزب في اليوم الاول للعملية «تؤشّر الى انّ الحسم النهائي قد يكون في مدى زمني أقصر ممّا هو محدد لهذه العملية، في ظل الانهيار الواضح في صفوف الارهابيين، حيث تمكّن الحزب في اليوم الاول للعملية من السيطرة على مجموعة من المواقع والتلال الحاكمة والمهمة استراتيجاً وعسكرياً، والتي كانت تشكّل نقاط قوة للارهابيين ولا سيما تلة البركان في جرود فليطا.

كذلك تمّت السيطرة على «وادي دقيق» و«وادي زعرور» و«ضهر العربي» جنوب شرق عرسال. وكذلك السيطرة الكاملة على «سهل الرهوة» وعلى موقع «ضهر الهوة» الذي يعدّ أحد أهم مواقع «النصرة» في تلك الجرود، وعلى مواقع «رعد 1 و2 و3» و«تفتناز» في جبل القنزح في جرود عرسال».

واللافت للانتباه انّ العملية كانت تتم بوتيرة عنيفة جداً حيناً وتتراجع احياناً، وخصوصاً في فترة ما بعد الظهر، مع استمرار القصف المتقطع لمواقع الارهابيين.

وكانت حصيلة اليوم سقوط عدد كبير منهم باعترافات تنسيقياتهم التي أشارت الى سقوط 17 قتيلاً من «جبهة النصرة»، من بينهم مسؤول موقع ضهر الهوة واثنان من مرافقيه. كذلك سقط عدد آخر في فترة بعد الظهر خلال استهداف سيارتي دفع رباعي بالصواريخ الموجهة في وادي حميد في جرد عرسال. فيما أفيد عن سقوط عدد من الاصابات في صفوف «حزب الله» بين قتيل وجريح، وبقي العدد غامضاً نتيجة لتكتّم الحزب عليه.

تدابير الجيش

وترافقت العملية العسكرية مع إجراءات امنية مشددة نفّذتها الوحدات العسكرية التابعة للجيش اللبناني من دون أن تشارك في العملية. ولوحِظت التدابير الصارمة التي اتخذت لمنع تسلل الارهابيين في اتجاه مناطق انتشاره، ولا سيما في منطقة عرسال، حيث أنشأ الجيش ممراً لخروج النازحين السوريين من المخيمات الموجودة في مناطق الإشتباكات، فتمكنت بعض العائلات من نساء وأطفال جاءت من مخيم الملاهي، من الدخول إلى بلدة عرسال، فيما ذكرت معلومات أمنية انّ الجيش تصدى لمجموعة إرهابية أثناء محاولتها الفرار من منطقة وادي الزعرور باتجاه عرسال.

وأعلن «حزب الله» على لسان نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم «اننا نخوض مواجهة من أجل ضرب مرتكزات ما تبقى من هذا المشروع الخطر على اللبنانيين وعلى كل المنطقة، وضرب بؤرة توريد المفخخات وتعطيل الفتنة وأحلام الإمارة، وهذا امتداد لجغرافيا حماية لبنان وحماية مشروع المقاومة».

عون

الى ذلك، فرضت المستجدات الامنية نفسها على النشاط الرسمي، حيث اعلن انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تابَع التطورات الامنية على الحدود اللبنانية- السورية وفي جرود عرسال، وتلقى تقارير من الاجهزة الامنية المعنية حول المستجدات، والاجراءات التي اتخذتها قيادة الجيش على الحدود اللبنانية ومنع تسلل المسلحين عبرها. فيما ترأس وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق اجتماعاً لمجلس الأمن المركزي وبحث في التطورات الامنية.

وفيما صدرت مواقف مؤيدة للعملية العسكرية، وأبرزها من رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الذي غرّد متمنياً «النصر لرجال المقاومة في أن تحسم معركة تطهير الجرود سريعاً وبأقل الخسائر»، لفتَ موقف تيار «المستقبل» الذي رفض «إضفاء صفة الشرعية على قتال «حزب الله» في الجرود»، مشدداً على انّ «مسؤولية حماية أهالي عرسال وغيرها تقع حصراً على الدولة اللبنانية وجيشها»، مُجدّداً في الوقت ذاته «رفضه توريط لبنان بالحرب السورية ومشاركة «حزب الله» فيها»، داعياً «الى تجنيب لبنان تداعيات تلك الحرب، ودعم الاجراءات التي يتخذها الجيش اللبناني لحماية بلدة عرسال وأهلها والنازحين الى محيطها، ومنع كل محاولة لزَجّها في أتون المعارك ومخاطرها».

الحريري

سياسياً، أعلن البيت الابيض أمس أنّ الرئيس الاميركي دونالد ترامب سيستقبل رئيس الحكومة سعد الحريري الثلثاء المقبل في 25 الجاري في البيت الأبيض، وسيكون للحريري لقاءات مع عدد من المسؤولين في الإدارة الأميركية ورئيس مجلس النواب بول راين وأعضاء في الكونغرس، إضافة إلى كبار مسؤولي البنك وصندوق النقد الدوليين. ويرافقه وزير الخارجية جبران باسيل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري، وعدد من المستشارين.

وعلمت «الجمهورية» انّ الحريري يحمل الى واشنطن ملفات اساسية أبرزها ملف النازحين السوريين، وملف المساعدات العسكرية للجيش والقوى الامنية، في ظلّ ما يُحكى عن توجّه أميركي لخَفضها مع تقليص موازنتي وزارتي الخارجية والدفاع، وملف اقتصادي حول سبل حماية الاستقرار النقدي من تداعيات اي عقوبات محتملة على «حزب الله».

ويعلّق مراقبون أهمية بالغة على الزيارة، ولا سيما من حيث توقيتها وتزامنها مع بداية بروز معالم تسوية سورية. وأعربت مصادر وزارية عن أملها «في أن يدعو الحريري خلال لقاءاته مع المسؤولين الاميركيين الى ترحيل النازحين الى مناطق آمنة بالتفاهم مع الدول المعنية بالعودة من دون استثناء اي طرف، بمَن فيه النظام السوري، لأنّ المناطق السورية المحاذية للحدود اللبنانية يسيطر عليها النظام السوري، وبالتالي هذا النظام قادر على عرقلة عودة أي نازح من خلال هذه الحدود».

وقالت مصادر مواكبة لـ«الجمهورية» انّ زيارة الحريري الى واشنطن تأتي في ظل متغيّرات أميركية عدة، أبرزها ثلاثة:

اولاً: اليوم هناك ادارة جديدة تختلف عن الادارة السابقة. فهي تعتبر انّ المشكلة في سوريا تخصّ الأمن القومي الاميركي ويجب ان تحلّ بسرعة، ما يختلف عن منطق الادارة السابقة التي اعتبرت انّ ما يجري في سوريا هو حروب اهلية بين قبائل عمرها آلاف السنين، والولايات المتحدة لا تستطيع ان تفعل شيئاً وأي تدخّل عسكري في سوريا سيُدخل الولايات المتحدة في مستنقع لا أول له ولا آخر. امّا ادارة ترامب فتعتبر انّ القضاء على «داعش» اولوية اساسية، ويجب ان يتم ذلك سريعاً كونه يشكّل خطراً على الامن القومي الاميركي.

ثانياً: وجود توجّه اميركي لاستعمال القوة كأداة ديبلوماسية في سوريا، الأمر الذي اختلف عن الادارة السابقة.

ثالثاً: وجود توجّه نحو الحوار مع روسيا لحل الازمة السورية على أساس اتفاق ثنائي روسي ـ اميركي.

ولم تستبعد المصادر أن تساعد هذه المتغيّرات لبنان، مُبدية اعتقادها «بأننا فعلاً على أبواب حل أمني، بداية لحل سياسي في سوريا».

ولفتت الى «انّ الامر الذي لم يتبدّل من الادارة السابقة هو الاهتمام باستقرار لبنان». واعتبرت «انّ السياسة الاميركية تجاه لبنان في عهد ترامب لم تتبلور بالكامل بعد، ولذلك زيارة الحريري يمكن أن تساعد الى حد كبير في صياغة السياسة الاميركية نحو لبنان والحفاظ على الدعم الاميركي».

ورأت المصادر انّ الزيارة «تتمّ في عصر مواجهة بين واشنطن وطهران، ونحن كلبنانيين يهمنا الّا نكون ضحية هذا التجاذب». واعتبرت انّ «أهم ما في هذه الزيارة أنها ستعزّز نهج الفصل بين العقوبات على «حزب الله» والدولة اللبنانية ومصالح الشعب المتمثّلة بالقطاع المصرفي».

 

 

اللواء :

الرئيس سعد الحريري في الطريق إلى الولايات المتحدة الأميركية ومعه وزير الخارجية جبران باسيل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومدير مكتبه نادر الحريري، في زيارة رسمية تبدأ الاثنين، يُقابل خلالها الرئيس دونالد ترامب الثلاثاء ورئيس مجلس النواب بول راين وأعضاء في الكونغرس إضافة إلى كبار المسؤولين في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لبحث ملفات لبنانية، من ضمنها العقوبات المالية الأميركية على حزب الله.
وليلاً قال البيت الأبيض في بيان ان الرئيس ترامب سيستقبل الرئيس الحريري في 25 الجاري. واضاف: سيناقش الزعيمان القضايا ذات الاهتمام المشترك بما فيها قضايا الحرب على الإرهاب والاقتصاد واللاجئين.
في هذا الوقت، كان حزب الله يشن هجوماً على مسلحي النصرة في جرود عرسال، ودبلوماسياً، كان سفير دولة الكويت لدى لبنان عبد العال القناعي يزور وزارة الخارجية ويسلم الوزير باسيل مذكرة احتجاج رسمية من بلاده إلى الحكومة اللبنانية لوضعها امام مسؤولياتها تجاه ممارسات حزب الله غير المسؤولة، بعد ثبوت مساهمته في التخابر وتنسيق الاجتماعات ودفع الأموال بقصد هدم النظم الأساسية بدولة الكويت، في قضية ما عرف «بخلية العبدلي».
وطالب السفير القناعي الحكومة اللبنانية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع حزب الله وممارساته المشينة باعتباره مكوناً من مكونات الحكومة اللبنانية، مؤكداً على الحرص الأكيد على الحفاظ وتنمية العلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين الشقيقين.
وعشية زيارة الوفد اللبناني، قدم أعضاء بالكونغرس الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تشريعاً امس بهدف فرض عقوبات جديدة على حزب الله، متهمين إياه بالعنف في سوريا ونصب صواريخ على طول الحدود مع إسرائيل، وفق ما نقلت وكالة رويترز.
ويسعى التشريع، الذي يمثل تعديلا لعقوبات سبق ان فرضت على حزب الله، إلى زيادة القيود على قدرة الحزب على جمع الأموال والتجنيد وزيادة الضغط على البنوك التي تتعامل معه واتخاذ إجراءات صارمة ضد الدول التي تدعمه ومنها إيران.
وسيمنع التشريع أي شخص يتبين أنه يدعم حزب الله من دخول الولايات المتحدة وسيلزم الرئيس الأميركي بأن يرفع إلى الكونغرس تقريرا بشأن ما إذا كانت المؤسسات المالية الإيرانية تسهل التعاملات المالية لحزب الله.
وقال إد رويس وهو الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب والذي قدم التشريع إلى المجلس، إن «هذه العقوبات ستقلص بشدة شبكة حزب الله المالية وأنشطته الإجرامية العابرة للحدود وستنال كذلك من داعميه وأهمهم إيران»، وفق رويترز.
معركة الجرود
في هذا الوقت، بدأ الحزب هجوماً على مواقع جبهة النصرة في جرود عرسال في مواجهة حددت أهدافها وتوقيتها بطريقة جيدة، وسط معلومات عن تهاوي عدد من مواقع المسلحين السوريين في الجرود واعتراف التنسيقيات بسقوط 17 مسلحاً من هؤلاء بينهم مسؤول موقع ضهرة الهوة واثنان من مرافقيه، فيما نعى حزب الله عدداً من مقاتليه، قالت «سكاي نيوز» ان عددهم بلغ 12 عنصراً.
وإذا كان تيّار المستقبل سارع في بيان له مساء أمس لربط التطورات العسكرية في جرود السلسلة الشرقية المتداخلة مع الأراضي السورية، معتبراً انها جزء لا يتجزأ من الحرب السورية التي يُشارك فيها حزب الله إلى جانب النظام السوري، معلناً رفضه لتوريط لبنان بالحرب السورية، معتبراً ان مشاركة حزب الله فيها خروج على «مقتضيات الإجماع الوطني والمصلحة الوطنية»، مشدداً على رفض «إضفاء الشرعية على قتال حزب الله في الجرود وداخل سوريا». فإن مصادر مواكبة زيارة الرئيس الحريري إلى واشنطن استبعدت لـ«اللواء» ان يكون توقيت بدء المعركة في جرود عرسال مرتبط بشكل أو بآخر بزيارة رئيس الحكومة إلى واشنطن. وقالت: عندما تمّ تحديد البيت الأبيض موعد للرئيس الحريري مع الرئيس ترامب لم يتم الأخذ بطبيعة الحال الوضع في جرود عرسال، لذلك لا ارتباط بين الزيارة والعملية العسكرية وفقاً لهذه المصادر.
وأكدت المصادر ان لدى الجيش اللبناني غطاء سياسياً كاملاً وغير مشروط من قبل القيادة السياسية وعلى رأسها رئيس الجمهورية ولديه صلاحية اتخاذ ما تراه القيادة مناسباً في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة. واشادت المصادر بالدور الذي يقوم به الجيش وحزمه وعدم تساهله مع أي مرتكب مشيرة الى انه رفع جهوزيته واحكم الطوق بشكل تام على كامل مداخل بلدة عرسال لمنع تسلل أي مسلح بهدف حماية المدنيين داخل البلدة وهو نجح بذلك.
ومن جهتها، اكدت مصادر سياسية بارزة قريبة من «حزب الله» ان مهمة تنظيف الجرود هي بيد الحزب، فيما مهمة الحفاظ على الداخل اللبناني من بلدة عرسال نزولاً الى القرى المحيطة هي بيد الجيش اللبناني.
وجزمت المصادر نفسها بأن قيادة الجيش تملك تفويضاً سياسياً كاملاً من رئاستي الجمهورية والحكومة للتصرف وفق ما تقتضيه مجريات المعركة دون الرجوع لأية جهة سياسية، خصوصاً إذا قصفت المجموعات المسلحة عرسال والمخيمات، مشيرة إلى ان رئيس الجمهورية ميشال عون على اتصال مباشر دقيقة بدقيقة لمتابعة تفاصيل ما يحصل في عرسال وجرودها.
وفي هذا السياق، أفاد المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية ان الرئيس عون تابع منذ فجر أمس، التطورات الأمنية على الحدود اللبنانية – السورية المقابلة لجرود عرسال، وتلقى تقارير من الأجهزة الأمنية المعنية حول المستجدات والإجراءات التي اتخذتها قيادة الجيش على الحدود اللبنانية ومنع تسلل المسلحين عبرها.
اما الرئيس نبيه برّي فنقل عنه السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي ارتياحه للنجاحات التي يحققها الجيش اللبناني، وانه كان متفائلاً بأن تنجز هذه العملية بايقاع سريع وبخسائر قليلة، وأن الانتصار يُشكّل ضمانة لأمن البلدين.
ولمواكبة الوضع في جرود عرسال وتفاعلاتها في الداخل اللبناني، رأس وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق اجتماعاً استثنائياً لمجلس الأمن الداخلي المركزي، خصص لبحث التدابير الواجب اتخاذها لحماية المدنيين وسبل مكافحة شحن النفوس على مواقع التواصل الاجتماعي كما بحث المجلس في مواضيع بقيت طي الكتمان.
ومن هذه المواضيع، حسب مصادر سياسية، التخوف من إمكانية حصول بعض الخروقات في الداخل اللبناني، استناداً إلى معلومات أمنية تُشير إلى وجود مجموعات مجهزة باحزمة ناسفة لم يتم تحديد اماكنها بعد، وقيام «ارهابيين» باستعمال السلاح الأبيض لمهاجمة مدنيين أو اللجوء إلى عمليات دهس، على غرار ما يحصل في أوروبا، ولهذا السب عزّز «حزب الله» اجراءاته الأمنية في الضاحية الجنوبية، فيما رفعت الأجهزة العسكرية والأمنية حالة التأهب والاستنفار على مختلف الأراضي اللبنانية.
وأدرج نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم المواجهة من أجل ضرب ما تبقى من المشروع التكفيري لحماية الحدود اللبنانية من الحدود الشرقية.
الوقائع الميدانية
ميدانياً، أفادت آخرالمعلومات عن اشتداد وتيرة القصف الصاروخي والمدفعي في جرود عرسال قرابة الثامنة مساء، وسيطرة حزب الله على وادي الدقيق ووادي الزعرور الذي يضم 3 مواقع لجبهة «النصرة» هي رعد 1 و2 و3 جنوبي شرق عرسال، بالتوازي مع السيطرة على مواقع في جبل القنزح في جرود عرسال.
سبق هذا التطور، سيطرة مقاتلي الحزب على موقع ضهرة الهوة، وهو اهم المواقع في جرد عرسال ونزع راية «النصرة» عنه وغرس راية المقاومة، واهمية هذا الموقع تأتي من انها تفتح الطريق باتجاه وادي الحفل ووادي العرب، بعد ان كانوا سيطروا بالكامل على موقع الزهوة والذي اعتبر صباحا ساقطا عسكريا، واستهدف مركز «النصرة» في وادي الضهرة بصاروخ موجه مما ادى الى تدميره.
وقرابة الخامسة عصرا، اشتدت وتيرة المعارك، بعد هدوء نسبي وشن حزب الله هجوماً كبيرا باتجاه سهل الزهوة وعلى موقع «ضهرة الهوة» وحصلت اشتباكات على مسافة قريبة مع مسلحي «فتح الشام». وشهدت جرود السلسلة الشرقية عمليات قصف متقطعة اشتدت احيانا على جرود الزهوة، معقل امير تنظيم «داعش» موفق ابو السوس بعد انضمامه الى المعركة مع «النصرة» وسمعت اصداء القصف في قرى البقاع الشمالي وعرسال.
وافادت «الوكالة الوطنية للاعلام» الرسمية عن سقوط اكثر من 20 قتيلا في صفوف جبهة «النصرة» وعدد من الجرحى نقلوا الى مستشفيات ميدانية في منطقة وادي عجرم، فيما نعى الحزب اثنين من مقاتليه، مما رفع عدد ضحاياه الى ثلاثة بحسب المعلومات وهم: ياسر شمص من البقاع، حسين زهير سليم من الغبيري وحسن علي حمود من الطيبة.
وذكرت الوكالة نفسها ان حزب الله استهدف بالصواريخ الموجهة آليتين «للنصرة» على طريق فرعية جنوب وادي حميد مما أدى إلى تدميرهما ومقتل جميع من داخلهما.
وكان الإعلام الحربي في الحزب قد أشاد في بيان إلى ان الهجوم انطلق من محورين في اتجاهات متعددة لكل محور، الأول من بلدة فليطة السورية في اتجاه مواقع النصرة في جرود القلمون الغربي، والثاني من جرود السلسلة الشرقية للبنان الواقعة جنوب جرود عرسال في اتجاه مرتفعات وتحصينات «النصرة» شمال وشرق جرود عرسال.
وأعلنت قيادة العمليات في الحزب أن لا وقت محدداً للعملية وهي ستتحدث عن نفسها وستسير وفقاً لمراحل تمّ التخطيط لها.
وأشار الإعلام الحربي أن عناصر الحزب سيطروا بعد 6 ساعات من القصف المدفعي والصاروخي العنيف علی مساحات واسعة من الجرود التي كان يشغلها المسلحون من أصل 400 كيلومتر مربع تمتد من الكسارات حتى جرود رأس بعلبك – القاع، وسط تقدّم وتمركز للحزب في تلال البرلمان ومحيطها، أي أن 8 نقاط عسكرية خسرتها «النصرة» في جرود فليطة.
الجيش اللبناني
في هذه الاثناء، رفع الجيش من جهوزيته واستقدم تعزيزات بهدف احكام الطوق بشكل كامل على أطراف بلدة عرسال وفي داخلها ومحيط المخيمات لمنع أي تسلل، وبهدف حماية المدنيين داخل البلدة، وأقفل كل المعابر من الجرود باتجاه عرسال، واستهدف مجموعة إرهابية حاولت الفرار باتجاه عرسال آتية من وادي الزعرور، بحسب ما أكد مصدر عسكري، وأصاب جميع أفرادها.
وأشارت معلومات إلى ان الوضع في عرسال طبيعي، وأن الجيش أنشأ ممراً لخروج النازحين من المخيمات الموجودة في مناطق الاشتباكات، وسهلت عناصره مرور نازحين من النساء والأطفال إلى عرسال من مخيم مدينة الملاهي القريب من مراكز المسيحيين باشراف مندوبين من الأمم المتحدة والصليب الأحمر.
وليلاً، استهدفت مدفعية الجيش تأميناً لمراكزه، مجموعة من المسلحين في محلة وادي الخيل الشمالي كانت تتحضر للتسلل إلى مراكزه، وحققت إصابات..
وطالب الجيش السوري الحر (سرايا اهل الشام) الهيئات الدولية والمنظمات الانسانية التدخل لحماية اللاجئين المدنيين وتأمين ممر انساني للجرحى لتلقي العلاج داخل مستشفيات عرسال، محملا الدولة اللبنانية المسؤولية كاشفا عن اقفال جميع ابواب التفاوض من اجل الخروج قبل المعركة لتجنيب «اللاجئين واخواننا في عرسال ويلات الحرب»

 

الاخبار :

لم يشكّل انطلاق عملية تحرير جرود عرسال مفاجأة لأحد. فالعملية معلن عنها، ولم تكن «تُطبخ سراّ». لكن مفاجأة المسلحين كانت في المكان الذي انطلقت منه.

لم تبدأ المقاومة هجومها من المناطق التي يحتلها مسلحو «داعش»، بل اختارت مناطق انتشار جبهة النصرة، وتحديداً، المواقع الأصعب في مساحات انتشار الإرهابيين، وبدأت هجومها من محورين: شرقاً، من جرود فليطا السورية، وجنوباً، من جرود عرسال المتصلة بجرود نحلة. وفي اليوم الاول، حقق المقاومون أهدافهم، المتمثلة في السيطرة على مواقع مهمة، وخاصة منها تلال حاكمة، يصل ارتفاع بعضها إلى 2500 متر عن سطح البحر.
وبالتوازي مع العمليات العسكرية، تحدّث معلومات أمنية أمس عن أن الشيخ مصطفى الحجيري، «أبو طاقية»، عاد ليحاول فتح صفحة جديدة من المفاوضات، لإقناع «أمير» جبهة النصرة في الجرود، أبو مالك التلّي، بالمغادرة إلى إدلب. لكن المصادر لفتت إلى أنه بعد بدء المعركة، لم يعد ممكناً الحديث عن خروج المسلحين بآلياتهم وعتادهم وكامل أسلحتهم إلى إدلب، بل صار لزاماً عليهم ركوب الباصات الخضراء، أسوة بباقي المسلحين الذين انتقلوا إلى المحافظة السورية الشمالية في الأشهر الماضية.
عملية تطهير جرود عرسال ليست وليدة اللحظة. عام 2015 شهد مرحلتها الاولى، يوم نفّذ حزب الله والجيش السوري عملية واسعة، أدت إلى حصر وجود الإرهابيين في جرود عرسال وراس بعلبك والقاع. ولاحقاً، تحرّك الجيش السوري والمقاومة من الجهة السورية للحدود، بهدف إبعاد المسلحين عن الأراضي اللبنانية قدر الإمكان. لكن التجربة مع المسلحين أظهرت أنهم يستخدمون تمركزهم في بقعة جغرافية لتوسيع رقعة انتشارهم وتنفيذ الهجمات (كما حصل في القاع سابقاً). كذلك أظهرت تحقيقات الأجهزة الأمنية مع كل الخلايا التي تمّ توقيفها في العامين الأخيرين، أن للمسلحين الموجودين في الجرود دوراً أساسياً في الهجمات التي ضربت الأراضي اللبنانية، سواء تلك التي استهدفت الجيش أو المدنيين. وعلى هذا الأساس نفّذ الجيش اللبناني عملية مداهمات في مخيمات النازحين، بعد التأكد من أن المسلحين يشكلون خطراً عليهم، كما على الأمن في الداخل اللبناني.
وفي الأشهر الماضية، ومنذ ما قبل اتفاق الزبداني – مضايا – كفريا – الفوعة في سوريا، بدأت عملية التفاوض مع المسلحين للخروج من الجرود. لكنهم فوّتوا الفرصة، نتيجة إصرار قائدهم أبو مالك التلي على وضع شروط تعجيزية، كالانتقال بالسلاح إلى تركيا، ومنها إلى إدلب السورية.
مع سقوط المفاوضات، انطلقت عملية تحرير الجرود عند الساعة الخامسة فجر أمس.
المقاومة ترى نفسها غير محشورة بالوقت، لأن أولويتها تحقيق نتيجة بأقل خسائر ممكنة. وفيما كان لافتاً غياب أيّ مواقف سياسية يعوّل عليها ضد المعركة، أعلن الجيش اللبناني استنفاره، منفذاً إجراءات أمنية مشدّدة على تخوم عرسال (وفي كافة المناطق البقاعية)، حيث أقفل كل المعابر من الجرود باتجاهها، بهدف إحكام الطوق بشكل كامل لمنع أي تسلل إلى مواقعه، ولحماية المدنيين. وبعدما رصد أكثر من محاولة للتسلل، استهدف بمدفعيته تجمعات للمسلحين.


 


المعطيات التي توافرت حتى ليل أمس أكدت أن المعارك التي دارت كانت طاحنة، وهي لا تزال مستمرة، ولا أحد يستطيع تحديد المدى الزمني لها أو التطورات الميدانية التي تحصل كل ساعة. لكن من الواضح أن المقاومة قد اجتازت مرحلة مهمّة وصعبة، بعدما سيطرت على جزء من منطقة الكسارات التي تتمركز فيها جبهة النصرة بأسلحتها المتوسطة والثقيلة. وبالتالي يُمكن القول إن خطّ الدفاع الأول لجبهة النصرة قد كُسِر. وما تمت السيطرة عليه يتيح للمقاومة الإشراف على وادي الخيل، أحد أهم مواقع النصرة.
ومن يعرف طبيعة جرود السلسلة الشرقية من الجانبين السوري واللبناني في فليطا وعرسال، يُدرك جيداً صعوبة معركة تحرير الجرود. تلال استراتيجية ووديان وعرة ومساحات واسعة، مع مغاور كبيرة وأنفاق، وتحصينات دأب مسلحو «جبهة النصرة» على بنائها طوال السنوات الست الماضية. إلا أن مقاتلي المقاومة خبروا منذ عام 2015، تاريخ تحرير الجزء الأول من السلسلة الشرقية (جرود بريتال وبعلبك ويونين ونحلة، والجبة وجزء من فليطا)، تلك الصعوبات الجغرافية، وطريقة قتال الإرهابيين، سواء في «جبهة النصرة» أو «داعش»، ما يتيح لهم التحكم في مجريات المعركة. وبناءً على ذلك، حققوا تقدماً في التلال والأودية من محورين أساسيين: الأول من جرود فليطا في القلمون الغربي (أقصى شرق جرود عرسال)، والثاني من الجزء المحرر من أعالي وادي عطا في جرود عرسال (جنوب جرود عرسال)، باتجاه تلة ضهر الهوة وسهل الرهوة وتلة القنزح، لتتوزع الفرق بعدها إلى عدة محاور، باتجاه وادي عويس ووادي القارية ووادي المعيصرة.
مسلحو «جبهة النصرة» في موازاة ذلك عمدوا إلى التحصن في التلال المرتفعة، والاعتماد على أعمال القنص والألغام والعبوات التي زرعت في الممرات التي من الممكن أن يسلكها المقاومون. مقاتلو الحزب في المقابل اعتمدوا على استطلاعهم المسبق، واستخدموا كثافة نيران وقصفاً مدفعياً وصاروخياً عنيفاً، مع غارات للطائرات الحربية السورية، الأمر الذي سمح بتكبيد مسلّحي «النصرة» خسائر كبيرة في المقاتلين، ودفع المقاومة إلى التقدم والسيطرة على سهل الرهوة وضهر الهوة، والضغط أكثر باتجاه تلة القنزح ووادي الدب ووادي القارية ووادي المعيصرة، تمهيداً للإطباق من عدة محاور على حرف وادي الخيل ووادي الخيل.
وفي الوقت الذي تابعت فيه المقاومة والجيش السوري تحرير جرود فليطا، والسيطرة على مرتفع الكرة الأول ومرتفع ضليل الحاج ومرتفع حرف الصعبة، دمرت المقاومة آليتين للنصرة على طريق فرعي في وادي حميد، وسيطرت على وادي دقيق ووادي زعرور مع موقع تفتناز في تلة القنزح، مع استهداف تجمع لمسلحي النصرة عند مثلث وادي الخيل وادي العويني بصاروخ ثقيل قصير المدى، ما أدى إلى مقتل عدد كبير من مسلحي النصرة وتدمير مقرهم.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن سير العمليات يوم أمس من المتوقع أن يتكرر اليوم.
سياسياً، واكب وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الوضع في جرود عرسال وتفاعلاته في الداخل والتدابير الواجب اتخاذها لحماية المدنيين وسبل مكافحة شحن النفوس خلال ترؤسه اجتماعاً استثنائياً لمجلس الأمن المركزي بحسب بيانه، وأبقى جلساته مف<