معركة الجرود بدأت بين النفي والتأكيد , وفي الداخل معركة المحاصصة تربك السياسيين

 

المستقبل :

إنجاز يليه إنجاز وحبل التوافق على الجرّار.. في ما يشبه «الانتفاضة المؤسساتية» على مرحلة الترهل والسبات، يواصل نجم الدولة صعوده في مدار العمل والانتاج مسجلاً سرعات قياسية في سعيه نحو طيّ ملفات حيوية مُزمنة طال انتظارها على رصيف الشغور والفراغ والانقسام. فبعد 24 ساعة على إقرار سلسلة الرتب والرواتب بما هو من إنجاز وطني ونقابي وازن في سلة «العهد والحكومة ومجلس النواب» كما نوّه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أمس، عاد التضافر الحكومي ليسجّل إنجازاً جديداً أمس تمثّل بإقرار مجلس الوزراء حزمة تعيينات ديبلوماسية واسعة «لم يشهد لبنان حجمها منذ ربع قرن» وفق ما عبّر وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لـ«المستقبل» في معرض الإعراب عن سروره بهذا الإنجاز، سيما وأن هذه التعيينات أنهت زمناً طويلاً من الشغور المتراكم في عدد من مراكز التمثيل الديبلوماسي اللبناني على مستوى العالم.

وبينما شهدت جلسة قصر بعبدا توافقاً جامعاً في الجوهر على سلة التعيينات والترفيعات والمناقلات الديبلوماسية التي أقرت، غير أنها سجلت في الوقت عينه تحفظاً «في المبدأ» على شكل إقرار هذه السلة أبداه كل من وزراء «المردة» و«القوات اللبنانية» ربطاً باعتراض كل من الطرفين على عدم تعميم لائحة أسماء الديبلوماسيين المعيّنين مسبقاً على الوزراء قبل 48 ساعة من انعقاد الحكومة، ونقلت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ باسيل أبدى خلال الجلسة استغرابه للتحفظ «القواتي» لكونه سبق أن أخذ بمطالب «معراب» إزاء التعيينات المقرّة (ص 2 - 3). إلى ذلك، كشفت المصادر عن تعيين مجلس الوزراء أمس العميد الياس الخوري مديراً عاماً بالوكالة لمديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات خلفاً للمديرة العامة السابقة سوزان الخوري حنا التي وضعت بتصرّف رئيس الحكومة، موضحةً أنّ «قرار تنحية الخوري جاء لأسباب صحية». 

وفي الاستهلاليتين الرئاسيتين، برز التشديد على أهمية إنجاز ملف الموازنة العامة، فكان تذكير من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأولويتها متمنياً «لو أنها كانت أقرت قبل السلسلة لتحديد إيرادات الدولة وأبواب الإنفاق» مع دعوته في هذا السياق إلى «تحسين الإيرادات المالية للدولة حتى لا تزداد الديون وتضعف إمكاناتها المادية»، بينما أعرب رئيس مجلس الوزراء عن أمله في «أن ينتهي درس الموازنة في لجنة المال والموازنة النيابية خلال الأسبوعين المقبلين ليعمد مجلس النواب إلى درسها وإقرارها خلال الأسابيع القليلة المقبلة»، مشيراً إلى أنّ «الحكومة باشرت من خلال إقرار السلسلة في إطلاق عملية إصلاحية كبرى تشمل كل القطاعات وكل إدارات الدولة ومؤسساتها بهدف وضع هيكلية جديدة تُحسّن الأداء وتضبط الإنفاق وتواكب الحداثة والتطور».

وفي بيان مقررات جلسة الأمس، لفت الانتباه تضمينه دعوة مجلس الوزراء إلى «وقف كل حملات التحريض ضد النازحين السوريين وإلى ضرورة التمييز بين الذين يرتكبون أعمالاً مخلّة بالأمن، وهؤلاء تتولى الأجهزة الأمنية ملاحقتهم، وبين النازحين الآمنين الذين ينتظرون عودة الهدوء إلى وطنهم للعودة إليه». في وقت حذر الحريري من خطورة الحملات التي تشهدها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وردود الفعل التي صدرت حيالها، ولفت إلى أنه اتضح وقوف «جهات مشبوهة» وراء الموقع الذي دعا السوريين إلى التظاهر وأنّ القوى الأمنية نجحت في توقيف الذين قاموا بممارسات لا تأتلف مع قيم اللبنانيين وأخلاقهم، داعياً إلى التنبه من مثل هذه الحملات التي تنعكس سلباً على الاستقرار العام في البلاد.

وعن ملف المساعدات للنازحين، أبلغ الحريري مجلس الوزراء أنّ هذا الملف سيكون من ضمن المواضيع التي سيبحثها مع المسؤولين الأميركيين خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، بهدف معرفة ما سيؤول إليه الوضع في سوريا الذي أمل انتهاءه «بأسرع وقت ممكن لا سيما وأن النازحين يريدون العودة إلى بلادهم اليوم قبل الغد، ونتمنى أن يتحقق لهم ذلك وتسمح الأمم المتحدة لهم بالعودة الآمنة إلى أراضيهم». وكان رئيس مجلس الوزراء قد قام مساء الأربعاء بزيارة إلى جدة في المملكة العربية السعودية، حيث التقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ثم عاد صباح أمس إلى بيروت.

 

الديار :

فيما يغرق اللبنانيون المستفيدون من سلسلة الرتب والرواتب، وغير المستفيدين منها، في اجراء حسابات الربح والخسارة، وفي وقت تقاسمت القوى السياسية الممثلة في مجلس الوزراء التعيينات الديبلوماسية، تتكشف فصول جديدة من ابعاد وتداعيات معركة الحسم في الجرود.. «فالزحف» لتحريرها ان لم يكن قد بدأ على نطاق واسع مساء امس، فهو سيبدأ خلال ساعات، اذا لم يقبل المسلحون التسوية. معركة «التطهير» «نضجت» ولم يعد التأخير مجديا، آخر عمليات الاستطلاع «بالنار» بدأت قبل منتصف الليل، بشكل عنيف من قبل سلاح المدفعية والراجمات التابعة لحزب الله فتم استهداف مواقع المسلحين في وادي العويني ووادي الخيلفي جرود عرسال، فيما شن الطيران السوري غارات مكثفة على مواقع قيادية وعملانية للمسلحين، وسط معلومات عن سيطرة مقاتلي حزب الله بعد منتصف الليل على منطقة الكسارات و3 مراكز لـ«جبهة النصرة» في وادي العويني في جرود عرسال، وكذلك على نقطتين استراتيجيتين في جرود فليطا.
المساحة الزمنية التي تم منحها مساء لم تكن للتفاوض وانما للقبول بالشروط او رفضها، فالتفاوض توقف منذ اسبوع، والوساطات لم تعد خلال الايام القليلة الماضية في اطار تبادل المطالب، بل في اطار معادلة اما الرضوخ للتسوية او اختيار طريق «الانتحار»... لكن يبقى السؤال الاهم: «على ماذا يراهن امير «جبهة النصرة» ابو مالك التلي؟ خصوصا ان «الوظيفة» السياسية لمجموعته المسلحة القاضية بإسقاط النظام السوري قد انتفت وباتت جزءا من الماضي... فهل حصل على «وظيفة» جديدة وكان يعول على مشغليه الجدد لحمايته في الجرود؟
اوساط معنية بملف الجرود اكدت ان الساحة السورية تشهد تقلبات جذرية في موازين القوى الداخلية، وفي تداخل الحسابات الخارجية التي ازدادت تعقيدا بفعل الخلافات الخليجية الاخيرة، والتفاهمات الاميركية- الروسية وكذلك التفاهمات الايرانية -التركية - الروسية. هذه العوامل ادت الى خلط الاوراق والتحالفات وبرزت خارطة مصالح متضاربة بين اصدقاء الامس، ما انعكس بشكل مباشر على الفصائل والمجموعات المسلحة التي دخلت مجددا في اتون حرب «الاخوة» في الشمال السوري والغوطة الشرقية، في انعكاس مباشر للخلاف بين قطر والسعودية والامارات.
 

 

 استثمار اسرائيلي


ووفقا للمعلومات، منذ نحو العام والنصف اصبحت مجموعة ابو مالك التلي في الجرود جزءا مما تعتبره اسرائيل امتداداً حيويا لنفوذها في مواجهة حزب الله، وبات جزء من استثمارها في المجموعات السورية المسلحة على طول الحدود مع الجولان السوري، فمنذ ان بدأت اسرائيل تعمل بجهد كبير للتواصل مع المسلحين تحت عنوان «جيرة جيدة» على طول الحدود جنوب سوريا، دخل في سياق اهتمامها تطويق حزب الله من الجهة الشرقية للحدود اللبنانية، وبما ان الاستثمار في «داعش» صعب  «التسويق» فتحت خطوط التواصل مع امير جبهة النصرة في القلمون عبر الاستخبارات القطرية التي عملت على «تعبيد الطريق» امام هذه العلاقة «المصلحية» خصوصا خلال العام المنصرم حين ايقن التلي ان «المظلة» الاقليمية السابقة لم تعد قادرة على حمايته والمحافظة على دوره ووافق على الدخول ضمن منظومة دعم الاستراتيجية الاسرائيلية القائمة على خلق جبهة معادية في «الحديقة الخلفية» لحزب الله.
بعد التفاهم الروسي -الاميركي في الجنوب السوري، خرجت اسرائيل عن «طورها» وعبر رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو صراحة عن رفضه للتفاهم لانه لم يراع المصالح الاسرائيلية، ووفقا لتقارير الاجهزة الامنية الاسرائيلية فان المشروع الاسرائيلي الذي تعاظم خلال السنة الاخيرة من خلال اقامة بنية تحتية استخباراتية على الحدود اللبنانية الشرقية، بات معرضا للانهيار بعد «الصفقة» الاميركية - الروسية في الجنوب، وتبين للاسرائيليين ان الاميركيين لم يبالوا من خلال دعمهم للجيش اللبناني بالمصالح الاسرائيلية، وكذلك لم يبدوا اي اهتمام للتنسيق الميداني بين المؤسسة العسكرية وحزب الله، واتضح ايضا ان التفاهم في الجنوب السوري على وقف النار لن ينطبق على الحدود الشرقية، اي ان الامور تتجه الى الاسوأ، خصوصا ان حزب الله وعبر الجانب الايراني ابلغ الروس بأن بقاء هذه البؤرة غير مقبول ولن يسمح بأن تكون الحدود اللبنانية مع سوريا جزءا من اي تفاهمات تبقي المسلحين في مواقعهم، وبالتالي فان اسرائيل التي قدمت العلاج لاكثر من 4000مسلح سوري، و55 طناً من الالبسة ، وحوالى 12 طنا من الاحذية، و250 طناً من المواد الغذائية، و465 الف ليتر من الوقود للمعارضة السورية، ترى انها امام خسارة جديدة لاحد حلفائها الموضوعيين على الحدود اللبنانية.
 

 حسابات خاطئة


ووفقا للمعلومات، فان «التلي» استمر حتى الساعات الاخيرة يراهن على قدرة الاسرائيليين بفرض «خطوط حمراء» تمنع حزب الله والجيش السوري من القيام بعملية عسكرية في الجرود، على الرغم من فشل الاتصالات مع الروس، وكذلك عدم اعطاء الاميركيين اهتماما كبيرا للمطالب الاسرائيلية، خوفا من انهيار التفاهمات مع موسكو في مناطق أخرى. اما بالنسبة للاسرائيليين فكانت اطلالة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الاخيرة، حاسمة في تأكيد عدم وجود اي احتمال لتراجع حزب الله عن الحسم، خصوصا ان الاستعدادات على الارض قد اكتملت، والمسح  الجوي والاستخباراتي لمنطقة العمليات اكد هذا الامر، وجاءت التغطية السياسية الداخلية لعملية الجرود لتؤكد ان الحزب بات مرتاحا على المستوى الداخلي، وغير مقيد بأي حسابات داخلية تمنع انطلاق العملية العسكرية.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان اسرائيل لم يعد لديها خيار لحماية «حليفها» الا عبر التدخل المباشر في مسرح العمليات، لكن هذا الامر مكلف ودونه مخاطر كبيرة لا تستطيع القيادة الاسرائيلية تحملها، لكن سبق وغامر الاسرائيليون بغارات جوية منتقاة في منطقة القلمون بحجة استهداف شحنات اسلحة «كاسرة للتوازن» تابعة للمقاومة، وهذا الامر قابل التكرار، وقد حصل امر مشابه له في معارك الجيش السوري مع المجموعات المسلحة قرب الجولان المحتل، حيث دخلت اسرائيل مباشرة على خط المواجهات لحماية المسلحين من الانهيار بذريعة سقوط قذائف في المناطق المحاذية للعمليات العسكرية.
 

 «مناورات صامتة»  


وفي هذا السياق، تفيد المعلومات ان قيادة حزب الله لم تسقط من حساباتها العامل الاسرائيلي في معركة الجرود، وهي تدرك جيدا تلاقي مصالح الطرفين عند نقطة العداء للمقاومة، وتملك المقاومة معلومات عن حجم تورط المسلحين مع الاستخبارات الاسرائيلية، ولذلك لم يترك هذا الملف دون معالجة موضوعية على الارض، وقد شاهد الاسرائيليون «بأم العين» عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، ما يمكن اعتباره «مناورات صامتة» جرت خلال الاسبوعين الاخيرين، الهدف الرئيسي منها كان ايصال «رسالة ردع» واضحة بأن المقاومة جاهزة لكل الاحتمالات، وتجهيزها لمعركة الحدود الشرقية لا يعني ابدا اهمال الجبهة الجنوبية، واي تدخل اسرائيلي لقلب مسار الامور سيكون مكلفا لانه لن يبقى دون رد مناسب... وفي هذا الاطار يمكن فهم تكثيف قوات اليونيفل انشطة مراقبتها ودورياتها على الحدود، خصوصا عند نقاط الخط الازرق المتقاربة.
 

 مجلس الوزراء


وفي عملية لا تخلو من «محاصصة» مفضوحة انجز مجلس الوزراء التعيينات والتشكيلات الوزارية التي مرت مع تسجيل ملاحظات شكلية، من قبل وزراء القوات اللبنانية والوزير علي قانصو الذين اعترضوا على عدم تبلغهم الاسماء قبل 48 ساعة، وهو ما يشكل مخالفة قانونية واضحة... بدورها اكدت الوزيرة عناية عزالدين انها اطلعت على التشكيلات من الصحف، فيما عبر الوزير حسين الحاج حسن عن رضاه على ما انجز، وكذلك الوزير علي حسن خليل، فيما استغرب الوزير جبران باسيل اعتراض القوات اللبنانية، مؤكدا ان جميع الافرقاء سبق واطلعوا على التشكيلات!.
وعين مجلس الوزراء السفير هاني شميطلي امينا عاما لوزارة الخارجية، وغدي خوري مديرا للشؤون السياسية والسفير كنج الحجل مديرا للشؤون الادارية والمالية. 
 فيما، أرجأ المجلس البت في موضوع تعيين مدير عام التعاونيات. وطلب الوزير غازي زعيتر ارجاء البت في موضوع غلوريا ابو زيد لاسبوعين، ووفقا للمعلومات فإن مشاورات جانبية حصلت بين الوزير فنيانوس وزعيتر والوزير علي حسن خليل ادت الى طلب زعيتر ارجاء بت  الموضوع.
 

 تحذيرات عون


وفي مستهل الجلسة، اطلع رئيس الجمهورية ميشال عون الوزراء على كتاب ورده من المنسق المقيم للامم المتحدة في لبنان فيليب لازاريني حول وجود مؤشرات لانخفاض مساهمات الدول في خطة مساعدات النازحين، مؤكدا وجود حاجة لخطة طارئة لتمويل اضافي من اجل الحؤول دون حصول تدهور في الخدمات الاساسية التي تقدم للنازحين.
كما لفت عون الى أنه كان يفضل ان تقر الموازنة قبل السلسلة لتحديد المداخيل والنفقات وفي ضوء ذلك تحدد حاجاتهم المالية لتحسين الايرادات المالية للدولة ومن ضمنها التشدد في تطبيق القانون الخاص بمنع التهرب الضريبي، مطالبا بتحقيق كامل في أوضاع الجمعيات الوهمية التي تنال مساعدات من الدولة... 
من جهته، اعتبر الحريري أن إقرار السلسلة إنجاز يسجل لعهد الرئيس عون وللحكومة ولمجلس النواب. وأعرب عن أمله في أن تنجز دراسة الموازنة خلال الاسبوع المقبل على ان يناقشها المجلس ويقرها خلال الأسابيع المقبل. وفي ملف النازحين، أكد الحريري انه سيثير خلال زيارته واشنطن موضوع النازحين، مشددا على ان عودة النازحين الى أماكن آمنة في سوريا امر يتم بحثه مع الامم المتحدة التي تحدد متى يتم السماح بعودتهم. من جهته، تطرق وزير الإعلام ملحم الرياشي الى ملف تلفزيون لبنان قائلا «تعيينات تلفزيون لبنان تنتظر تسمية التيار الوطني الحر من يمثله وستثبت الآلية جدواها في هذه التعيينات».

 

 

الجمهورية :

الواقع الداخلي يتحرك على إيقاع سلسلة الرتب والرواتب وارتداداتها على مختلف القطاعات المربوطة بها، والجو العاصف الذي يقابلها من الهيئات الاقتصادية التي تحذّر من تداعيات شديدة السلبية على المالية العامة، فيما هو مرشّح خلال فترة وجيزة لأن يتحرّك على إيقاع السلسلة الشرقية في ظل الحدث الأمني ضد المجموعات الارهابية في منطقة جرود عرسال، حيث تؤشّر المعطيات الامنية الى دخول المنطقة حَيّز العد التنازلي الفعلي، وهو ما أكدته مصادر حزبية معنية بهذا الحدث لـ«الجمهورية»، وقالت: «الساعات الـ72 المقبلة حاسمة، خصوصاً أنّ المفاوضات التي كانت جارية حول المنطقة انتهت، وبالتالي الظروف الميدانية اكتملت من كل النواحي. وشدّدت في الوقت ذاته على أن ما يُقال عن توقيت العملية العسكرية في الجرود بالتزامن مع زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى الولايات المتحدة الاميركية لا يمتّ الى الواقع بصِلة، خصوصاً انّ هذه العملية هي استكمال للعملية التي قام بها «حزب الله» في القلمون الغربي، وتمّ تأجيل تنظيف القسم الباقي في هذه المنطقة من الارهابيين جرّاء الجو السياسي والطائفي والمزايدات التي أثيرت آنذاك، واليوم الوضع مغاير تماماً لِما كان سائداً آنذاك، والجميع في جو العملية القائمة لا محالة من رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة والى سائر المستويات السياسية والأمنية».

ظلت السلسلة في صدارة المشهد الداخلي، ولا يبدو الخلاف عليها محكوماً بسقف زمني، مع الحديث عن تحرّك تصعيدي للهيئات الاقتصادية. واذا كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كرّر تمنّيه لو انّ الموازنة أقرّت قبلها لتحديد إيرادات الدولة وابواب الانفاق، ودعا الى التشدّد في تطبيق القوانين ذات الصلة بالرقابة والايرادات، ومعاقبة التهرب من دفع الضريبة، وجّه اليه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل رسالة ناشَدهُ فيها ردّ قانون الضرائب الذي أقرّه مجلس النواب في جلسته التشريعية أمس الاول، «وذلك لإنقاذ الاقتصاد وذوي الدخل المحدود».

ووصف الجميّل كلام رئيس الجمهورية عن أنه كان يفضّل إقرار الموازنة والايرادات قبل السلسلة، بأنه في مكانه السليم، وقال: «موقف رئيس الجمهورية أساسي لرَدّ البوصلة الى المكان الصحيح».

وإذ جَدّد الدعوة الى وقف مكامن الهدر والفساد وضبط مالية الدولة، رأى «انّ هناك طريقتين لإيقاف الجريمة؛ ردّ القانون الى المجلس والطعن بالقانون. وقد بدأنا بالخطوة الاولى قبل ان نلجأ الى التدبير الثاني، لأنّ طريقة إقرار الضرائب كانت مخالفة للدستور وللنظام الداخلي لمجلس النواب».

برّي

في هذا الوقت، لفتَ هجوم رئيس مجلس النواب نبيه بري على مَن وصفهم بـ«الحيتان»، وقال أمام زوّاره: «السلسلة هي الانجاز الأهم الذي يشهده لبنان منذ سنوات طويلة. وأعود وأكرر انّ هذه السلسلة لا تطال الفئات الشعبية او الفقيرة خلافاً لِما يجري ترويجه من بعض الحيتان التي تحرّكت للتشويش على هذا الانجاز.

لن نتأثر بكل ما يقال، المهم انّ السلسلة أنجِزت، لكن ما يجب ان يكون معلوماً هو انّ الأمر لم ينته ولا يجب ان ينتهي هنا، بل يفترض ان يستكمل بالتوجيه من قبلنا جميعاً وتحديداً الحكومة الى المهمة الكبرى في منع مسارِب الهدر ووقف الفساد وكل ما يعيق حركة نمو البلد. اقترب ان أقول إننا بحاجة الى ما يشبه حالة طوارىء للإنقاذ الاقتصادي والمالي، وكل ما يتّصِل بذلك».

الحريري

واعتبر الحريري، العائد من السعودية بعد زيارة قصيرة التقى خلالها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «انّ إقرار السلسلة هو إنجاز للعهد وللحكومة ولمجلس النواب»، وأمل في أن ينتهي درس الموازنة خلال الاسبوعين المقبلين، بحيث يعمد مجلس النواب الى درسها وإقرارها في الاسابيع المقبلة.

جابر لـ«الجمهورية»

وقال النائب ياسين جابر لـ«الجمهورية»: «تمويل السلسة جاء من مصادر لا تمسّ بذَوي الدخل المحدود. وبعدما أُقرّت، يجب ان يتم التوجّه نحو إصلاح مالي حقيقي ليتمكّن البلد وتتمكّن الخزينة من أن تتجاوز تأثيرات السلسلة وتكلفتها في المرحلة القادمة، فالاصلاح المالي أكثر من ضروري، وهذا يعني ان تكون هناك ورشة كاملة وجدية لهذا الاصلاح، ومن دون ذلك انا أخشى في حالة عدم الاصلاح المالي ان يكون لبنان ساعتئذ في خطر حقيقي».

التشكيلات

وبعد طول انتظار، أقرّ مجلس الوزراء التشكيلات الديبلوماسية وشملت مجموعة من المراكز، حيث أجرى «نَفضة» واسعة هي الاولى بهذا الحجم، وشملت 74 مركزاً وزّعت على سفارات عربية واجنبية. وأُبقي البعض في مراكزهم، وتمّ التوافق على ما يزيد عن 40 إسماً جاؤوا ضمن التسويات التي يشهدها عهد التفاهمات.

وعلى رغم اعتبار اكثر من وزير ما جرى بأنه انجاز جديد يُسَجل للحكومة، تمسّك بعض الوزراء بمواقفهم الاعتراضية وباعتبار هذا الامر بأنه لم يكن سوى محاصصة وتوزيع مغانم بين القوى السياسية الحاكمة.

وعلمت «الجمهورية» أنّ بعض الوزراء اعترضوا خلال الجلسة على عدم إشراكهم في المشاورات التي حصلت حول التشكيلات الدييلوماسية، وعلى ما سمّوها سياسة «إسقاط التفاهمات» على مجلس الوزراء، بعد إجرائها خارجه، من دون ان يطّلع عليها الوزراء مُسبقاً عليها، او حتى من دون ان يكون لهم عِلم بها.

وعلمت «الجمهورية» انّ الوزير يوسف فنيانوس توجّه الى الوزير جبران باسيل داخل الجلسة بالقول: «هل يصحّ نحن كوزراء ان نطّلع على الاسماء من خلال احدى الصحف؟ وماذا عن الربط بينها وبين معركة الرئاسة المقبلة؟

الّا أنّ باسيل لم يعلّق بداية، وتولى الرد الوزير يعقوب الصرّاف، ليعود باسيل فيقول: «هذا غير صحيح، لا دخل للمعارك الرئاسية، وليس هكذا تُدار». وأدى هذا الحوار الى توتر الاجواء بعض الشيء قبل ان تعود الى طبيعتها.

وانتهى النقاش الى إخراج سلة التشكيلات على النحو الآتي:

فادي الحاج علي - بروكسل، رامي عدوان - باريس، رامي مرتضى - لندن، شوقي بو نصار - موسكو، ميرا ضاهر - روما، جوني ابراهيم - الفاتيكان، مصطفى أديب - برلين، هالة كيروز - مدريد، سليم بدورة - جنيف، غسان المعلم - أنقرة، إبراهيم عساف - فيينا، كلود الحجل - قبرص، أمال مدللي - بعثة لبنان في الأمم المتحدة، سحر بعاصيري- اليونيسكو، غابي عيسى - واشنطن، فادي زيادة - أوتاوا، سامي النمير - المكسيك، يوسف صياح - برازيليا، نمير نور الدين - كوبا، حسن حجازي - باراغواي، طوني فرنجية - تونس، تريسي شمعون - الأردن، فوزي كبارة - السعودية، علي الحبحاب - بغداد، ريان سعيد - الكويت، فؤاد دندن - أبو ظبي، نضال يحيى - ليبيا، محمد الحسن - الجزائر، ألبير سماحة - عُمان، ميلاد نمور - البحرين، حسن عباس - طهران، أسامة خشاب - كينشاسا، حسام دياب - نيجيريا، الين يونس- الغابون، سامي حداد- السنغال، بريجيتا العجيل- سيراليون، ماهر خير- غانا، قبلان فرنجية- جنوب افريقيا، هنري قسطون- ليبيريا، عبير طه- كونغوالديموقراطية، نضال احمد يحي- اليابان.

كذلك عيّن المجلس مدير عام الشؤون السياسية في وزارة الداخلية وامين سر مجلس الامن المركزي العميد الياس خوري، مديراً عاماً للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية.

مصادر وزارية

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ أجواء الجلسة كانت هادئة جداً باستثناء المشادّة التي حصلت بين فنيانوس وباسيل. وفي حين اكدت «انّ هذه الاجواء احياناً تجعل من جلسات الحكومة منتجة»، إنتقدت بشدة «التغاضي عن بعض الصفقات بحجة تجنّب الخلافات».

وسألت: «كيف يطلب التلزيم بطريقة استدراج عروض «شورت ليست» لمشاريع كبيرة من دون ان تكون مفتوحة لجميع الشركات، فيصبح التلزيم وكأنه بالتراضي مثل كاسر الموج وطريق الطفيل وقب الياس ـ عانا وقيمته 42 مليار ليرة و500 مليون؟». كما سألت «أين اصبح ملف البواخر الذي أحيل الى ادارة المناقصات؟ وما هو مصير آلية التعيينات التي قيل انها ستبتّ في جلسة الامس»؟

ابو زيد

وكان من المتوقع ان تشهد الجلسة توتراً آخر عند طرح البند المتعلق بالشأن الوظيفي لمديرة التعاونيات في وزارة الزراعة غلوريا ابي زيد، الّا انه
وعند الوصول الى هذا البند فوجىء الجميع بأنّ وزير الزراعة غازي زعيتر طلب سَحب البند واستمهلَ المجلس أسبوعين لدراسة بعض المراجعات التي وردته في هذا الاطار.

وقال زعيتر لـ«الجمهورية» انه «طلب التأجيل بناء لرغبة البطريرك الماروني، لكن بالنهاية على مجلس الوزراء ان يأخذ قراراً بتسوية وضع ابو زيد القانوني بعيداً من اي حسابات».

«القوات اللبنانية»

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ اعتراضها على الآليّة التي تَمّت فيها التعيينات الديبلوماسية لا ينفي ضرورة حصولها من أجل تزخيم الجسم الديبلوماسي، ورَفده بالنخَب والطاقات، وإعادة الحيوية إلى هذه المواقع المهمة.

وكان الوزير بيار بو عاصي ردّ على استغراب الوزير باسيل موقف «القوات» على رغم تزكية الأسماء التي اقترحتها، بالقول انّ الوزير او الحكومة مجتمعة باعتبارها السلطة التنفيذية، يجب، وفق الدستور، ان تكون مطّلعة على كافة الأسماء لا أن تعرض عليها الأسماء في اللحظات الأخيرة.

واوضحت المصادر انّ بو عاصي «سجّل اعتراضه على طلب وزارة الاشغال صيانة كاسر الموج عبر استدراج العروض، داعياً إلى إجراء مناقصة كون لا صفة معجّل مكرّر للمشروع تستدعي استدراج العروض، كما دعا إلى التأكد من العقد كون الشركة المشغّلة ملزمة إجراء الصيانة».

واشارت الى «انّ وزراء «القوات» طالبوا وزير الطاقة سيزار ابي خليل إعادة التفاوض مع الاستشاري الدولي من أجل تقصير المدة التي تتطلّبها شراكة القطاعين العام والخاص لبناء المعامل من 36 شهراً إلى 24، بحيث تكون العقود جاهزة للتوقيع مع الشركات المنتجة للطاقة بعد سنتين كحد أقصى. ورداً على مطالبة «القوات» و«المردة» إبقاء غلوريا أبو زيد في موقعها، طلب تأجيل الموضوع لأسبوعين بناء لتمنّي البطريرك الماروني ورئيس الجمهورية».

 

 

اللواء :

خطفت المعلومات التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي عن بدء العملية العسكرية في جرود عرسال الأنظار ليلاً، على وقع تحذيرات أميركية جاءت على لسان السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي من ان حزب الله يُعزّز ترسانته من الأسلحة، مطالبة بعد لقاء مبعوثة الأمم المتحدة إلى لبنان سيغريد كاغ، عشية اجتماع مجلس الأمن الدولي لمناقشة إحاطة حول القرار 1701 وبعثة حفظ السلام التابعة للمنظمة الدولية (اليونيفل) العاملة في جنوب لبنان، بأن يولى المجتمع الدولي سلاح الحرب الاهتمام، والضغط عليه لنزع هذا السلاح، لمنع التصعيد في التوترات الإقليمية، والكف عن السلوك المزعزع للاستقرار وبخاصة تجاه إسرائيل.
وفي الإطار نفسه، شدّد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس على «ضرورة نزع سلاح «حزب الله» في لبنان، والعمل على الحفاظ على الزخم السياسي الإيجابي الذي تحقق مؤخراً لتعزيز قدرة البلد على مواجهة التحديات.
التعيينات الدبلوماسية
سياسياً، مثلما كان متوقعاً، أنجز مجلس الوزراء «صفقة» التعيينات الدبلوماسية، مستنداً إلى توافق القوى السياسية على الأسماء التي شملتها، وتم بموجبها ملء المراكز الشاغرة في 74 سفارة، لا سيما في عواصم القرار الدولي والامانة العامة للخارجية التي اسندت للسفير هاني إبراهيم شميطلي، لكن الصفقة لم تمر من دون اعتراض من وزراء «القوات» و«المردة» رغم ان «حصتهم» كانت ملحوظة في التعيينات أو المناقلات، غير ان الاعتراض كان على الشكل وليس على الأسماء، لأنهم لم يطلعوا عليها مسبقاً، بحسب النظام الداخلي لمجلس الوزراء، ولا سيما بالنسبة للسفراء الذين عينوا من خارج الملاك.
وأوضحت مصادر وزارية، ان الجلسة بشكل عام كانت هادئة، باستثناء تسجيل نوع من التلاسن بين وزير الخارجية جبران باسيل ووزير الاشغال يوسف فنيانوس الذي اعترض على قراءة الأسماء في الصحف قبل الاطلاع عليها في مجلس الوزراء، وكذلك بين باسيل والوزير «القواتي» بيار بو عاصي الذي شدّد على ضرورة العودة لآلية التعيينات المعتمدة في كل شيء، فرد عليه باسيل معاتباً: «منيح أنو طالعلكن حدن»، في إشارة إلى معرفته بأحد الأسماء المرشحة للتعيين.
ونصت التشكيلات الدبلوماسية على تعيين السفراء هاني شميطلي أميناً عاماً لوزارة الخارجية وغدي خوري مديراً للشؤون السياسية وكنج الحجل مديراً للشؤون الإدارية والمالية، كما شملت تعيين 7 سفراء من خارج الملاك، وهم: ترايسي داني شمعون في الأردن، فوزي كبارة في المملكة العربية السعودية، سحر بعاصيري في الأونيسكو، رامي عدوان في باريس، غابي عيسى في واشنطن، محمّد محمود حسن في الجزائر وفؤاد دندن في الإمارات.
وعلم ان «تخريجة» تعيين عدوان الذي كان يعمل مديراً لمكتب باسيل جرت بعد ان كان الأخير قدم استقالته من ملاك السلك الدبلوماسي قبل أيام لعدم إمكانية ترفيعه من الفئة الثالثة إلى الفئة الأولى، فعين من خارج الملاك.
كما شملت التشكيلات مناقلات بين 58 سفيراً في الخارج، فيما عاد 12 سفيراً من الخارج إلى الداخل، بينهم 8 إلى الإدارة المركزية، واحيل السفير نواف سلام الذي يرأس بعثة لبنان في الأمم المتحدة إلى التقاعد وحلت مكانه السفيرة امال مدللي التي اعتبرت من حصة تيّار «المستقبل» إلى جانب بعاصيري وفوزي كبارة، وبقي السفير شوقي بو نصار في موسكو من حصة النائب وليد جنبلاط، في حين تمثلت حصة الرئيس برّي بنقل ابنته فرح من دمشق إلى الإدارة المركزية، مع انعام عسيران وحسن سعد ونقل رامي مرتضى إلى لندن.
ولاحظ أحد الوزراء ان حصة السيدات كانت واضحة، من ضمن «الكوتا» متفق عليها وهي شملت السفيرات: شمعون وبعاصيري وآمال مدللي، وميرا ضاهر وهالة كيروز وعبير طه.
إلى جانب موضوع التعيينات الدبلوماسية، علم ان مجلس الوزراء عين العميد الياس خوري مديراً عاماً للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية، بناء لاقتراح الوزير نهاد المشنوق، خلفاً للسيدة سوزان الخوري حنا التي وضعت بتصرف رئيس الحكومة.
أزمة النازحين
وكانت الجلسة استهلت بمداخلة من الرئيس عون الذي اطلع الوزراء على كتاب ورده من المنسق المقيم والإنساني للأمم المتحدة في لبنان فيليب لازاريني، أشار فيه إلى وجود مؤشرات على انخفاض مساهمات الدول في خطة مساعدة النازحين، وأن مساهمات العام 2017 هي أقل من مساهمات العام 2016، مع غياب الرؤية الواضحة للعام 2018.
وفتح تلاوة هذا الكتاب الباب امام نقاش بين الوزراء، طاولت في بعض جوانبها حملات التحريض ضد النازحين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الحملات التي يتعرّض لها الجيش.
فدعا الرئيس الحريري إلى التنبه من هذه الحملات، مؤكداً انها تنعكس سلباً على الاستقرار العام في البلاد، مشيراً إلى ان موضوع مساعدة النازحين سيكون من ضمن المواضيع التي سيبحثها مع المسؤولين الأميركيين خلال زيارته إلى واشنطن التي تبدأ اليوم، وذلك بهدف معرفة ما سيؤول إليه الوضع في سوريا، والذي نأمل ان ينتهي بأسرع وقت ممكن، لا سيما وأن النازحين يريدون العودة إلى بلادهم اليوم قبل الغد، ونتمنى ان يتحقق لهم ذلك وتسمح لهم الأمم المتحدة بالعودة الآمنة إلى أراضيهم.
وأعلن وزير الإعلام ملحم رياشي في المقررات الرسمية ان المجلس دعا إلى وقف كل حملات التحريض ضد النازحين السوريين، مشدداً على ضرورة التمييز بين الذين يرتكبون اعمالاً مخلة بالأمن وهؤلاء تتولى الأجهزة الأمنية ملاحقتهم، والنازحين الآمنين الذين ينتظرون عودة الهدوء إلى وطنهم للعودة إليه.
تداعيات الجلسة
في هذا الوقت، بقيت تداعيات إقرار سلسلة الرتب والرواتب مع الضرائب التي تمّ فرضها لإيجاد مصادر تمويلها، في صدارة الاهتمام الرسمي والهموم الشعبية، لا سيما بعد ان ظهرت أولى تداعياتها بارتفاع أسعار السلع المعيشية، والتلويح بزيادات في أقساط المدارس، وتضامن القضاة الشرعيين مع القضاة العاديين في إعلان التوقف عن العمل، حتى يتم تصحيح أوضاعهم.
وفيما التزم القطاع المصرفي بالصمت، واصل رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل حملته على السلسلة ومعارضته للضرائب الجائرة على الطبقات الشعبية، طالباً من الرئيس عون رد قانون الضرائب الى المجلس النيابي لاعادة درسه، وتلويحه بتقديم طعن بالقانون امام المجلس الدستوري، معترفاً بأنه من الصعوبة ايجاد خمسة نواب آخرين للانضمام الى نواب الكتائب الخمسة لتأمين المخرج القانوني لتقديم الطعن، مع ان النائب خالد الضاهر اعلن استعداده للانضمام الى النواب الراغبين بالطعن في القانون.
واشار الجميل الى ان كل الضرائب التي اقرت بحسب دراسات الجامعة اللبنانية تفيد بأن القدرة الشرائية للمواطن ستنخفض بين 10 و20 في المائة، وان مائة الف لبناني سينزلون تحت خط الفقر بسبب الضرائب وT,VA,، معرباً عن خوفه من ان يكون هدف الضرائب تعبئة الخزينة من اجل الحملة الانتخابية للسلطة، وقال اذا كان ارئيس عون مقتنعاً بما قاله في الاعلام من انه كان يفضل اقرار الموازنة قبل السلطة، فيجب رد القانون.
في المقابل، انبرى الرئيس بري الدفاع عن السلسلة، معتبرا انها «الانجاز الاهم الذي يشهده لبنان منذ سنوات طويلة»، مؤكدا انها «لا تطال الفئات الشعبية خلافاً لما تروجه بعض «الحيتان» التي تحركت للتشويش على هذا الانجاز».
وابلغ الرئيس بري زواره امس، انه «لن يتأثر بما يقال، لان المهم ان السلطة انجزت»، لكنه دعا الحكومة الى القيام بمهمتها الكبرى، وهي منع مسارب الهدر ووقف الفساد، مشيرا الى اننا «بحاجة الى ما يشبه حالة طوارئ للانقاذ المالي والاقتصادي».
وكان بري اكد في بيان وزعته مكتبه صباحا ان «حيتان المال تتحرك في بحر لبنان الهادي»، وقال: «فتش عن الذين يريدون الغنم ولا يقبلونه حتى بالمساهمة في الغرم، كي لا يكون دولة بين الاغنياء، السلسلة ربح ليس فقط للناس بل لخزينة الدولة».
ولم يغب موضوع السلسلة عن اجتماع مجلس الوزراء، ولا عن اجتماعات الكتل النيابية، لا سيما كتلتي المستقبل والوفاء للمقاومة، ولا ايضا عن الوزراء، وفيما اشار الرئيس عون الى انه كان يتمنى لو كانت الموازنة اقرت قبل السلسلة لتحديد ايرادات الدولة وابواب الانفاق، داعيا الى تحسين الايرادات المالية للدولة حتى لا تزداد الديون وتضعف امكاناتها المادية، اعتبر الرئيس الحريري ان اقرار السلسلة «انجاز» للعهد وللحكومة ولمجلس النواب، معربا عن امله في ان ينتهي درس الموازنة في لجنة المال والموازنة النيابية خلال الاسبوعين المقبلين، بحيث يعمد المجلس الى درسها واقرارها خلال الاسابيع القليلة المقبلة.
تصعيد قضائي
في التحركات ، لبى الجسم القضائي دعوة مجلس القضاء الاعلى القضاة العدليين للاعتكاف الى حين اجراء المعالجة التشريعية في خصوص ما ورد في قانون سلسلة الرتب والرواتب.
واعلن مجلس القضاء الشرعي الاعلى تضامنه واعتكاف قضاته في المحاكم الشرعية السنية والجعفرية في مكاتبهم تضامناً مع زملائهم، وكذلك فعل قضاة الموحدين الدروز.
وعلم ان مجلس القضاء، طلب مواعيد من الرؤساء الثلاثة لشرح الموقف ومطالبتهم بالتدخل لاصلاح الخلل.
بدوره، لفت مجلس الجامعة اللبنانية الى انه «بعد الاطلاع على بعض البنود الواردة في مشروع سلسلة الرتب والرواتب المقر في الجلسة التشريعية في 19/7/2017، والذي ينال من الحقوق المكتسبة للهيئة التعليمية الخاصة بالامن الصحي والتقديمات الاجتماعية للاساتذة، ونعني بها وبشكل خاص وضع نظام موحد لهذه التقديمات نؤكد ان كل ما يناله الاستاذ الجامعي من ضمانات وتقديمات اجتماعية حقوق مكتسبة لا يمكن او يسمح المساس بها»، ونبه المجلس الى ان «التعرض للاستقرار الاجتماعي للاستاذ الجامعي سينعكس، بلا ريب، على دوره وعلى دور الجامعة الأكاديمي والوطني»، مؤكدا «موقف رابطة الاساتذة المتفرغين ودعم الخطوات التي قررتها وستقررها باعتبارها الهيئة النقابية الوحيدة الناطقة باسم الاساتذة».
معركة الجرود
في هذا الوقت، ووسط تأكيد من المكتب السياسي لتيار «المستقبل» لتوفير مظلة امان حول عرسال، وبأنها في حمى الدولة ومؤسساتها الشرعية، استنادا الى مواقف الرئيس الحريري وقائد الجيش وردت مساء امس، معلومات عن بدء حزب الله لمعركة الجرود في عملية اطلق عليها «عملية الحاج علاء البوسنة» (الحاج حسن حمادة) الذي شيعه الحزب قبل أيام. وتم التداول على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً بالصوت للامين العام للحزب السيد حسن نصر الله يقول فيه: «بنداء يا صاحب الزمان تبدأ عملية تحرير عرسال وجرودها من الجماعات التكفيرية الارهابية».
لكن الاعلام الحربي نفى في وقت لاحق صحة هذا النداء الذي أرفق بورود معلومات عن ان مقاتلي حزب الله يشتبكون مع عناصر من جبهة النصرة في منطقة تل البركان على الحدود اللبنانية السورية، من جهة القلمون الغربي، تزامنت مع غارات شنها الطيران السوري على مواقع للمسلحين في جرود عرسال، في وقت استهدفت مدفعية الحزب هذه المواقع بقصف مركز، ثم اعلن ليلا عن تحرير وادي الحاج محسن وكوع السبع لفات في جرود الجراحير والسيطرة كذلك على ستة مواقع كما افيد عن قصف مراكز المسلحين في وادي الخيل المقر الرئيسي لزعيم جبهة النصرة في القلمون ابو مالك التلي، بما يؤشر الى توقف المفاوضات التي كانت تجري معه للاستسلام او مغادرة المكان.
ونقلت قناة «الميادين» عن مصدر امني رفيع قوله ان الجيش اللبناني في اعلى درجات الجهوزية والاستعداد للدفاع عن الحدود وعن عرسال، كما ذكرت قناة «الجديد» ان حزب الله سيطر على جبل الشليل (او الضليل) في جرود الجبهة السورية.
وأورد موقع الضاحية الجنوبية الالكتروني منتصف الليل، ان حزب الله سيطر على تلة البرج وتلة العلم في جرود فليطا في القلمون الغربي، بعد انسحاب جبهة «النصرة» من دون اي مواجهة.
في نيويورك، شدد الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريس في تقرير وجهه إلى مجلس الأمن الدولي على «ضرورة نزع سلاح حزب الله والعمل على الحفاظ على الزخم السياسي الإيجابي الذي تحقق مؤخرا لتعزيز قدرة لبنان على مواجهة التحديات التي تنتظره».
وأكد غوتيريس أن «استقرار لبنان هو منفعة عامة إقليمية»، متعهداً بـ»أن تواصل الأمم المتحدة جهودها في إعطاء الأولوية للوقاية في لبنان بما في ذلك تنفيذ الإطار الاستراتيجي للأمم المتحدة الخاص بلبنان للفترة من 2017-2020».
ورحب بـ»الاتفاق على إطار انتخابي جديد» معرباً عن أمله في «أن يمهد هذا الإنجاز الطريق لمزيد من الانتعاش السياسي والاقتصادي والاستقرار العام في لبنان.
كما شدد على «أهمية استمرار كل من لبنان وإسرائيل بالتزاماتهم بقرار مجلس الأمن 1701» .
وأعرب عن «قلق الأمم المتحدة إزاء استمرار وجود أسلحة غير مأذون بها في المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والخط الأزرق» معتبرا أن «هذا الوضع بمثابة خرق للقرار 1701 مبدياً عن قلقه من الجولات الإعلامية التي نظمها «حزب الله» في المنطقة ».
وناشد غوتيريس رئيس الجمهورية ميشال عون إلى «العمل على استئناف الحوار الوطني في لبنان بهدف التوصل إلى استراتيجية للدفاع الوطني»، معتبراً أنه «سيسهم في معالجة مسألة الأسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة اللبنانية».

 

الاخبار :

لم تشأ الجماعات الإرهابية التكفيرية في جرود عرسال أن توفّر دماءها وتقبل بالخروج بتسوية من آخر بقعة محتلة على الحدود اللبنانية ـــ السورية كما فعل غيرها في الأشهر الأخيرة. ومع أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أطلق قبل نحو أسبوعين نداء «الفرصة الأخيرة» لتوفير الدماء، إلا أن المدعو أبو مالك التلّي «أمير» جماعة «جبهة النصرة» الإرهابية في جرود عرسال تعنّت وتمسّك بمطالب مستحيلة التطبيق، حاول فرضها على الدولة اللبنانية للقبول بالتسوية، ومنها خروجه مع حوالى 530 مسلّحاً وبعض العائلات في طائرات من مطار بيروت إلى تركيا، مع مبالغ مالية كبيرة.

وبعد تعثّر المفاوضات التي قادها الشيخ مصطفى الحجيري (أبو طاقية) أول من أمس، و«التواصل التفاوضي» أمس، بدا واضحاً لدى القيادات العسكرية المعنية أن الجماعات الإرهابية لن تقبل بالخروج خالية الوفاض، فاتخذ قرار البدء بالعملية العسكرية، مع عدم إقفال باب التفاوض نهائياً.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، أمس، تابعت الطائرات الحربية السورية غاراتها العنيفة التي بدأتها قبل نحو أسبوع على تجمّعات المسلحين، وقصفت فجر أمس مواقع للإرهابيين قرب «معبر الزمراني» وجرود بلدة فليطا وأعالي منطقة وادي عجرم في جرود عرسال. وبعد الظهر، بدأت مدفعية المقاومة بقصفٍ مركّز على مواقع «النصرة» في منطقة الكسارات في الجرود لحوالى نصف ساعة، كذلك قصف الجيش اللبناني منطقة وادي الخيل بالأسلحة الصاروخية والمدفعية المناسبة، بعد رصد مواقعه تحرّكات للجماعات المسلّحة فيها.


 

ويمكن القول إن القصف الجوّي والبرّي أمس يمهّد لبدء تقدّم قوات مشاة المقاومة والجيش السوري، والتي من المتوقّع أن تبدأ صباح اليوم، وكذلك زيادة منسوب الضغط على الإرهابيين الذين لم يغلقوا باب التفاوض، فيتحوّل إلى «تفاوض تحت النار».
وبحسب المعلومات التي توافرت لـ«الأخبار»، فإن الهجوم البرّي من المفترض أن يبدأ من محورين: من الشرق، أي جرود فليطا المحرّرة باتجاه الجرود المحتلة من فليطا وجرود عرسال مروراً بـ«شعبة خليفة» و«وادي العرجا»، والمحور الثاني من الجنوب بدءاً من جرود يونين باتجاه منطقة وادي الخيل والكسارات في جرود عرسال المحتلة، مروراً بتلة «ضهر صافي» التي تغطي «وادي الخيل» وتضمّ مرصداً مرتفعاً لـ«لنصرة»، وتلة «ض