هناك شبه إجماع لبناني اليوم على ضرورة تسريع معالجة أزمة النزوح السوري، خاصة وأن العديد من المخيمات تحولت إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة على غرار ما حصل في أكثر من مخيم ببلدة عرسال الحدودية
 

عمقت التطورات الأمنية التي شهدتها بعض مخيمات النازحين السوريين في منطقة عرسال من الهواجس الأمنية في لبنان، وأعطت ذريعة قوية لرافضي النزوح السوري للضغط على الدولة اللبنانية في هذا الاتجاه.

وأقدم خمسة انتحاريين ينتمون لجبهة فتح الشام (النصرة سابقا) على تفجير أنفسهم خلال مداهمة أمنية نفذها الجيش اللبناني لمخيمين للاجئين السوريين في منطقة عرسال على الحدود مع سوريا الجمعة فيما ألقى متشدد سادس قنبلة يدوية على دورية.

وكان الجيش اللبناني قد شن عملية أمنية أطلق عليها “قض المضاجع” هدفها تطهير المخيمات من العناصر الإرهابية التي تتخفى بها. وداهم الجيش أماكن وجود العناصر الإرهابية في ثلاثة مخيمات هي النور، ورعد والقارية. واشتبكت عناصر تابعة لجبهة فتح الشام وتنظيم داعش مع الجيش اللبناني لفترة وجيزة قبل أن يعمد عناصر من النصرة إلى تنفيذ خمس عمليات انتحارية.

وعرف من الانتحاريين “أبوعائشة” الذي يعد أحد أبرز مسؤولي جبهة النصرة و”أبوعبادة” الذي ترجح المعلومات أنه القاضي الشرعي للتنظيم الجهادي في الجرود.

وتسبب تفجير انتحاري في مخيم النور في جرح ثلاثة عسكريين، كما جرح أربعة آخرون إثر قيام أحد العناصر الإرهابية في مخيم القارية برمي قنبلة يدوية. وقضت طفلة سورية إثر تفجير انتحاري، كما جرح المواطنان سلوى البراقي وعمران العيسى.

وتمكن الجيش من إلقاء القبض على عدد كبير من المطلوبين وأبرزهم كان أحمد خالد دياب الملقب بـ”أبوالسيك”، والذي كان قد قتل المقدم في الجيش نورالدين الجمل، إثر الاشتباكات التي جرت في أغسطس 2014.

وعلى إثر انتهاء العملية توجه قائد الجيش جوزيف عون إلى عرسال على متن طوافة عسكرية لتفقد الأوضاع فيها.

تسود خشية عامة من أن يتحول لبنان إلى ساحة بديلة للتيارات الإرهابية بعد التضييق الذي تعاني منه في سوريا والعراق
وفي أول تعقيب على التفجيرات اعتبر وزير الدفاع يعقوب الصراف أن “تغلغل الانتحاريين داخل مخيمات النازحين يستدعي تحركا سريعا لمعالجة جذرية لمسألة النزوح”.

وكان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي قد شدد مؤخرا على أن موضوع اللاجئين السوريين في لبنان هو أبرز الأزمات التي يعاني منها البلد.

وتتخوف بعض التيارات في لبنان وبخاصة المسيحية من نشوء مناخ دولي داعم لتوطين اللاجئين السوريين في لبنان، ما سيؤسس لغلبة الديموغرافيا السنية على سائر المكونات، ويرجح متابعون أن تسعى هذه التيارات إلى توظيف التطورات الأخيرة للضغط على الدولة اللبنانية للدخول في نقاشات حتى مع الحكومة السورية لإعادة النازحين.

وسبق وأن طرح حزب الله مسألة التنسيق بيد أن القوى اللبنانية المناوئة للنظام السوري رفضت الأمر، لأنه سيعني اعترافا به.

وقال حزب الله الجمعة إن الحملة الواسعة التي يشنها الجيش لملاحقة المتشددين المختبئين داخل مخيمات اللاجئين السوريين تهدف إلى التصدي للتهديد الذي يمثله المقاتلون الذين يتسللون من سوريا على الجانب الآخر من الحدود.

واعتبر الحزب الذي يدعم الرئيس بشار الأسد في الحرب السورية في بيان أن “العملية تتكامل مع عمليات المقاومين على الحدود الشرقية لمنع الإرهاب من التغلغل في لبنان”.

ومعلوم أن الحزب يرى أيضا أن وجود النازحين السوريين الذين يتجاوز عددهم المليون لاجئ في لبنان، سيعزز انعدام التوازن على المستوى الديمغرافي لصالح السنة باعتبار أن جل النازحين ينتمون لهذه الطائفة.

ويقول متابعون إن الموقف من النزوح آخذ في التغير حتى في الأوساط السياسية المؤيدة له، على غرار تيار المستقبل، بالنظر للتحديات الأمنية الكبرى التي يمثلها. وهناك خوف فعلي من أن يؤدي استمرار الوضع القائم إلى تفجر الأوضاع في هذا البلد، في ظل واقع إقليمي ملتهب.

وتسود خشية لبنانية عامة من أن يتحول لبنان إلى ساحة بديلة للجهاديين بعد التضييق الشديد الذي يعانون منه في سوريا والعراق.

وتدرج بعض التحليلات عملية الجيش في عرسال في إطار الاستعداد لفتح معركة الجرود، تمهيدا لفتح الباب أمام عودة السوريين.

وتؤكد مصادر أن الشكل الذي تمت فيه عملية مداهمة المخيمات في عرسال، يكشف عن تطور نوعي في أداء الجيش حيث نجح في تفكيك الألغام وتجنب وقوع مجزرة في صفوف المدنيين مع أنه كان يعمل في بيئة ذات كثافة سكانية كبيرة، كما حرم العناصر الإرهابية من استخدام سلاح التفجيرات الانتحارية بفعالية، وفي اعتقال عدد كبير من الإرهابيين.

وتشدد قراءات على فتح مرحلة جديدة بعد هذه العملية التي نجح فيها الجيش في إثبات جهوزيته في مكافحة الإرهاب، وهو ما سيدفع الأطراف الداعمة للأخير، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى رفع مستوى الدعم له، وتأمين الموارد التي تمكنه من النجاح في تطهير جرود عرسال من الإرهابيين في المرحلة اللاحقة.