برأي سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين فان التجديد في الشريعة الاسلامية أمر واجب، لأن الإنسان من وجهة نظر الإسلام ليس مجرّد آلة تعمل بإرادة تكوينية من الله تعالى، وإنما هو كائن مكرّم ومسؤول في الآن نفسه، والمهمات التي يراد منه إنجازها لا حدود لها من الاتساع في كل شؤون الحياة
 
يتوخى الدقة سماحة السيد محمد حسن الامين وهو يتحدثعن التجديد في الشريعة الإسلامية، فيقول “إنني أفضّل استعمال الفهم المعاصر والمتطوّر للتراث الفقهي والعقائدي، بدءاً من العقيدة الثابتة والأساسية وهي أن الوحي نزل على الرسول في مرحلة وجيزة نسبياً، ولكن في الوقت نفسه هو خطاب دائم ومستمرّ للإنسان، والله تعالى أعلم بأن البشر هم كائنات تتطور وتتغيّر، وبالتالي فإن تلقيهم للنص الموحى به ينبغي أن يكون منسجماً مع هذه الطبيعة المتطورة والمتغيرة، كما ينبغي أن نشير أن للإسلام تراثاً، ولو كان الإسلام قد تم تفسيره بصورة كاملة، فلم يكن هناك من داع لأن يتوالى الفقهاء والمفسرون في زمن لا يقل عن أربعة قرون أن نجد في هذا التراث الكثير من التغير والتطور، وتحضرني إشارة تنسب إلى رسول الله(ص) بأن الله تعالى يأتي برجل كل مئة عام يعيد النظر وينفض الغبار عما تراكم عليه بسبب مرور الزمن وفي كل الأحوال، فنحن نتلقى الإسلام بصورة مباشرة من النص الإحساسي وهو القرآن الكريم.”
وللسيد الامين رؤيته الخاصة في التفاسير المتوالية للقرآن الكريم فيقوال ” لم أعهد أن أي موسوعة من موسوعات التفسير لإسلامنا من الفقهاء والمفسرين قد زعمت أن من سبقها من فسّر القرآن، وأنه لا حاجة لتفسيره مرّة ثانية، فهم إذن أعلم منا بأن تفسيراً نهائياً وقاطعاً للنص القرآني لا يمكن أن يكون موجوداً، وهنا يجب أن نلتفت إلى المفارقة العقائدية لدى القائلين أن السلف الصالح قدّم لنا جميع ما نحتاجه من مفاهيم ومعاني في القرآن الكريم.المفارقة في هذا المجال هي أن تفسيراً كاملاً وناجزاً بصورة حتمية هو أمر ليس منطقياً ما دام القرآن هو خطاب للكائن الإنساني منذ عصر النزول إلى آخر العصور، فإذا كان الأسلاف قد استوعبوه بكامله فهذا يتضمّن تشكيكاً بهذه الحقيقة وهي أن القرآن كان وما زال يتنزّل، وما زالت الأفهام البشرية تتسع للكثير من المعاني والأفكار، وهذا بحد ذاته مدخل لإعادة النظر في تراث الفقهاء أنفسهم، فالقرآن كنص غير خاضع للتجديد والتغيير، ولكن النصوص الفقهية بوصفها فهماً بشرياً قابلة للأخذ والردّ، فلا بد أن يتأثّر بوضعه فهماً بشرياً يتطور الزمن وتطوّر العقل البشري.”
ولأن التقليديين يهاجمون فقه مقاصد الشريعة الذي من شأنه ان يكون عاملا اساسيا في تحديث الدين، يلفت السيد الأمين انه “فيما يتعلق بفقه مقاصد الشريعة، فالمارودي والجويني وغيرهم من الفقهاء بحثوا هذه المسائل، وفهم من أدرك أن للشريعة مقاصد، وعلى كل حال فهذا أمر لا يمكن أن يشك فيه مسلم، فللّه تعالى مقاصد في الشريعة، ويمكن تعداد القيم الإنسانية الإسلامية وفق منهج الإسلام، لذلك، فأنا أعتبر أن رفض بعض الفقهاء البحث في مقاصد الشريعة هو جمود لا مبرر له، نعم عندما يتنافى الاجتهاد مع ثوابت الشريعة، فهذا لا يعبّر عن مقاصد الشريعة وهو مرفوض قطعاً.”
ويضيف السيد الأمين انه “حول ما يقوله المسلمون الراديكاليون عن بطلان الانتخابات والاستفتاءات الشعبية مقابل “اجماع العلماء” يؤكد السيد الأمين ان الاستفتاءات الشعبية هي من الأمور الشاغلة لأفكار عصرنا، فإنني أودّ أيضاً أن أظهر العجب من هذا الاستنكار لأهمية الاستفتاء”.
ويشرح السيد الامين ” ان المسلم البدائي يدرك أن للشريعة ثلاثة أحكام هي واجب، ومحرّم، ومباح. ولو تأمل هؤلاء سعة دائرة المباح في الشريعة وضيق دائرة المحرّم والواجب لعلم أن الله تعالى ترك هذا الهامش العريض جداً للمباحات، ولمسألة اصطلح عليها النص القرآني بمصطلح الشورى، “وأمرهم شوى بينهم”.
ويتابع السيد الأمين “إذاً لو كان لكل الحوادث والحاجات أحكام ثابتة وصارمة لما كان هناك من معنى لأن يدعو الله تعالى الناس إلى أن تكون أمورهم شورى بينهم، وهذا ينطبق أكثر ما ينطبق من وجهة نظري على الشأن السياسي فالقرآن الكريم لم ينزل أحكاماً قاطعة تتعلّق بشكل النظام السياسي وإنما دعا إلى العدل والشورى والإصلاح وأشمل الخير، والنظام السياسي ليكون ملزماً للأمة فإنه يجب أن تكون الأمة قد استشيرت بشأنه وارتضته، فكيف يمكن إنكار ذلك بحجة أنه يجب أن يكون للشريعة حكم في كل الأمور دون البشر الدين لا يختارون نظام حياتهم ومعالجة ظروفهم، ما داموا يعملون في دائرة المباح؟”
ويختم السيد الأمين كاشفا سببا رئيسا من اسباب التخلف، فيقول” من وجهة نظري، فإن أحد أهم عوامل الدخول في عصر الانحطاط عند المسلمين هو استبعاد العقل وإمكانيات الإبداع في كل مجال من المجالات بما فيها مجال الفقه والشريعة كما الفلسفة.”