عملياتُ «شدّ الحبال» والجدل والاجتهاد التي رافقت النقاشَ في قانون الانتخاب الجديد على مدى السنوات الثلاث الماضية لا تخرج عن إطار «الكباش السياسي»، بعدما ظهرت تفاصيلُه كافة.
 

منذ البداية حرص الذين شاركوا في طبخة القانون الجديد على إظهار رغبة أحزابهم وتياراتهم السياسية في إنتاج قانون يضمن صحّة التمثيل ويتيح الفرصة لكافة المرشحين بالتساوي لضخّ دم جديد في المجلس النيابي بعد أن تجمّدت شرايينه خلال سنوات التمديد الأربع.

لكن وبعد التدقيق في تفاصيل قانون «النسبية»، وطرق وأساليب تقسيم الدوائر وفق المعادلات الطائفية والمذهبية في البلاد، لا يمكن القول إلّا أنّ نتائج القانون النسبي ستأتي شبه مطابقة لنتائج قانون «الستين»، مع بعض التعديلات الطفيفة في تمثيل القوى السياسية بين دائرة وأخرى، علماً أنّ كل ما رافق إعداد «طبق النسبية» من مواقف وتصريحات لكافة الكتل السياسية كانت مبنيّة على أساس أن يكون هذا القانون آخر مسمار في نعش قانون «المحادل».

وبالتالي فإنّ الحديث عن أنّ قانون الانتخاب العتيد سيضمن صحّة التمثيل ليس إلاّ شعاراً لشدّ عصب القواعد الشعبية تمهيداً لخوض الانتخابات، ليتأكد بذلك أنّ المشكلة الحقيقية ليست في القانون الذي أفرز القيادات السياسية الحالية في البلاد، بل في القيادات نفسها التي عملت وتعمل على تقسيم الحصص بالتراضي في ما بينها على أساس الحفاظ على توازن يرضي الأطراف السياسية الفاعلة داخل البيوت الطائفية.

ولا شك أيضاً في أنّ وحدة المعايير التي سوّقت لها غالبية اللاعبين الأساسيين على الساحة اللبنانية قد تجسّدت في هذا القانون ولكن على قاعدة المعايير الطائفية والمحاصَصة المذهبية، فأظهرت تشوّهات القواعد والرؤى التي تبني عليها الطبقة الحاكمة سياساتها.

وبالتالي فإنّ ما خضع له قانون النسبية من عمليات تشريح وتجميل في السرّ والعلن كانت تهدف الى إعادة إنتاج السلطة الحالية ضمن عملية تحفظ التوازن على أسس طائفية ومذهبية ومناطقية، ما يدفع الى القول «رحم الله الستين» كم وفّر على البلاد والعباد من سجالات وخلافات وشلل في المؤسسات.

أما في ما يتعلّق بطريقة تطبيق العملية الانتخابية وفق معادلات القانون الجديد، فإنها ستُدخل الناخبين حتماً في متاهات كثيرة أبرزها تحديد عتبة الفوز على أساس الحاصل الانتخابي من خلال تقسيم عدد المقترعين على عدد المقاعد، إضافة الى الأسلوب الذي سيُعتمد في احتساب «الكسر الأكبر».

وبالتالي فإنّ طبق النسبية يحمل كثيراً من التشوّهات وسيكون مسلوقاً عند تطبيقه في الاستحقاق الانتخابي في أيار المقبل، نظراً الى صعوبة ترويجه على المستوى الشعبي، في اعتبار أنّ معظم الناخبين سيذهبون الى صناديق الاقتراع ويدلون بأصواتهم من دون إدراك الأساس الذي سيتم بموجبه احتسابُ أصواتهم وفق المبدأ النسبي، كذلك يمكن القول إنّ معظم المرشحين أيضاً سيخوضون السباق الى البرلمان بمحركات الماكينات الانتخابية التي ستكون وحدها ربما الأكثر فهماً ودراية بعمليات تصويب الأصوات وبرمجتها في صناديق الاقتراع.