منذ دخول روسيا مباشرة على خط الأزمة السورية، إرتفعت وتيرة حراكها في المنطقة على أكثر من صعيد. ولكن اللافت هو تصويب هذا الحراك في اتجاه لبنان خلال الآونة الاخيرة، فما هي الاسباب؟
 

خلال الاسبوع الماضي دخلت روسيا الى ملعب الخيارات التربوية لآف الطلاب اللبنانيين الذين يضعون الخطط للحصول على اختصاصات جامعية تحدّد مساراتهم في المستقبل، فاختارت لبنان من بين كل دول المنطقة لإطلاق معرض جامعاتها الأول في الشرق الاوسط، وتمكنت من توفير غطاء متعدّد الوجوه له من قِبل أبرز المكونات السياسية في البلاد بتوزيع محطاته.

ففي بيروت، إنطلق المعرض في قصر الأونيسكو برعاية رسمية ممثلة بوزارة التربية والتعليم العالي، لينتقل بعدها الى تحت العباءة الجنبلاطية في عاليه وبعقلين، ومن ثم الى بعلبك، حيث حظي بشحنة دعم من «حزب الله» وحركة «أمل»، ليصل الى معقل «التيّار الوطني الحرّ» في البترون والحازمية .

خريطة تنقّل المعرض لا تخلو من الدلالات الواضحة على أنّ موسكو تقف على حياد تجاه الإنقسامات السياسية في لبنان، وهو ما يؤكّده دائماً سفيرها في بيروت ألكسندر زاسبيكين ومساعد وزير خارجيتها ميخائيل بوغدانوف. لكن دخول روسيا من الباب التربوي عبر تقديم حوافز لافتة لاستقطاب الطلاب الى جامعاتها بتكاليف تتناسب مع أكبر شريحة من الشعب اللبناني، وزيادة عدد المنح الدراسية المجّانية سيؤدي فعلياً الى استنهاض الثقافة الروسية وتعميمها في بلاد الأرز.

زِد الى ذلك، فتح خطوط التواصل السياحي من خلال توقيع إتفاقية تعاون بين «intourist» إحدى أكبر الشركات السياحية الرسمية في روسيا مع شركات لبنانية، في حضور وزارة السياحة، وهو ما يعني أنّ البعثات الديبلوماسية قد تلقّت أمراً من الكرملين بفتح الساحة اللبنانية على كل الأصعدة لتعزيز الحضور الروسي، بعد ان باتت المراكز الثقافية الروسية تنتشر في عاليه وطرابلس والبترون وبعلبك وبيت مري وبعقلين والنبطية وراشيا. كذلك من المُنتظر أن تدفع موسكو بعجلات التعاون الإقتصادي والتجاري من خلال مجموعة فعاليات يجري التحضير لها.

هذا الحِراك الروسي يأتي بعد زيارة مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرينتيف الى بيروت لتحريك ملف عودة النازحين السوريين، وطمأنة المسؤولين اللبنانيين الى أنّ بلاده ستوفّر كل ما هو مطلوب على المستويات كافة لمعالجة هذه القضية التي تشكّل مصدر قلق لهم، في اعتبارها الأكثر أهمية وحساسية بالنسبة الى لبنان خلال السنوات السبع الماضية. لذلك فإنّ المبعوث الروسي لم يضع أي معايير أو أي أطر للمبادرة، تاركاً للبنانيين تحديد مساراتها بما يتناسب ومصلحة بلدهم، وأخذ على عاتقه ترتيب تلك المسارات مع الجانب السوري.

وانطلاقاً من ذلك، لا يختلف إثنان على انّ الشرق الاوسط بات ملعباً خلفياً لسياسات روسيا الدولية، وإنّ ارتفاع منسوب فعاليته لا يختصر على الحضور العسكري ومنظومات الصواريخ، بل بالدخول الى كافة مناحي الحياة الإقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية. أما اختيار لبنان منصّة إنطلاق، فهو يدلّ الى أنّ موسكو على يقين بعودة بيروت الى سابق عهدها، ساحة اختبار لتحديد بوصلة السياسات الإقليمية نظرا لتنوّع أطيافها السياسية والدينية والعرقية.