تحوّلت سياسة النأي بالنفس إلى مصدر قلق بالنسبة إلى الكثير من اللبنانيين، خاصة حيال التعاطي مع قضايا خارجية حيوية تفرض الخروج من المنطقة الرمادية، على غرار الأزمة القطرية
 

عقد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري اجتماعا، الإثنين، ضم سفير مصر لدى لبنان نزيه البخاري، وسفير دولة الإمارات في لبنان سعيد الشامسي، والقائم بأعمال السفارة السعودية سلطان السباعي.

وأصدر السفراء إثر اللقاء بيانا أكدوا فيه وجاهة الأسباب التي دفعت بلدانهم إلى اتخاذ مواقف متشددة ضد قطر والعائدة إلى اعتماد الدوحة سياسة مزعزعة لاستقرار المنطقة.

وطلب السفراء من الدولة اللبنانية أخذ تلك المواقف في الحسبان وفق مقتضيات المصلحة اللبنانية.

وتصر السياسة اللبنانية على تقديم تصنيف للأزمة بوصفها صراعا خليجيا مع قطر، في حين أن الإشارات العديدة تعطي الموضوع تصنيفا مغايرا وتؤكد أن العنوان الرئيسي للخلاف يرتبط بمحاربة الإرهاب.

وإذا كانت السعودية ودول الخليج تبدي استعدادا لتفهّم مواقف لبنان الداعية إلى النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية لدواعي الحفاظ على الاستقرار الداخلي، فإن الامتناع عن اتخاذ موقف ضد دعم الإرهاب لا يبدو مفهوما ولا مقبولا من قبلها.

وتحرص القراءة اللبنانية لطبيعة الحدث الخليجي القطري على النظر إليه على طريقة الخلافات اللبنانية، وعلى إضفاء الطابع الشخصي عليه لدرجة صدور تحليلات تدرج كل الأزمة في حدود الخلافات بين أمير قطر تميم بن حمد وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وتشكل هذه القراءة مدخلا لأزمة خطيرة مع دول الخليج قد تكون مدخلا لأزمة كبرى مع المنظومة الدولية المحاربة للإرهاب.

ومازالت الدبلوماسية اللبنانية، وفق مراقبين، قاصرة عن فهم طبيعة الأزمة وحدودها، وتعتبر أن الموقف منها يتطلب بالضرورة الانحياز إلى صف السعودية ودول الخليج أو إلى صف قطر، في حين أن المسألة أدرجت خليجيا وعربيا ودوليا في إطار الحرب على الإرهاب.

وتلفت مصادر إلى أن تكرار إطلاق مواقف النأي بالنفس أمام كل استحقاق خارجي دون التمعن في طبيعة الأحداث من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة معكوسة للنتيجة المرجوة منه، نظرا إلى غياب التحديد الواضح للموضوع الذي يريد لبنان أن ينأى بنفسه عنه.

مراقبون يرون أن الدبلوماسية اللبنانية، قاصرة عن فهم طبيعة الأزمة القطرية، بحصرها في إطار صراع عربي عربي
وفي موازاة هذا المناخ اللبناني المرتبك تنتشر معلومات تفيد بتلقي الجهات اللبنانية الرسمية رسائل خليجية مباشرة وغير مباشرة، تعلن بوضوح أن أي دخول لحزب الله على خط الأزمة الخليجية القطرية سينظر إليه مباشرة بوصفه دعما للإرهاب، يستدعي قطع العلاقات مع لبنان بشكل فوري.

وكان الاتجاه الأميركي حيال لبنان في الفترة الأخيرة كشف عن ميل واضح لفصل دعم الجيش اللبناني في مواجهة الإرهاب عن التوجه العام للتعامل مع سياسات الدولة اللبنانية، حيث أن دعم الجيش لم يؤثر على مسار خفض المساعدات الأميركية العامة المقدمة إلى لبنان، ولا على التوجه الرامي إلى فرض عقوبات تطال شخصيات سياسية لبنانية من الصف الأول.

ويلفت مراقبون إلى تناقض النظرة اللبنانية حيال مسار الأمور مع النظرة الخليجية والدولية، فالتنازع السياسي اللبناني حاليا يقوم على محاولة انتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب ضمن التركيبة القائمة حاليا والنظر إلى النجاح في هذه المهمة بوصفه توطيدا للحضور والشرعية في الداخل ومدخلا لاكتساب الشرعيات في الخارج.

وينظر التوجه الدولي والعربي إلى الأمور من زاوية مناقضة حيث يحصر الشرعيات في موضوع مواجهة الإرهاب، ويفصل هذا الأمر عن الصراعات الداخلية، ما يعني فعليا أن الطرف اللبناني الوحيد الذي يتمتع بشرعية دولية هو حاليا الجيش اللبناني.

وتشدد التحليلات على خطورة عجز لبنان عن فهم طبيعة الأزمة الخليجية القطرية والأبعاد التي اتخذتها، لأن الدول الداخلة على خطها تنظر إلى دعم قطر للإرهاب على أنه تهديد لوجودها وليس مجرد مناكفة سياسية.

ويؤكد هذا الواقع أن رد الفعل المنسجم مع السياق العالمي للحرب على الإرهاب لا يمكن أن يأخذ في عين الاعتبار ما يحرص لبنان على تسميته بالخصوصية اللبنانية، كما لا يمكن معه القبول بالمواقف الملتبسة والغامضة حول هذا الموضوع.

ولا يشك الكثيرون في أن المنظومة الدولية تعتبر أن لبنان ينأى بنفسه عن الحرب على الإرهاب وليس عن خلاف عربي عربي كما يراه اللبنانيون، والذي لا يخرج عن عقل الشخصنة الميال إلى قراءة التطورات الدولية على طريقة الخلافات بين وجوه السلطة في لبنان.