على مدى الأيام الثلاثة الماضية، شيّع حزب الله عدداً من مقاتليه الذين سقطوا في سوريا. أكثر من عشرة قتلى سقطوا للحزب في الأيام الأخيرة، بعضهم بحسب ما علمت "المدن" سقط باستهداف رتل لآلياتهم في حي المنشية بدرعا. لا يؤشر ذلك إلى الوجود الميداني للحزب هناك فحسب، إنما إلى تحركاته العسكرية التي يقوم بها، والتي تتزامن مع حراك واسع لكل القوى الحليفة لإيران على الجغرافية السورية، سواء أكان في اتجاه البادية والحدود العراقية السورية، أم في اتجاه الحدود الأردنية. والمؤشر الأساس إلى أن حدة المعارك تتصاعد.

في لبنان، كان حزب الله وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، من أشد الحريصين على الهدوء والاستقرار وحماية التسوية السياسية وعدم التصعيد في قانون الانتخاب، تدخّل بشكل مباشر لدى حلفائه لأجل سحب فتيل التوتر وإنجاز الإتفاق. فالثابت هو أنه حين يعمل حزب الله على التهدئة في لبنان، يعني أن اهتماماته الإقليمية تطغى على ما عداها. وهو يريد تحصين الساحة الداخلية عبر التهدئة بين الجميع، لأجل التفرّغ لعمله خارج الأراضي اللبنانية، وتحسباً لأي ارتدادات لذلك على الداخل.

يعمل حزب الله حالياً في سوريا على خطين متوازيين: الأول هو التقدم أكثر في الجنوب السوري، وصولاً إلى مسافة قريبة جداً من الحدود الأردنية. ويأتي ذلك بعد إعلان الملك الأردني عبدالله الثاني أن بلاده ستمنع وجود الحزب على حدودها؛ فيما الخط الثاني هو باتجاه الحدود العراقية السورية. يعرف حزب الله، أن ثمة خطوطاً حمراء رسمت أمامه لمنع تقدّمه باتجاه مناطق معينة، لكنه مصرّ على الاستمرار في ما يريد تحقيقه. وهذا ما قد يعرّضه إلى ضربات مماثلة للضربة التي تلقاها في درعا، والضربة التي تعرّضت لها كتائب موالية لطهران من جانب الأميركيين في البادية السورية. لكنّه لن يتراجع، مهما كلف الثمن، وفق ما يؤكد قياديوه.

هدف حزب الله من التقدم في اتجاه الجنوب السوري، يصب في خانة تعزيز أوراقه الإقليمية، عبر تمركزه في مناطق قريبة من الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، بهدف التلويح بالتصعيد ضد إسرائيل، حين تقتضي الحاجة إلى ذلك. والمخطط الذي يعمل الحزب وحلفاؤه عليه في درعا حالياً، هو توفير خط آمن له ولحلفائه من دمشق إلى درعا، والوصول إلى منطقة قريبة من حدود الأردن وتبعد نحو 20 كيلومتراً من الحدود الأردنية. وذلك عبر سعي الحزب وحلفائه لشطر درعا إلى قسمين، شرقي وغربي.

وعلى خط آخر، فإن عملية الوصول إلى الحدود العراقية، والسيطرة على التنف، هي الشغل الشاغل لحزب الله. هناك من يتحدث عن إتفاق روسي أميركي بعدم توجيه أي ضربة للقوات المتوجهة إلى هناك. بمعنى أن لا يستهدف الأميركيون القوات النظامية السورية والموالية لها، ولا يستهدف الروس الفصائل المعارضة المدعومة من واشنطن، ومن يصل أولاً فليصل. لكن هذا الأمر تنفيه مصادر معارضة، معتبرة أن حزب الله هو من يسعى إلى ضخ هذه الأجواء.

وتلفت المصادر إلى أن حزب الله والحشد الشعبي، ومن خلفهما إيران، سيصلان إلى معبر التنف قبل أي قوة أخرى، وأن القرار بإبقاء الخط من طهران إلى بيروت مفتوحاً هو قرار ثابت، لو كلّف أغلى الأثمان. ولكن هل ترضى واشنطن؟ تجيب المصادر بأن المبدأ يقول لا، ولكن ما الذي يمكنها أن تفعله؟ فالحزب وحلفاؤه جاهزون لأي معركة بمواجهة الأميركيين أو حلفائهم. لا أحد يحسم إذا ما ستكون المعركة قريبة، فالحسم يجب أن يحصل في أقرب وقت بمعزل عن الطريقة.