شهد يوم 4 مايو 2017 الاعلان عن التصول لإتفاق "تخفيف التوتر" من قبل الدول الثلاث الراعية لمفاوضات الأستانة بين الأطراف السورية (إيران، روسيا، تركيا) وسيجري الاتفاق في أربع مدن سورية هي (حلب، اللاذقية، حماة، ادلب، حمص) ويبدأ بوقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة في هذه المناطق ثم يبدأ إدخال المساعدات إلى هذه المناطق وذلك تحت موافقة النظام ولكن بشرط أن تضمن تركيا وروسيا تطبيق الاتفاق من كل الاطراف تمهيداً لبدء طريق جديد على أمل أن يطبق على كافة الأراضي السورية في حال نجح تطبيقه على المناطق الأربع . 
كما أن اعلان اتفاق "تخفيف التوتر" كان مفاجئاً كالإتفاق الثلاثي الذي جرى عام 2016 الذي يقضي بوقف اطلاق النار على كامل الاراضي السورية والذي كان مفاجئاً أيضاً، لكنه سرعان ما خرق في ذلك الوقت من قبل النظام وبعض فصائل المعارضة، فهل سيكون مصير هذا الاتفاق كمصير الاتفاق الثلاثي؟ أم أنه سيكون بداية لنهاية الأزمة السورية؟ 
أولا: إتفاق “تخفيف التوتر” بسوريا ما هو مضمونه؟
خلال انعقاد جلسة جديدة تحت اسم "مناطق تخفيف التوتر" وقعت كل من روسيا وتركيا وايران خلال انعقاد جلسة مذكرة تفاهم لإقامة أربع مناطق آمنة في سوريا من محادثات السلام للأزمة السورية ةالي شارك فيها أطراف الأزمة في سوريا (ممثلين عن الفئات الشعبية، النظام السوري، قوات المعارضة المسلحة) في الأستانة عاصمة كازاخستان. ووفق ما نشرته وزارجة الخارجية الروسية تشمل أهم بنود الاتفاق ما يلي:
*وقف إطلاق النار في محافظات (إدلب، أحياء مجاورة في محافظات حماة، حلب، اللاذقية، شمال حمص، الغوطة الشرقية شرقي العاصمة دمشق، وبعض مناطق جنوب سوريا على الحدود مع الأردن). وهي مناطق يسكنها مليون شخص تقريبا. وسيحظر إستخدام جميع الأسلحة في تلك المناطق وسيسمح بإدخال المساعدات الإنسانية إليها. وعودة النازحين لمنازلهم وإصلاح البنية التحتية.
*وقف القصف الجوي على تلك المدن. وهناك ثلاث جهات تقوم بعمليات قصف جوي في سوريا هي .. روسيا تقوم بقصف معسكرات “المعارضة المسلحة و”داعش”، والتحالف الدولي بقيادة واشنطن يقوم بقصف معسكرات “داعش” وبعض الجماعات الارهابية، وتركيا تقوم بقصف معسكرات الأكراد.
*سيتم تفعيل الاتفاق منذ يوم 6 مايو 2017 على أن يستمر لمدة ستة أشهر. ويمكن تمديده تلقائياً إذا وافقت الدول الضامنة الثلاث.
*من الممكن نشر قوات أجنبية على حدود مناطق وقف التصعيد الأربع. وإقامة نقاط تفتيش ومراكز لمراقبة وقف إطلاق النار على هذه الحدود لمرور المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية.
*تلتزم الدول الضامنة اتخاذ التدابير اللازمة كافة لمواصلة قتال تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” وجماعات أخرى داخل مناطق تخفيف التوتر وخارجها.
وكما لاحظنا فإن البنود المتفق عليها تم وضعها وصياغتها بدقة لتراعي أهداف أطراف النزاع في سوريا(سوريا، إيران، تركيا، روسيا).
ولكن هناك بعض النقاط التي أثارت أسئلة لم تتم الإجابة عنها من قبل أي من الدول الراعية للإتفاق، وهي لماذا اطلق على هذا الاتفاق اسم “تخفيف التوتر” رغم ان المسمى الافضل له “المناطق الامنة التي كانت أنقرة تدعو لها منذ 2013، ربما تغير الأسم تم لرفض بعض الأطراف مسمى “المناطق الآمنة”، وهل ستتمكن أطراف الأزمة من التعاون عسكريا لمحاربة “داعش” والتنظيمات الإرهابية كيف سيتم ذلك؟ وفصائل المعارضة السورية بدأت في التناحر فيما بينها، وما هي الضمانات التي تملكها (موسكو، طهران، أنقرة) لتنفيذ ذلك الاتفاق وتجعله مختلفا عن الاتفاق الثلاثي الذي فشل ولم ينفذ؟.
ثانيا:ما هي دوافع الدول الثلاث لعقد الإتفاق؟
طبعاً هناك أهداف موحدة بين الدول الراعية للإتفاق (روسيا، تركيا، إيران) لإقناع الحلفاء من أطراف النزاع بتطبيق الإتفاق والعمل على تطبيقه وهناك أيضاً دوافع واهداف خاصة لكل دولة على حدة.
أما عن الدافع الموحد بين روسيا وتركيا وايران فهو إرساء الأمر الواقع في سوريا قبل زيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” المقبلة للمنطقة. والتي تعد أول زيارة للرئيس الأمريكي خارج الولايات المتحدة والتي يكسر بها البروتوكول بحيث ستكون الزيارة الى دول مجاورة في العالم العربي (إسرائيل، المملكة العربية السعودية) بحيث ينص البروتوكول على أن تكون الزيارة إلى دولة مجاورة للولايات المتحدة الأمريكية كالكسيك وكندا. 
مما يشير الى رغبته في حل الأزمات الجارية في العالم العربي والشرق الأوسط وخصوصاً الأزمة السورية، وتأكيداً منه على أن الدول الثلاث هي الممسكة بملف الأزمة السورية والقادرة على إنهائه أو تعقيده ما يعزز مكانة الدول الثلاث دولياً وإقليمياً.
خصوصاً بوجود احتمالات حول قيام ترامب بعقد قمة “إسلامية- أمريكية” بالرياض للاعلان عن تحالف جديد “عربي اسلامي امريكي” لمحاربة الإرهاب خاصة في سوريا، وهذا ما يدفع موسكو إلى أن تسبق واشنطن في موضوع الملف السوري ما يدفع ترامب الى التعامل مع الأمر الواقع في خصوص إتفاق المناطق الأربعة في حال نجاحه لتوسيعه على كامل الأراضي السورية كي يتم وقف اطلاق النار ثم التعاون لمحارة الإرهاب وجماعاته.
أمّا في خصوص الدوافع والأهداف الخاصة لكل دولة، فإن كل دولة من الدول الثلاث (ايران، روسيا، تركيا) تسعى لتطبيق "تخفيف التوتر" لأن لكل منها معارك داخلية وخارجية أخرى تستعد لها.
بالنسبة لروسيا، فإن الرئيس الروسي "بوتين" يرى أن الوقت ملائم لإنهاء الأزمة السورية أو رسم طريق النهاية على الأقل فموسكو حققت أهدافها في سوريا بعد تدخلها العسكري وخصوصاً أنها أصبحت من اللاعبين الحاسمين في الأزمة الأمر الذي عزز مكانتها الدولية الإقليمية.
والوقت ملائم الأن لأهداف "الدب الروسي" للعودة كمنافس دولي للولايات المتحدة الأمريكية فمناطق نفوذها أصبحت في أزمات متتالية وخاصة القريبة منها ومنها (كوريا الشمالية، أوكرانيا، دول البلطيق وشمال أوروبا)، كما أنَّ التواجد الروسي في سوريا كان فعّالاً ومفيداً لها من جهة استغلاله لملئ الفراغ الستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والذي تراجع في الفترة الأخيرة ولجهة تعزيز مكانتها الدولية. 
إضافةً إلى أن الأزمة السورية كلفت روسيا والإقتصاد الروسي الكثير ماديًا وعسكريًا بعد عامين من التدخل العسكري والقصف الجوي المستمر في ظل أزمة إقتصادية روسية تلوح في الأفق بسبب العقوبات الإقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية على الإقتصاد الروسي. وما ترغب فيه موسكو تخفيف حدة التوتر بسوريا لأنها ستتفاقم في مناطق أخرى هامة بالنسبة لها كأوكرانيا ودول البلطيق.
أمّا بخصوص موضوع ايران وأهدافها. إن ايران تواجه معركة شرسة منذ تولي الرئيس الأمريكي الجديد "ترامب" الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية مع أعضاء إدارته، والتي بلغت حد التلويح بإلغاء الإتفاق النووى مع مجموعة (5+1)، ثم الإكتفاء بفرض العقوبات على بعض الشركات الإيرانية والسورية وعلى عناصر “لحزب الله” الذراع اليمني لإيران في سوريا ولبنان والعراق ألأمر الذي زاد الضغط الأمريكي على ايران.
وكما نرى أيضاً فإن ايران من الداخل تستعد لإجراء الإنتخابات الرئاسية لهذا العام ما دفع الخامنئي لتهدئة الملف السوري قليلاً كي يتمكن من التهية للرأي العام الداخلي والخارجي حول موضوع الإنتخابات الرئاسية التي من المتوقع أن يشوبها إنتهاكات لحقوق الإنسان والحريات مما يفاقم الإنتقادات الغربية لإيران، خاصّةً بعد الإتهامات التي وجهها ولي ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” مؤخَّراً لطهران متهماً إياها بالتدخل في الشؤون العربية وإثارة الأزمات بالعراق واليمن وسوريا. وإن طهران ترغب في تحسين صورتها أمام ارأي العام الخارجي والداخلي عبر إظهار نفسها صورة الدولة التي تحث عن السلام وترغب به وترعاه. إضافةً إلى أن الأزمة السورية كبدتها أيضاً ألكثير من الخائر البشرية والمادية منذ بدء النزاع منذ ست سنوات. فهي ترغب في ترتيب أوراقها تجاه الخارج بعد قدوم رئيس جديد لطهران.
وبخصوص الموقف التركي فإنَّ "رجب طيب أردوغان" الرئيس التركي التقط أنفاسه خاصة بعد التعديلات الدستورية التي أجراها مؤخراً، وبدء سعيه نحو ترتيب الداخل التركي ورسم السياسات الخارجية بما يحقق مصالح دولة تركيا وفق رؤيته هو للأمور, ويعد اتفاق “تخفيف التوتر” نجاحا له وأولى ثمار جهوده لإنشاء المناطق الأمنية التي يدعو لها منذ عام 2013 وهو يحقق له عدد من الفوائد ومنها:
* إنشاء مناطق فاصلة بين الحدود التركية ومدن الصراع والمعارك بسوريا


*تهيئة الوضع الميداني لعملية عسكرية تركية قادمة في سوريا والعراق، حيث أعلن ان المرحلة الاولى فقط من عملية “درع الفرات” هي التي انتهت وهناك عمليات عسكرية جديدة يلاحق بها التنظيمات الارهابية (حزب العمال الكردستاني، داعش) والهدف منها بالطبع منع اقامة اى كيان كردي في شمال سوريا ولذا ستكون هناك عملية عسكرية في “منبج”، وعملية أخرى لتجفيف نفوذ الأكراد في مدنية سنجار بشمال العراق وسيطلق عليها اسم “درع دجلة”.

 

ثالثا: ردود الفعل: 
حظى الأتفاق بترحيب من قبل النظام السوري وبعض فصائل المعارضة ومنها حزب “الإرادة الشعبية”، وبعض الدول العربية ودول الأتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية. بينما رفضته جماعات المعارضة المسلحة والسياسية في سوريا وأنسحبت من الإجتماع ولم توقع عليه أو تعتمده، وأتهمت موسكو بالفشل في إلزام النظام السوري وحلفائه وإيران بإحترام الاتفاقات السابقة لوقف إطلاق النار وكان أخرها “الإتفاق الثلاثي”. ويمكن تلخيص اهم ردود الفعل عليه فيما يلي:
*الموقف الأمريكي: ترحيب واشنطن بالاتفاق، وإعلان رئيسي الأركان الروسي والأمريكي يوم 7 مايو 2017 إستئناف كامل لتنفيذ بنود مذكرة مشتركة لمنع وقوع حوادث جوية فوق سوريا، وتقوم الدولتين بقصف جوي لاهداف مختلفة، وقد تم تعليق تلك المذكرة بعد القصف الجوي الامريكي لمطار “الشعيرات” في أبريل 2017.
*رحبت الأمم المتحدة عبر مبعوثها لسوريا “ستيفان دي ميستورا” بالاتفاق لأنه خطوة في الاتجاه الصحيح لوقف حقيقي للقتال.
*مصر: رحبت في بيان لوزارة الخارجية بالإتفاق، وجددت دعمها للوقف الفوري للعنف وتحسين الأوضاع الإنسانية. وموقفها القائم على ضرورة إيجاد حل سياسي ينهي الأزمة السورية، يحافظ على وحدة الأراضي السورية واستقلالها وينهي وجود التنظيمات الإرهابية بها.
*إسرائيل أعلنت أنها لا تهتم بالإتفاق وستواصل القصف الجويّ التي تشنه من آن لآخر ضد معسكرات “حزب الله” اللبناني في سوريا.
*رفض حزب “الاتحاد الديموقراطي الكردي” في سوريا الإتفاق لأنه يمهد لتقسيم طائفي لسوريا، والحزب هو الذراع السياسي “لوحدات حماية الشعب الكردية” التي تقوم بعمليات مسحلة ضد “داعش” في سوريا وتتلقي دعم عسكري ولوجيستي من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وتسعى لترسيخ الحكم الذاتي عبر تأسيس نظام جديد في الشمال يقوم على حكومة اتحادية.
*ممثلي المعارضة السورية (معارضة أنقرة والرياض) رفضوا الإتفاق وعللوا موقفهم بثلاث أسباب حيث إن الاتفاق .. لا يتضمن النص على وحدة الأراضي السورية، لا يشمل وقف إطلاق النار بسوريا كافة، وضع إيران كدولة ضامنة لتنفيذ الاتفاق أمر مرفوض بالنسبة لهم.
وظهرمن خلال ردود الفعل أن كل طرف من الأطراف استغل الاتفاق لتجديد مواقفه من الأزمة السورية ككل وليس من اتفاق “تخفيف التوتر” فقط.
رابعا:ما هي فرص نجاح الاتفاق؟
لقد أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن قوات النظام كانت قد اشتبكت مع قوات المعارضة بعد الإتفاق بساعات قليلة في أحد مناطق إتفاق "تخفيف التوتر" في محافظة حماة. الأمر الذي يطرح التساؤلات حول إمكانية ضمان تطبيق هذا الإتفاق وسريانه والذي يكون رغبة الدول الثلاث (روسيا، إيران، تركيا) في إنهاء الأزمة لأنها صاحبة القرار على الأرض مما يؤدي الى وقف الحرب فور ايقاف هذه الدول عن تقديم الدعم اللوجيستي والعسكري والمادي المقدم لحلفائها الميدانيين المسلحين.
فإيران وروسيا تدعمان النظام وحزب الله بكل بقوة وفي المقابل إن تركيا تدعم الفصائل المسلحة المعتدلة. وهنا يأتي السؤال هل ستنصاع الفصائل المسلحة لأوامر أنقرة أم أنها خرجت عن السيطرة؟ وهو ما ظهر من خلال النزاع الذي وقع مؤخرا "حرب الفصائل" الذي وقع بين الفصائل المسلحة السورية في الغوطة الشرقية بينها وبين بعضها من جانب وبينها وبين التنظيمات الإرهابية “كداعش والنصرة” من جانب آخر.
إذاً فإن نجاح اتفاق “تخفيف التوتر” وحل الازمة السورية حل نهائي مرهون بأمرين..
الأول: هو لعبة الشد والجذب بين الدول الإقليمية والدول الكبرى الأطراف في الأزمة (إيران، تركيا، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية)، فكل دولة منهم تسعى لتحقيق مصالحها فقط من تورطها في الأزمة السورية، وتسعى للضغط على الأخرى لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وإذا كان من مصلحتهم استمرار الأزمة ستستمر دون توقف، والعكس صحيح.
الثاني: موقف الفصائل المسلحة المعتدلة والإرهابية، وهي أشبه “بعرائس الماريونيت” التي تتحرك على الأرض وأطراف خارجية ممسكة بخيوطها لتحركها وفق مصالحها، فهل ستنصاع العرائس لرغبة محركيها وتوقف القتال، أم ستتمرد عليها وتتحرك بمفردها لترسم بنفسها مستقبل لحل الأزمة السورية وفق مصالحها؟ وذلك لن يكون في مصلحة الدولة السورية الموحدة. الأيام القادمة ستكون كافية للإجابة عن هذه الأسئلة، فإذا نجح إتفاق “تخفيف التوتر” لمدة ستة أشهر سيكون بداية النهاية للأزمة وخارطة طريق حقيقية تطبق في كل أرجاء سوريا لوقف القتال وهذا ما نأمله.
فهل سيكون هذا الإتفاق بادرة خير على سوريا ونهاية للأزمة السورية؟ أم أن المصالح الدولية والنزاعات الخارجية ستلعب دورها أيضاً؟