في 25 أبريل الماضي، شنت المقاتلات التركية هجوماً عنيفاً على مراكز حزب العمّال الكردستاني في العراق، وذلك بالتزامن مع هجوم آخر طال معاقل مقاتلي ميليشيات وحدات حماية الشعب التابعة لـ (PYD)، الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، في شمال سوريا.
 

وفقاً للجانب التركي، فقد أدّت هذه الهجمات إلى سقوط حوالي 70 مقاتلاً  من الحزبين المصنّفين إرهابيين لدى أنقرة، وأثارت معها ردود فعل واعتراضات مستنكرة لاسيما من قبل كل من واشنطن وموسكو.

وفقا للمعلومات التي نشرها الجانب التركي، فقد تمّ إخطار البلدين بهذه الضربات بشكل مسبق من الناحية السياسة والعسكرية. وبالرغم من أنّه قد تمّ إنكار ذلك بدايةً من قبل واشنطن، إلا أنّها سرعان ما اعترفت بالأمر، مشيرة إلى أنّه لم يكن بمثابة تنسيق، كما أنّ الاخطار كان قد تمّ قبل حوالي نصف ساعة من القصف، وهي مهلة قصيرة جداً كان من الممكن أن تهدد أرواح أمريكيين متواجدين في مواقع الاستهداف في شمال سوريا.

بعض المصادر تقول بأنّ الجانب التركي أبلغ الطرفين الأمريكي والروسي قبل حوالي ساعة على الأقل من تنفيذه للهجمات، لكن وبغض النظر عن ذلك، كانت هناك تساؤلات كثيرة حول دوافع أنقرة في شن مثل هذا الهجوم الكبير في هذا التوقيت، وهل هو عمل تكتيكي كردّة فعل أم أنه يأتي ضمن سياق استراتيجي، وما الهدف السياسي منه؟

لفت بيان صادر عن رئاسة الأركان التركية إلى أن تركيا عازمة على مواصلة العملية في سوريا والعراق حتى يتم تحييد آخر إرهابي، وهو مؤشر على أنّها تنوي الاستمرار في تنفيذ مثل هذه الضربات كلّما تطلب الأمر ذلك. وبغض النظر عن مدى قدرتها عملياً على استئناف مثل هذه الضربات، لا يوجد أدنى شك في أنّ الهدف غير المباشر من استهداف تركيا لميليشيات حزب (بي واي دي ) الإرهابي كان اختبار موقف إدارة ترامب من هذا الموضوع الحساس جدا بالنسبة إلى الجانب التركي، ويبدو أنّ واشنطن قد فشلت مرةً أخرى في الاختبار.

بعد انتهاء الهجمات مباشرة، دلّت البيانات الأمريكية لاسيما تلك الصادرة عن "سنتكوم"، بالإضافة إلى أفلام الفيديو والصور التي انتشرت عن مرافقة ضباط أمريكيين لعناصر قيادية في حزب العمال الكردستاني، والمشاركة في تجمعات تحمل أعلام الحزب المصنف إرهابي وصور قائده أوجلان، على أنّه ليس هناك أي تغيير في الموقف الأمريكي الذي كان سائدا إبان عهد أوباما، وأنّ الجانب الأمريكي لا يعي أهمّية تركيا أو ربما يفضل تجاهلها لصالح هذا التنظيم.

لقد أثارت هذه التطورات غضب وحنق السلطات التركيّة سيما عندما تم إرسال قوات عسكرية أمريكية للقيام بدوريات مشتركة مع ممثلي حزب (بي واي دي) مقابل الحدود لمنع القوات التركية من استهدافها، كما أصيب المسؤولون الأتراك بخيبة أمل خاصة أنّهم كانوا يتوقعون موقفاً مختلفاً من الخارجيّة الأمريكية، أو هكذا فهموا من زيارة وزير الخارجية تيليرسون المرة الماضية إلى أنقرة. لكن تبيّن أن الخارجية لا تملك كلمة في هذا الأمر كما يقول بعض المسؤولين، وأنّ الكلمة النهائية متروكة للبنتاغون الذي لا يزال يتّبع استراتيجيته القديمة ذاتها والتي يفضّل من خلالها الوقوف إلى جانب (بي واي دي) على حساب أنقرة.
 
في منتصف الشهر الحالي، سيتوجه الرئيس التركي إلى الولايات المتّحدة للقاء نظيره الأمريكي، وهو لقاء في غاية الأهمّية، يأمل الجانب التركي أن يستطيع من خلاله إقناع الرئيس ترامب بأن يأخذ المبادرة باعتباره صاحب القرار النهائي وأن يقوم بالتخلي عن "بي واي دي". ومن المتوقع أن يُبنى على هذا اللقاء الكثير من الخطوات لاحقاً لناحية تمتين التعاون الأمريكي- التركي في سوريا والمنطقة، أو ربما يدفع الطرفين باتجاهات متناقضة مرة أخرى، وهو ما قد يعد فرصة لجذب أنقرة مرة أخرى إلى ساحة روسيا. كما قد يفيد هذا الوضع إيران التي تبحث عن إيجاد أو تعميق الخلافات بين الدول التي تسعى إلى تحجيمها.