ما من شك في أنّ فصل الصيف المقبل سيكون حاراً. ليس الواقع السياسي - الانتخابي وحده هو السبب، وإنما لأنّ هناك مخاطر أمنية تلوح في الأفق وترتبط بالمثلث السوري - الإسرائيلي - اللبناني.في المنطقة اندفاعة أميركية لتثبيت واقع جديد من خلال تحضير الساحات لتسويات تشمل خصوصاً الملفين السوري والإسرائيلي - الفلسطيني.
 


صحيح أنّ هذين الملفّين يحمل كلّ منهما بنود تسوية مستقلة عن بنود الملف الآخر، لكن هذا في الظاهر، أما الحقيقة فإنّ الترابط بينهما هو في العمق.

أحد وجوه هذا الترابط ما يتعلّق باشتراط الحكومة الإسرائيلية إنشاء منطقة عازلة تشمل المساحة المتاخمة للخطّ الفاصل بين سوريا وإسرائيل في الجولان، وطلب الأردن أن تمتدّ هذه المنطقة لتشمل ايضاً الحدود السورية - الأردنية بذريعة منع تسرّب العناصر المتطرفة والإرهابية الى داخل الأردن.

ومنذ اسابيع معدودة، باشر خبراء عسكريون بالتوافد الى الأردن في إطار مهمة إنشاء المنطقة العازلة. وفيما راجت أخبار حول أنّ عماد القوة التي ستعمل للسيطرة على هذه المنطقة وتأمينها سيكون أردنياً وأميركياً، وربما تجرى الاستعانة بقوات مصرية، ولوحظ أنّ الجيشين الأردني والأميركي أجريا مناورات مشترَكة.

وستكون لهذا التطوّر الميداني أهداف ثلاثة. فعدا الهدف الأهم وهو إنشاء شريط حدودي، هناك هدف ثانٍ بالاقتراب من العاصمة دمشق ورفع نسبة الضغط على النظام السوري عند كل محور تفاوضي حساس، اضافة الى هدف ثالث بإبعاد «حزب الله» والإيرانيين عن خطوط التماس مع إسرائيل.

من البديهي الاستنتاج أنّ «حزب الله» سيعمل على إجهاض هذه الخطوة، وهو الذي بات يتعاطى مع الجولان كامتداد لجبهة جنوب لبنان، وبتعبير أوضح، كجبهة قتال واحدة. ومن هذا المنظار تستعد واشنطن لرفع ضغوطها على «حزب الله» من خلال الإجراءات المالية والمصرفية الجاري الحديث عنها.

ومن هذه الزاوية أيضاً يمكن إدراج الحديث الذي راج خلال المرحلة الماضية عن حرب يحضّر لها لضرب «حزب الله» في لبنان. حديث تعاطى معه الحزب بجدّية وكأنّ الحرب حاصلة حتماً، ولو أنّ التقديرات تشير الى أنّ التلويح بالحرب يأتي في إطار الضغوط والتهويل أكثر منه في إطار الخطة الفعلية.

ذلك أنّ واقع الجيش الإسرائيلي لناحية سلاح المشاة يبدو صعباً، ما يجعله عاجزاً عن أيّ عمليات برّية، وإسرائيل تدرك أنّ «حزب الله» طوّر إمكاناته العسكرية وهو بات يمتلك أنواعاً جديدة وحديثة من الصواريخ، أبرزها صواريخ مضادة للسفن وقادرة على تهديد كامل الشاطئ الإسرائيلي بما فيها منصات استخراج الغاز. لذلك فإنّ «حزب الله» الذي اكتسب خبراتٍ قتالية مهمة في معارك سوريا وضع خططاً لاقتحام شمال إسرائيل على أساس أنّ حرب المشاة باتت تشكل نقطة قوة لديه فيما هي نقطة ضعف الجيش الإسرائيلي.

ووجّه «حزب الله» رسائل عدة في هذا المضمار منها تقرير عسكري مفصَّل بثّته قناة «المنار» عن التجهيزات الدفاعية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في المناطق الشمالية القريبة من الحدود.

ومنذ مدة غير بعيدة أوكل الجيش الإسرائييلي الى الرائد الياهو غاباي مهمة إنجاز خطة تغيير تضاريس المنطقة الشمالية لإسرائيل وتعديل معالم جغرافيا الأرض بغية ردع «حزب الله» عن أيّ مشروع هجومي ضمّ إنشاء منحدرات وحفر خنادق وصنع حواجز ترابية وبناء حواجز إسمنتية وإزالة أشجار على أن تكون جغرافيا الأرض مختلفة جذرياً في السنة المقبلة.

«حزب الله» في المقابل تعمّد توجيه رسالة أخرى وأقوى، فنظّم جولة صحافية الى الحدود هي الأولى من نوعها ومفادها: إسرائيل انتقلت للمرة الأولى في تاريخها من حالة الهجوم الى واقع الدفاع و«حزب الله» من حالة الدفاع الى واقع الهجوم، وهذا ما قالته في وضوح مصادر ديبلوماسية أميركية معنيّة بالملف اللبناني.

وحسب هذه المصادر، فإنّ الأهم في الجولة وجود مسؤول عسكري من «حزب الله» عمل على شرح الإجراءات التي ينفّذها الجيش الإسرائيلي، مظهراً للإسرائيليين عبر الإعلام معرفته الكاملة بموقع البلدات الإسرائيلية إضافة الى مواقع عسكرية وانتشار الوحدات، كما أظهر معرفته بتراتبية القيادة في المنطقة وصولاً الى الفرق الصغيرة.

أراد «حزب الله» أن يقول: «نحن نتابع كل حركة عن كثب ونعرف بكلّ ما يجرى بالتفاصيل الدقيقة ونستعد لها ولا يمكن مفاجأتنا».

ووفق كلّ ما تقدم، فإنّ الغيوم التي تتجمّع فوق الجولان قد تصل أمطارها الى لبنان وفصل الصيف بات على الأبواب. وما يفاقم من خطورة الوضع، ذلك النزاع السياسي الدائر حول قانون الانتخابات، والذي يكاد يُدخل لبنان في أزمة ستطاول بنية الدولة اللبنانية من أساسها.

وفي اختصار لا استقرار سياسياً، وهو ما يشكل خرقاً للخطوط الحمر الموضوعة دولياً. فواشنطن كما موسكو ترفضان أيّ مساس بالاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وتؤيّدان حصول الانتخابات مدخلاً إلزامياً لتأمين الاستقرار بصرف النظر عن القانون.

وعلى رغم أنّ المناخ السائد لدى الجميع هو أنّ إجراء الانتخابات وفق القانون الحالي بات أمراً شبه محسوم، لكنّ نقاشاً يجرى على مستوى ضيّق جداً حول مخرج يحفظ ماء وجه الجميع ويقضي بإقرار قانون جديد يقوم على النسبية الكاملة وفق الدوائر الست أو العشر، وأنّ هذا الخيار يحظى بموافقة القوى الأساسية وهي «التيار الوطني الحر» و«المستقبل» والثنائي الشيعي، ما يجعل الاعتراض عليه من القوى الأخرى قابلاً للترتيب.

لكنّ همسات الكواليس تشير الى أنّ الانتخابات ستحصل عندها في نهاية تشرين الثاني المقبل لسببين:

الأوّل: لإعطاء الوقت المطلوب لإنجاز الترتيبات الإدارية المطلوبة.

الثاني: وهو الأهم ربما والقاضي بتجاوز مهلة منتصف تشرين الثاني والتي سيجرى فيها تلزيم البلوكات النفطية والتي تحظى بتفاهم مختلف القوى الأساسية، إضافة إلى أنها شكلت إحدى المهمات الأساسية لهذه الحكومة.

وفي هذه الحال إذا صحّت يكون كل هذا النقاش الحاد الحاصل حول قانون الانتخابات متفاهم عليه لتقطيع الوقت.