لم يجتمع الساسة اللبنانيون في كواليسهم، كما يجتمعون حالياً على توصيف طباع وزير الخارجية جبران باسيل ونهجه. كلّهم يصفونه بـ"الطائفي" صاحب النزعة التقسيمية. على هذا الأساس يجري التعاطي معه حالياً، وتحديداً في موضوع قانون الانتخابات. الفارق هذه المرّة، أن أبرز معرقلي صيغ باسيل هم حلفاؤه وخصوصاً حزب الله الذي رفض هذه الصيغ لعدم مراعاتها صحة التمثيل، ولأن فيها نزعة الغائية تجاه الأفرقاء كافة. وهذا ما أبلغه نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم إلى باسيل في لقاء سابق عُقد بينهما.

منذ تشكيل الحكومة، بدأت نظرة حزب الله تتغيّر إلى باسيل. فالحزب الذي لا يريد الغاء حلفائه المسيحيين الآخرين، لا يريد أن يذهب باسيل بالعلاقة مع القوات اللبنانية إلى ما يُعيد تجربة مسيحية مرت على حكم لبنان. فهو يعتبر أن المرحلة الحالية مختلفة عن المرحلة السابقة. قبيل انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية كان التيار والمسيحيون طرفاً مغبوناً، وضحية تركيبة النظام السياسي، أما بعد وصول عون إلى بعبدا فأصبح المسيحيون أصحاب الكلمة والقرار، وركناً أساسياً من أركان الحكم والتركيبة. والدليل أن عون استخدم صلاحة لم يستخدمها أي رئيس من قبله.

دعم حزب الله التيار لتحقيق ما يريد إلى النهاية، لكنه غير مستعد لأن يدعمه في التمادي لإلغاء الآخرين. بالتالي، فإن معارضة الحزب خيارات التيار وباسيل تصبح جائزة حالياً بخلاف السابق. في مقابل الحزب، فإن وجهة نظر الرئيس نبيه بري، وتيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي لم تتغير تجاه باسيل، فهم منذ بداية مسيرته لم يستسيغوه. وهذا شعور متبادل، فهو لا يترك مناسبة إلا ويحاول عبرها الإنتقام منهم أو توجيه ضربة إليهم. وهم كذلك ينتظرونه على كل المفترقات.

أما بالنسبة إلى القوات اللبنانية، فإن الخلاف حاضر بقوة أيضاً مع باسيل، خصوصاً أنه يعمل بشكل مفضوح للوصول إلى سدة الرئاسة في الاستحقاق الرئاسي المقبل. هذا ما يعرفه حزب الله كما القوات بشكل أكيد. والطرفان، بالإضافة إلى الأفرقاء الآخرين، يتفقان على إستحالة وصوله إلى بعبدا. لكن المعروف عن رئيس التيار الوطني الحرّ أنه لا يتراجع، وهو يقابل الرفض تجاهه بمزيد من الهجوم والتصعيد. والدليل على ذلك، طريقة تعاطيه في مسألة ترشيح عون للرئاسة منذ ثلاث سنوات، وكيف استمر على تصعيده ضد المستقبل وضد دول الخليج، إلى أن وصل إلى ما يريده. وكذلك ما يحصل في قانون الانتخاب، فما أن تُرفض صيغة حتى يقترح أخرى مشابهة لها، إلى أن وصل به الأمر إلى التهديد بالعودة إلى الأرثوذكسي. وهذا ما فعله في القانون التأهيلي. ويعتبر باسيل أن الوضع اللبناني لا يستقيم إلا بهذه السياسة. وإذا كان الزعماء الحاليون فرضوا نفسهم بالقوة في الحرب، فلا بد في السلم من اللجوء إلى القوة السياسية ليفرض نفسه، وللقوة الانتخابية لتكريس نفسه صاحب الأكثر تمثيلاً للمسيحيين. بالتالي، هو الأحق بالرئاسة.

في التفاصيل السياسية الداخلية، فإن خلافات باسيل مع القوات كبيرة جداً، تبدأ من تعيين أصغر موظف مسيحي في الدولة، وتصل إلى الخلافات التي بدأ الهمس حولها، ازاء الترشحيات، خصوصاً أن هناك من يعتبر أن باسيل يريد التحالف مع القوات ولكن بشروطه، بشكل لا تحصل فيه القوات على أكثر من خمسة عشر نائباً، فيما تبقى كتلة التيار الوطني الحر نحو 27 نائباً. وهذه بالإضافة إلى الخلاف في شأن التعيينات الإدارية والأمنية والعسكرية وأمور أخرى، كفيلة بزعزعة هذا التحالف.

أما الخلاف مع حزب الله، فيبدو أنه يتخطى هذه التفاصيل، ليطال جانباً إستراتيجياً. فنزعة باسيل التقسيمية، لا تهدف إلى كسب تأييد عدد أكبر من المسيحيين فحسب، بل إنه يسعى إلى توجيه رسالة إلى الخارج، مفادها أن المسيحيين القدماء قد عادوا، وأنه قادر على مواجهة الثنائي الشيعي وتحديداً حزب الله. وفي هذا السياق يستخدم طرحه الصيغ الانتخابية ومواقفه العلنية، واستخدام رئيس الجمهورية صلاحيته الدستورية في تأجيل جلسة مجلس النواب لشهر. إضافة إلى سعيه إلى استدرار العطف الدولي والدعم الخارجي، في غمرة الفرز المذهبي والسكاني الذي تشهده سوريا.

نزعة باسيل التقسيمية هذه، مشهودة بالنسبة إلى الجميع، ولذلك اختار النائب وليد جنبلاط الخروج عن صمته والتحدث بلسان ما يقوله الجميع في السرّ، عن طروحات باسيل التقسيمية. وهذه النظرة، لا تفترق عن كلام باسيل التصعيدي ضد اللاجئين السوريين. فإذا كان لبنان الرسمي يرفع السقف في شأن اللاجئين للحصول على مساعدات، فأن باسيل يهاجمهم لسبب آخر، ولا يخلو خطابه من التعصب، لإستدراج الدول إلى ما يريده. وبمعزل عن إذا ما سيتحقق ذلك، إلا أنه بالنسبة إلى باسيل، يكفيه أن يبقى هذا الكلام قيد التداول، لأنه يمنحه هامش حركة أكبر.

لكن، في المقابل، من يقرأ تصرّفات باسيل السياسية بهدوء، يعتبر أنه ليس الوحيد الذي يتحمّل مسؤولية ما يقوم به، بل هو ينطلق من دعم لا محدود حظي به منذ سنوات. بالتالي، فإن هذا الرأي الذي لا يبرئ باسيل، يحمّل المسؤولية لحزب الله.