هي المرّة الأولى التي يستخدم فيها رئيس جمهورية لبنان المادة 59، منذ تاريخ وضعها في العام 1929. تخطّى ميشال عون الرؤساء الأقوياء. ممارساته في دعم الوزير جبران باسيل وصيغه وتوجهاته السياسية، أحالت البعض من حلفائه إلى وصفه بـ"بشير جميل" جديد، مع تسجيل العديد من الاختلافات. لكن الأكيد أن ما فعله عون غير مسبوق في تاريخ السياسة اللبنانية، ولم يكن متوقعاً أن يحصل في الوضع الراهن، خصوصاً أن النظرة المأخوذة عن لبنان، تضعه في جيب الثنائي الشيعي. فإمكانية التفكير في خروج رئيس يوجه سهامه ضد هذا الثنائي تبدو شبه مستحيلة.

من هنا يبدأ التفكير بهدوء. ما دفع عون إلى اتخاذ هذا الخيار، هو جملة عوامل. وهي لم تكن تحدياً لأحد، بل جرى التوافق عليها في الكواليس، وثمة من أحسن إخراجها وأبدع، بخلاف الأخطاء التي اعترت إخراج مسألة دعوة مجلس النواب إلى الجلسة لإقرار التمديد. لا أحد يحسن صناعة الصورة القوية أكثر من عون. أجادها في منفاه الباريسي، فراكم جماهير ملّ الإنتظار من إنتظارها، واستكمل مسيرته باكتساح الشارع المسيحي في العام 2005، وبقي في نظر كثيرين من المسيحيين الرئيس القوي، الذي لا يقهر، ولا يلوّح له بالعصا. وليس الإخراج الأخير لتأجيل التمديد لمجلس النواب، لشهر واحد، سوى خطوة جديدة على طريق استكمال بناء هالة التمجيد.

ضرب عون أكثر من عصفور بحجر واحد. إذ تؤكد مصادر "المدن" أن الخيار الذي أقدم عليه، كان مدار بحث بين الأفرقاء كافة، بحيث يستفيد الجميع. الانتخابات ستبقى بحكم المؤجلة، المراوحة في البحث عن قانون جديد ستبقى على حالها، من لا يريد الانتخابات سيتمكن من التهرب منها، والأهم هو امتصاص غضب الشارع الذي عمل عون والأفرقاء المسيحيين على تجييشه.

تلقّى رئيس مجلس النواب نبيه بري خطوة عون بإيجابية، ووضعها في خانة التحفيز، وبذلك جرى سحب أي فتيل للتوتير بين الرجلين. هذه الفكرة تلاقي فكرة الإتفاق المسبق على ذلك، من دون إغفال، أن بري كما غيره غير قادرين على فعل شيء في مواجهة عون. وصحيح أن عون حقق إنتصاراً صورياً، إلّا أن الواقعية ستقود إلى حصول التأجيل بعد انقضاء فترة الشهر، وإلى حينه، وفي ظل استمرار استعصاء ولادة قانون جديد للانتخابات، ثمة من سيعيد المطالبة بالعودة إلى القانون النافذ، أي قانون الستين لتجنّب التمديد، رغم الحديث عن تحقيق تقدّم في ما يخص القانون الانتخابي على أساس النسبية الكاملة.

لم تكن رسالة عون موجهة إلى الداخل فحسب، بل الى الخارج أيضاً، هذا الخارج الذي أثارت حفيظته تصريحات عون بشأن حزب الله، فأراد استعادة قوته التي اكتسبها من خطاب القسم، وتوجيه رسالة إلى الخارج بأنه يستطيع معارضة الثنائي الشيعي، وتحديداً حزب الله، الذي لم يكن رئيس مجلس النواب يدعو إلى جلسة للتمديد لولا موافقته عليها. وبذلك يكون عون قد اتخذ موقفاً معارضاً لإرادة الحزب.

أما داخلياً، فكلّ شيء محسوب ومرتّب، على الطريقة اللبنانية دوماً، برفع الصوت علناً، وإنجاز الإتفاق ضمناً. لم يفعل عون غير تأجيل المشكلة، وهناك من يصف ما فعله بأنه "رمي الورقة الرابحة والقوية قبل أوانها لحرقها". فالخامس عشر من أيار، الموعد الذي أجل بري جلسة التمديد إليه، يسمح بإعادة إقرار قانون التمديد وبأن يصبح نافذاً قبل انتهاء العقد العادي لمجلس النواب. وهذا ما يفسّر سرّ سرعة بري في الدعوة إلى الجلسة التي كانت من المفترض أن تعقد الخميس 13 نيسان 2017.

والدليل على "فبركة" هذا الحلّ، هو أنه كان في إمكان عون أن يترك الجلسة تمرّ، والتمديد يقرّ، وبعدها سيحيل المجلس النيابي هذا القانون إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليه، ويكون للرئاسة خمسة عشر يوماً لإبداء الرأي، فإذا ما رفضه عون، يعيده إلى المجلس لدراسة الرفض، أو للمصادقة عليه، ليصبح نافذاً. وبما أن عون رفض التمديد، كان بإمكانه الإستمهال لمرور فترة الخمسة عشر يوماً بكاملها، وقبل ساعتين من إنقضائها، بإمكانه إرسال رفضه إلى المجلس النيابي واستخدام صلاحياته وفق المادة 59، وتعليق عمل المجلس لمدة شهر. وهذا كان سيقود فعلاً إلى إسقاط التمديد، لأن بعد 15 يوماً من الثالث عشر من نيسان، نصل إلى 28 نيسان، وإذا ما استخدم عون صلاحياته في تعليق عمل المجلس لفترة شهر، نكون قد وصلنا إلى الثامن والعشرين من أيار، أي قبل ثلاثة أيام من إنقضاء العقد العادي لمجلس النواب. وحينها سيحدد برّي جلسة، خلال ساعات لإعادة إقرار التمديد، وإحالته مجدداً إلى رئاسة الجمهورية، وسيكون لدى عون 15 عشر يوماً جديداً لإبداء رأيه، تكفيه إنتظار ليلة انتهاء العقد العادي للمجلس لإرسال رفضه. وحينها لا يمكن للمجلس الإنعقاد للرد على هذا الرفض أو للمصادقة على القانون بدون الدعوة إلى عقد جلسة إستثنائية. وبحسب الدستور، فإن عقد الجلسة الإستثنائية يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية. بالتالي، فإن استخدام عون هذه الصلاحية حالياً، لن يمنع التمديد إنما يؤجّله فحسب. وكل ذلك بالتوافق بين الأفرقاء كافة.