هجمة صاروخية أميركية على قاعدة الشعيرات الجوية السورية من المتوقع أن تعيد خلط المعطيات على الأرض وتكشف عن انتهاج الرئيس الأميركي الجديد لسياسة مختلفة حيال سوريا، في المقابل كان تعزيز الدفاعات الجوية للأسد أول ردود الفعل الروسية المسجلة.
 

أنهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب سنوات من الارتباك في السياسة الأميركية حيال الملف السوري، بعد إعطاء الأوامر لجيشه بتوجيه أولى الضربات العسكرية ضد النظام السوري.

وأقدم الجيش الأميركي فجر الجمعة على توجيه ضربة صاروخية على مطار الشعيرات في محافظة حمص ردا على “هجوم كيميائي” اتهمت واشنطن النظام السوري بتنفيذه في مدينة خان شيخون في شمال غرب البلاد الثلاثاء الماضي.

وتعد هذه الضربة بمثابة رسالة قوية من الإدارة الأميركية الجديدة مفادها تبدّل السياسات المنتهجة، ما يعيد خلط أوراق اللعبة في سوريا وينذر بتغيّر كبير في المعطيات على الأرض.

وعلى الرغم من الحضور الروسي القوي في مختلف الأراضي السورية وأجوائها، فإن ذلك لم يردع ترامب على إعلان تحديه لموسكو وحليفها الأسد، ما يشير إلى أن الأسد سيكون مجبرا على التفكير مليّا قبل الإقدام على ارتكاب أي مجازر أخرى بحق السوريين كما كان الحال في السنوات القليلة الماضية.

وعبّرت دمشق وموسكو عن غضبهما البالغ بعد القصف الأميركي لقاعدة جوية في وسط سوريا.

وسارع حلفاء واشنطن والمعارضة السورية إلى الترحيب بالضربة، فيما طلبت موسكو بانعقاد مجلس الأمن بشكل طارئ للبحث في “عدوان على دولة ذات سيادة”.

وردت موسكو بعنف على الضربة الأميركية، وأعلنت الجمعة عن تعليق الاتفاق مع واشنطن الرامي إلى منع وقوع حوادث جوية بين طائرات البلدين في الأجواء السورية بعد الضربة الصاروخية الأميركية.

وصرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الضربة الأميركية على قاعدة جوية للنظام السوري “عدوان على دولة ذات سيادة”، محذرا من أنها قد تلحق “ضررا هائلا” بالعلاقات بين واشنطن وموسكو. وأعلن الجيش الروسي الجمعة أنه “سيعزز” الدفاعات الجوية السورية بعد الضربة الصاروخية الأميركية.

وقال المتحدث باسم الجيش إيغور كوناشنكوف “من أجل حماية البنى التحتية السورية الأكثر حساسية، سيتم اتخاذ سلسلة من التدابير بأسرع ما يمكن لتعزيز وتحسين فاعلية منظومة الدفاع الجوي للقوات المسلحة السورية”.

وأدانت إيران بدورها “بشدة” الضربة الأميركية على قاعدة عسكرية للنظام السوري.

واعتبرت الرئاسة السورية في بيان أن الضربة الأميركية تصرّف “غير مسؤول”. ووصفت الرئاسة في بيان نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” الضربة بـ”العدوان الجائر والسافر”.

واعتبرت أن هذا “الفعل المشين عبر استهداف مطار لدولة ذات سيادة يوضح بالدليل القاطع مرة أخرى (..) أن تعاقب الإدارات لهذا النظام لا يغيّر من السياسات العميقة لكيانه المتمثلة باستهداف الدول وإخضاع الشعوب ومحاولة الهيمنة على العالم”.

ومن جهتها وصفت جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية الضربة الأميركية بأنها “خطوة حمقاء” ستؤدي إلى “توتر كبير وخطير على مستوى المنطقة”.

 

 

وقال حزب الله، الذي يقاتل دعما لحكومة الأسد في الحرب السورية التي مضت عليها ست سنوات، “هذه الاعتداءات الآثمة لا يمكن أن تؤثر في معنويات الجيش السوري البطل الذي يحقق الانتصارات تلو الأخرى”.

وكان الجيش الأميركي أطلق فجر الجمعة 59 صاروخا عابرا من طراز توماهوك من المتوسط في اتجاه قاعدة الشعيرات.

وأفاد الجيش السوري عن “ارتقاء ستة شهداء وسقوط عدد من الجرحى وإحداث أضرار مادية كبيرة”. ولم يحدد ما إذا كان القتلى من المدنيين أو العسكريين.

وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان من جهته إلى مقتل سبعة عسكريين في الضربة الأميركية في المطار.

ونقلت وكالة الأنباء الروسية أن “العدوان الأميركي تسبب في وقوع تسعة شهداء من المدنيين بينهم أربعة أطفال وإصابة سبعة آخرين في قرى الحمرات والشعيرات والمنزول” القريبة من المطار، مشيرة أيضا إلى حصول “دمار كبير في المنازل”.

وقال مسؤول أميركي إن المطار مرتبط ببرنامج الأسلحة الكيميائية السوري ومتصل مباشرة بالأحداث الرهيبة التي حصلت صباح الثلاثاء في خان شيخون في محافظة إدلب.

وأتت الضربة العسكرية الأميركية بعيد فشل مجلس الأمن الدولي في الاتفاق حول قرار يدين الهجوم الذي أودى بحياة 86 شخصا على الأقل بينهم 30 طفلا.

وقال مسؤولون أميركيون إن القصف ألحق “أضرارا كبيرة” بالمطار و”دمّر طائرات” وبنى تحتية، ما من شأنه أن “يقلل من قدرة الحكومة السورية على شن ضربات”.

واستهدفت صواريخ التوماهوك بشكل أساسي “حظائر الطيران” ومخازن الوقود والذخائر وقواعد دفاع جوي ورادارات.

وأكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن من جهته أن “المطار دمر بشكل شبه كامل”. وأعلن التلفزيون الروسي أن تسع طائرات تابعة لسلاح الجو السوري دمرت في الضربة الأميركية.

وأظهرت صور بثها التلفزيون طائرتين على الأقل لا تزالان سالمتين في المرآب المصنوع من الإسمنت المسلح، بينما غطت الأرض قطعا من الصفائح المعدنية وحطاما غير محدد.

وكان ترامب قد وجه خطابا إلى الأمة من منزله بفلوريدا بعد بدء الضربة، وصف فيه بشار الأسد بـ”الدكتاتور”. وقال “باستخدام غاز الأعصاب القاتل انتزع الأسد أرواح رجال ونساء وأطفال لا حول لهم ولا قوة”.

وتابع “من مصلحة الأمن القومي الحيوية للولايات المتحدة منع وردع انتشار واستخدام الأسلحة الكيميائية القاتلة”.

ودعا ترامب “كل الدول المتحضرة إلى الانضمام إلينا في السعي إلى إنهاء المجزرة وسفك الدماء في سوريا والقضاء على الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله”.

ورحب الائتلاف السوري المعارض وفصائل مقاتلة بالضربة الأميركية، ودعا المعارضون إلى استمرار الضربات ضد نظام الأسد. وفي خان شيخون، المدينة التي لا تزال تعاني هول صدمة الهجوم الكيميائي، قال سكان الجمعة إن شيئا لن يعيد لهم موتاهم وعبروا عن أملهم في أن تستمر الضربات العسكرية الأميركية “لردع” النظام السوري.

وقال الحاج كسار في أحد شوارع المدينة الحزينة بصوت عال أقرب إلى الصراخ، “لم يصل بعد حق الشهداء”.

واعتبرت تركيا أن الضربة الصاروخية الأميركية “إيجابية”، لكن “غير كافية”، ودعت إلى إقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا.

ودعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى مواصلة العملية الأميركية “على المستوى الدولي في إطار الأمم المتحدة إذا أمكن، بحيث نتمكن من المضي حتى النهاية في العقوبات على الأسد ومنع هذا النظام من استخدام الأسلحة الكيميائية مجددا وسحق شعبه”.

كما أيدت ألمانيا واليابان وبريطانيا وكندا والبرلمان الأوروبي وإسرائيل الضربة الأميركية، وكذلك السعودية ودول خليجية أخرى والأردن.

ودعت الصين إلى “تفادي أي تدهور جديد للوضع” في سوريا، منددة بـ”استخدام أي بلد” لأسلحة كيميائية.