لم يكن أحد يتوقع ان يكون قلب دمشق ساحة معركة بين النظام السوري وحلفائه من جهة، وبين عدد من فصائل المعارضة التي جرى تصنيفها بانها خارج محادثات السلام في جنيف. وعندما نتكلم عن معركة يكون الامر متعلقا بحدث أمني يتجاوز الانفجارات والعمليات الانتحارية، إذ يكفي ان يخرج مسلحون في العاصمة السورية ليشتبكوا مع قوات النظام وحلفائه لنتبيّن ان موضوع أمن المدينة ليس محسوما بعد. ويقول زائرون لدمشق قبل المواجهات الاخيرة انهم وجدوا أنفسهم واقفين مرارا عند حواجز أمنية متعددة عندما كانوا يجتازون ليلا بضع مئات من الامتار في أحياء دمشق. فأين هي الاجراءات التي تبخّرت تماما في الايام الاخيرة؟

الرسالتان اللتان وجهتهما خارجية الاسد الى الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي تحدثتا عن "ثبوت تورط أجهزة المخابرات التركية والسعودية والقطرية" في مواجهات دمشق. وهذه المرّة لا توجد أية إشارة الى اسرائيل التي تمثل العنوان المفضل لتوجيه الانظار اليه، علما ان الايام الماضية حفلت بالتحليلات والمواقف بعد الغارة الجوية الاسرائيلية قرب مدينة تدمر قبل 9 أيام. ففي المعطيات التي جرى تداولها بعد غارة تدمر ان إسرائيل وجهت رسالة وبصورة معلنة في الميدان الى روسيا لتذكّرها بتعهداتها حيال الحد من نفوذ إيران وذراعها الاهم "حزب الله" في سوريا. وعلى ما يبدو انه بعد الاحراج الذي شعرت به موسكو وغطته باستدعاء السفير الاسرائيلي في موسكو، ابتعد الموضوع عن الاضواء ليتسرب بعده الكلام عن تقارب روسي - اميركي في الملف السوري. وستكشف الايام ما جرى بعد غارة تدمر على رغم انها لم تكن الاخيرة بحسب ما اوردته وكالة "تسنيم" الايرانية التي قالت ان قناة "اي 24" الاسرائيلية "إدّعت تنفيذ الكيان الصهيوني ضربة جوية ضد جبال قاسيون ونسبت الخبر الى وسائل اعلام سورية".
في المشهد الموازي، تحدثت معلومات صحافية عن خطة أمنية انطلقت في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع حيث نفوذ "حزب الله" لمواجهة الفلتان. انها ليست المرّة الاولى التي يجري الحديث فيها عن خطة أمنية في هاتين المنطقتين. لكن وقبل الحكم على الخطة الجديدة أو لها، لا بد من الاشارة الى ظروف مستجدة قد تكون هي خلفية الاجراءات الامنية. ووفق بعض المصادر فإن "حزب الله" ما زال مهتما بشدة بمصير رجل الاعمال قاسم تاج الدين الذي جرى توقيفه في المغرب والذي تصفه هذه المصادر بانه رئة الحزب المالية التي يبلغ حجمها بضعة مليارات من الدولارات. وبالتالي هناك تحسّب لتداعيات هذا التطور على مستويات عدة في لبنان وخارجه. وقد أتى توقيف تاج الدين متزامنا مع دخول إسرائيل بلسان رئيس الاركان غادي إيزينكوت ولو متأخرا على موضوع مصرع القائد البارز في الحزب مصطفى بدر الدين العام الماضي في سوريا.
ثمة تحرك لافت من دمشق الى الضاحية. فهل هناك ما سيلي سقوط "داعش" النهائي قريبا؟ الانظار الان الى الرقة.