مَن يراقب ردود فعل حزب الله على عدد من التطورات التي تتعلق به كتنظيم تابع للجمهورية الاسلامية، يلاحظ ارتفاع منسوب التوتر في هذه الردود، بحسب معلومات من اوساط نيابية لـ”النهار”من مرجع أمني دولي حذَّر من “انتقام” الحزب داخل لبنان رداً على الاستهدافات التي تعرّض لها أخيراً.
 
قبل الخوض في ماهية العمل الانتقامي الذي نبّه اليه هذا المرجع، لا بد من التوقف عند الحدث القضائي العالمي الكبير الذي سيشهده لبنان والعالم في العاشر او الحادي عشر من تشرين الاول، والمتمثل بإعلان الحكم النهائي من المحكمة الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وفق معلومات “النهار”. وبهذا الحكم، الذي يستند وفق هذه المعلومات، الى قرابة مليون وثيقة، سيكون الحزب باعتباره التنظيم الذي ضم الافراد الذين اقترفوا هذه الجريمة في موقع الادانة الرسمية من مرجعية قضائية دولية أنشأها مجلس الامن بموافقة من الدول الكبرى قاطبة. وفي المعلومات أيضا، ان القاضي ديفيد راي رئيس الغرفة الاولى في المحكمة سيلفظ الحكم، وهو آخر دور له في القضية إذ إنه سيتقاعد بعد هذه المهمة.
 
وفي الوقت الذي يمضي هذا المقال الى النشر، تحل الذكرى الخامسة عشرة لمحاولة اغتيال النائب مروان حماده في 4 تشرين الاول عام 2004. وتشاء الظروف أن تطلّ هذه الذكرى بعد أيام من صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الخاصة في قضية حمادة وكذلك في قضية محاولة اغتيال الوزير السابق الياس المرّ واغتيال الامين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي. وفي القرار إتهام لعنصر قيادي في الحزب أيضا هو سليم عياش الذي يأتي في المرتبة الثانية قيادياً في الحزب بعد مصطفى بدرالدين الذي قتل في سوريا عام 2016، وهو المتهم الرئيسي مع مجموعة من الحزب باغتيال الحريري عام 2005. وبحسب المعلومات، فإن الترتيبات اللوجيستية إنطلقت في المحكمة التي ستنظر في هذه القضية، والتي ستُسند رئاسة الغرفة الاولى فيها الى قاضٍ يعتقد انه من الجنسية الفرنسية.
 
في موازاة هذا الملف القضائي الذي يتمحور على تورّط “حزب الله” في هذه الجرائم، تتصاعد وتيرة العقوبات الاميركية المالية التي تطاول الحزب والمتعاونين معه على خلفية تصنيفه “منظمة إرهابية”. ولم يكن إدراج مصرف “جمّال ترست بنك” على لائحة العقوبات بالحدث العادي، لأنه أدى الى تصفية المصرف بقرار ذاتي ما حرم مؤسسات مهمة تابعة للحزب هذه النافذة المصرفية الحيوية التي كانت توفر له قناة رئيسية في الاسواق المالية داخليا وخارجيا. ويقول المدافعون عن المصرف انه لم يرتكب أي خطأ بالتعامل مع مؤسسات الحزب وأفراده لأنه كان يفعل ذلك في نطاق العملة الوطنية فقط، في حين انه كان يبتعد عن التعامل مع هذه الجهات في ما خص الدولار وسائر العملات الصعبة. لكن هذا التبرير لم يبدُ انه كان مسموعا في وزارة الخزانة الاميركية، الجهة الرسمية في الولايات المتحدة التي تصدر العقوبات، ما يعني أن العقوبات مطلقة وليست محصورة بنوع التعاملات.
 
ردّ فعل الاوساط القريبة من “حزب الله” على أزمة السيولة بالدولار في السوق المحلية، لم يكن عادياً، بعدما شابها التوتر بسبب التقارير الاعلامية التي ربطت شحّ العملة الخضراء بتهريب ما تيسر منها الى سوريا وإيران، البلدين المحاصرين أميركياً، واللذين هما بأمسّ الحاجة الى العملات الصعبة لإتمام معاملاتهما مع العالم الخارجي.
الى أين سيؤدي توتر “حزب الله” الذي يصفه مراقبون بـ”الغضب” حيال هذه التطورات القضائية والمالية التي تستهدفه كما تستهدف بيئته والمتعاونين معه؟ رداّ على هذا السؤال، تعرض الاوساط النيابية معطياتها التي استقتها من المرجع الامني الدولي الذي حذّر من احتمال لجوء الحزب الى عمليات تتسم بـ”الانتقام” من الجهات الداخلية التي يمكن أن تستفيد من ضعف الحزب في هذه المرحلة بسبب هذه التطورات. لكن هذا المرجع لم يوضح طبيعة هذا “الانتقام” الذي يراوح ما بين التهديد وإلحاق الاذى الجسدي.
 
ما لفت المراقبين هي الانتقادات المبطّنة التي وجهها رئيس الجمهورية ميشال عون الى وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة على خلفية أزمة سيولة الدولار. وواكب وزير الخارجية جبران باسيل من كندا هذه الانتقادات بتوسيع دائرتها لتشمل ضمناً حزب “القوات اللبنانية”. ورأى هؤلاء ان هذه الانتقادات ستمثل سنداً لأي سلوك انتقامي قد يلجأ الحزب اليه.
 
كثرت التحليلات التي رافقت نشر طهران الصورة التي جمعت حديثا المرشد علي خامنئي مع الامين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله الذي توسط المرشد مع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني. ومن بين هذه التحليلات، واحد من مصادر ديبلوماسية أفادت ان الجمهورية الاسلامية تستشعر خطراً يستهدف أذرعها في المرحلة المقبلة بسبب الغليان الذي تعيشه المنطقة بفعل السلوك الخارجي للنظام الايراني الذي يواجه تحدياً في مرحلة قريبة جداً يتمثل بنتائج التحقيق الدولي الجاري حاليا لكشف ملابسات العدوان الذي استهدف منشآت النفط في المملكة العربية السعودية والجهة او الجهات التي تقف وراءه. ولن يكون حدثا عابرا ان ينتهي التحقيق الى القول ان مصدر الصواريخ والطائرات المسيّرة هو إيران او حتى العراق الذي لإيران فيه ذراع مهمة متمثلة بـ”الحشد الشعبي”.
 
هل يتحقق تحذير المرجع الامني الدولي؟ الايام الآتية ستقدم الجواب. لكن ما يدور في لبنان والمنطقة يوحي أن هناك أكثر من سبب يدفع “حزب الله” الى الانتقام.