لبنان ممر إيران إلى القدس

لا تزال إيران تجد السير بإتجاه فلسطين المحتلة لتحرير القدس وهو الشعار الذي رفعته الثورة الإسلامية الإيرانية منذ إنتصارها أواخر سبعينيات القرن الماضي على أعتى نظام ديكتاتوري في الشرق وربما في العالم، والذي كان حليفا لإسرائيل ويلعب دور الشرطي في منطقة الشرق الأوسط بتكليف غربي وشبه دولي. 
واستطاعت جموع الشعب الإيراني الغفيرة والتظاهرات المليونية أن تجتاح الركائز الأساسية والقوية التي كانت تشكل مصدر قوة للنظام الشاهنشاهي كجهاز المخابرات السافاك والجيش وباقي المؤسسات الأمنية والعسكرية والإقتصادية فاحتلتها وسيطرت عليها، وألقت القبض على رموز النظام وجرت محاكمتهم ونالوا عقابهم أما بالإعدام او السجن او النفي وفي غالب الأحيان كانت المحاكمات تتم ميدانيا من قبل محكمة الشعب التي كانت تصدر أحكامها غالبا بالإعدام رميًا بالرصاص او سحلا في الشوارع على مرأى ومسمع العالم كله. 
وبدت إسرائيل أمام هذا الانهيار الكبير لحليفها الشاه محمد رضا بهلوي ولنظامه والذي تم بسرعة قياسية، وأمام التهديدات المرعبة التي كان يطلقها قادة الثورة الإسلامية وكأنها الهدف التالي للثورة الإيرانية، حيث رفعت يافطات الموت لأميركا... الموت لإسرائيل  وصدحت الحناجر بأصوات القضاء على هذا العدو الإسرائيلي واسترجاع الأراضي الفلسطينية المحتلة وإعادتها إلى أصحابها الحقيقيين وهم الشعب الفلسطيني المظلوم بعد العمل على تسهيل عودته إلى أرض الوطن الأم من بلاد الشتات وخصوصًا مع الشعار الكبير الذي بدأ يلعلع في أركان المعمورة حربا.... حربًا حتى النصر.. زحفًا... زحفًا نحو القدس . 
ويترافق ذلك مع التلويح بفرض الخيارات الصعبة والمصيرية أمام الإسرائيليين أما العودة من حيث أتوا أو إغراق من ينجو منهم من القتل في البحر وفي أحسن الحالات العيش بسلام ودفع الجزية في ظل الدولة الفلسطينية التي سيتم تركيبها وتأسيسها بدعم ومساعدات من الإيرانيين. 

إقرأ أيضًا: إعجاز القانون الإنتخابي
فبدأ المشهد العربي في منطقة الشرق الأوسط والذي ارتسم بريشة الفنان الإيراني وكأن العرب باتوا على قاب قوسين او أدنى من زوال إسرائيل وعودة فلسطين دولة حرة عربية إلى الحضن العربي.
إلا أنه وبعد ثلاثة عقود ونصف العقد ونيف على هذه الثورة بدا واضحًا ان معركة التحرير الكبرى لا زالت بعيدة المنال وبعيدة جدا وأن العرب يعيشون في أوهام الشعارات الإيرانية وأن الزحف المقدس هو حلم جميل يدغدغ المشاعر ويعيش في عالم الخيال ليس إلا. 
ومن الصعوبة بمكان بل من الإستحالة ترجمته على أرض الواقع، سيما وأن إيران فرضت وقائع من خلال إستراتيجية التحرير تتمثل في أن الطريق إلى القدس يمر بمجمل عواصم المشرق العربي، وجحافل جيوش الحرس الثوري الإيراني التي انطلقت لتحرير فلسطين فإنها سلكت طريق تحرير البلدان العربية وخصوصا الدول الجارة والفاصلة بين إيران وإسرائيل من حكامها وانظمتها ولاحقا من شعوبها، إذ أن طريق تحرير القدس يمر في بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت وربما في الرياض ومكة والمدينة وباقي مشتقات الإمارات الخليجية بمن فيهم البحرين. 
فهذه كلها عراقيل وعوائق أمام المد الإيراني ولا بد من إزالتها حتى يسهل الطريق إلى فلسطين لتحريرها، وبالتالي فإن هناك حسابات مع الولايات المتحدة الأميركية لا بد لإيران من تصفيتها ولو كانت على حساب اي بلد عربي، كما تعرض له لبنان في تموز عام 2006 إذ أن الشعب اللبناني لا زال يدفع ثمن الخراب والدمار الذي لحق بمعظم مدنه وقراه وبنيته التحتية جراء هذه الحرب المدمرة والتي أجمع المراقبون على أنها لم تكن حربا بين إسرائيل واحد مكونات الواقع اللبناني وهو حزب الله بقدر ما كانت حربًا إيرانية - أميركية جاءت على وقع المفاوضات المتعثرة بين الطرفين على بعض الملفات العالقة بينهما ومنها ملف الأرصدة الإيرانية في المصارف الأميركية، حيث قامت القيادة الإيرانية بدفع حزب الله لإعطاء ذريعة لإسرائيل بخطف جنديين على الحدود الفاصلة بين لبنان وإسرائيل لخوض حرب شعواء فوق رؤوس اللبنانيين. 

إقرأ أيضًا: 
واليوم فهناك الكثير من أوجه الشبه مع معطيات ومسببات حرب تموز، فالتحالف الأميركي - الخليجي الجديد الذي يتكون بوجه إيران للحد من انتشارها ومشروعها التوسعي وبالتالي لقصقصة بعض أجنحتها التي تشكل مصدر قوة لها، فقد يلجأ قادة طهران لدفع حزب الله لإعطاء ذريعة لإسرائيل لخوض حرب على لبنان قد لا تبقي ولا تذر بغية الهاء المجتمع الدولي عن طموحات إيران التوسعية، وإعلان حزب الله مسؤوليته عن إغتيال الضابط الإسرائيلي المسؤول عن عملية تصفية أحد القادة الأمنيين لحزب الله يصب في هذا الإتجاه.