لم تغير تسوية انتخاب رئيس الجمهورية وتأليف الحكومة وإعادة إطلاق العمل التشريعي من أولويات "حزب الله" الذي ارتاح داخلياً بمشاركته في الحكومة، واطمأن إلى الموقف الرسمي الداعم له في مواجهة أي تطورات قد تحصل جنوباً، علماً أن معركة الحزب في سوريا لا تزال أولوية وفق ما أكد أمينه العام السيد حسن نصرالله في خطابيه الأخيرين، من دون أن يستبعد في الوقت عينه المعركة مع الإحتلال الإسرائيلي بإشارته إلى "الرد المزلزل" على أي اعتداء، وأن في إمكان "حزب الله" قصف العمق الإسرائيلي ومراكزه الحساسة إذا تعرضت المدن اللبنانية للقصف.

ولعل الأولوية التي يعطيها "حزب الله" لمعركته السورية، تترجم بانخراطه الواسع وتدخله وتورطه أكثر في الداخل السوري وعلى مختلف جبهات القتال في محافظاته، على رغم أن النظام السوري ارتاح بعد استعادة حلب وأجزاء من ريفيها، بدعم إيراني وروسي مباشرين، لذا لا يزال القسم الأكبر من مقاتليه هناك، ومنهم من قوات النخبة لديه والمقاتلين المتطوعين الذين اكتسبوا خبرة قتالية عالية. وهو، وفق مصادر سياسية متابعة لحركة الحزب، عوّض خلال الأشهر الستة الأخيرة الخسائر التي تعرض لها بتهيئته كوادر قتالية وقيادات ميدانية حلَت مكان قيادات عسكرية وأمنية وكوادر كان اعتمد عليها طوال عشرين عاماً سابقة، وفقدها في الحرب السورية، لا بل لأنه استطاع استيعاب الخسائر وتمكن بدعم إيراني مالي من الخروج من أزمة كانت تلوح بين جمهوره قبل سنتين، من جراء الخسائر وعدم ترجمة الكلفة إلى مكاسب على الأرض.
وبارتياحه الى مسار المعركة السورية، التي بدأت مرحلة مختلفة في التحالفات السياسية والأمنية، على رغم أن الإدارة الأميركية الجديدة شرعت في خطط جديدة في الموضوع السوري، بدأ "حزب الله"، وفق المصادر، بإعادة هيكلة قواته في الجنوب اللبناني والتركيز على احتمالات حصول معركة مع إسرائيل تنطلق شرارتها بحسابات أو رسائل على الحدود اللبنانية - الفلسطينية، فيما الأجواء الميدانية في الجنوب لا تشير إلى أي احتمال لحرب كبرى، على رغم أن الجيش الإسرائيلي يبني تحصينات في الجانب الآخر من الحدود، ويعزز ترسانته العسكرية وينصب أبراجاً الكترونية. في حين أن الأمور هادئة على الحدود من الجهة اللبنانية.
وفي المعلومات أن "حزب الله" أعاد هيكلة قواته العسكرية من النخبة في المقاومة الإسلامية وتنظيمها بإشراف مباشر من السيد نصرالله، فأعاد تثبيت مقاتليه في القرى الجنوبية ومنهم من شارك في القوة المضادة للدروع في مواجهة الدبابات الإسرائيلية في تموز وآب 2006، فيما نشر المزيد من المقاتلين المدربين، محتفظاً بقوته الصاروخية وعتاده المخبأ تحسباً لأي مواجهة، من دون أن يعني ذلك أن الحرب على الأبواب أو أن معركة كبرى ستحتدم في وقت قريب، وإن كانت المشاريع الإقليمية لا تعفي لبنان ولا تحيّده عن أي مواجهة أو استخدامه ساحة مواجهة ورسائل، وهو أمر قد يشعل الحرب نتيجة خطأ في الحسابات أو محاولة تحسين مراكز قوى. ويشير المصدر السياسي إلى أن الجميع بات على علم بقوة "حزب الله" وقدراته والدعم الذي يقدم له من إيران، إضافة الى تعويض الكثير من خسائره، لكن البعض يدفع الأمور الى مستوى غير مسبوق في تضخيم قدرات الحزب وكأنه جيش فوق الجيش، حيث الأمور في أي معركة مع إسرائيل تختلف ظروفها عن طبيعة التدخل في الحرب السورية. ويعلم الحزب وفق المصادر أن إطلاق الصواريخ البعيدة المدى ليس متاحاً من الداخل اللبناني لأنها تحتاج إلى قواعد لا يمكن إخفاؤها عن الطائرات الحربية، علماً أن "حزب الله" قد يعتمد في أي معركة على قوته الهجومية التي تطورت واكتسبت مهارات كبيرة في الحرب السورية التي لا يوافق الكثير من اللبنانيين على انخراطه فيها ومشاركته ضد قسم كبير من الشعب السوري.
ويأتي الكلام المرتفع السقف للسيد نصرالله، في ما يتعلق بأي مواجهة مع إسرائيل، كجزء من الحرب النفسية، تماماً مثل كلام "حزب الله" وحركته في منطقة الجولان، وحديث البعض عن احتمال فتح جبهة من هناك في حال اشتعلت جنوباً، وكذلك في حركة الحزب على الحدود مع فلسطين، وإن كانت مدنية، إلا أنها جزء من المعركة النفسية وتأكيد الوجود والإستعداد للمواجهة في الجنوب اللبناني. وإذا كان "حزب الله" مرتاحاً اليوم للوضع الداخلي، إلا أنه لا يكترث، وفق ما يقول السياسي، إذا كانت الأمور غير مستقرة لبنانياً لمواجهة اي حرب اسرائيلية محتملة، أو أي مواجهة إيرانية - أميركية قد يكون لبنان جزءاً منها. ذلك أن بنيته لا تزال وحدة قائمة في ذاتها في مختلف المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. لكن الأسئلة تبقى مشروعة، فما كان يميز الحزب في السابق هو أن سلاحه وبنيته القتالية غير مرئيين، وبالتالي كان يمتلك القدرة على المباغتة والقتال من دون أن يعرف الاحتلال الاسرائيلي عناصر قوته وتجهيزاته وعتاده. أما اليوم، فإنه يجاهر علناً بامتلاكه القوة، علماً أن لبنان والمنطقة يختلفان اليوم عما كان عليه الوضع في 2006 وقبل ذلك التاريخ أيضاً، فكان لبنان ساحته الأولى ومنزله، فيما هو اليوم منتشر في ساحات كثيرة، خصوصاً الساحة السورية التي أخذت الكثير من رصيده، ويمكن أن تكون ارتداداتها كبيرة في المستقبل.
يبدو الحزب اليوم مطمئناً الى أن لا حرب قريبة جنوباً، وعلى رغم تحوّطه، فهو يبني حساباته على هذا الأساس.