كل التوقعات تشير إلى أن الطبخة الحكومية استوت على تشكيلة لا تضمن “الثلث المعطل” لرئيس الجمهورية ولـ”التيار الوطني الحر”. عادت الامور إلى التشكيلة التي طُرحت أخيراً عندما اقتُرح إسم جواد عدرا ممثلاً لـ”اللقاء التشاوري” وملحقاً بحصة رئيس الجمهورية، من دون أن يكون صوتاً لحصته، وها هو الإسم يستبدل ليكون وزيراً “ملكاً” متقاطعاً بين حصة “حزب الله”، وإنْ كان يمثل “اللقاء” ضمن حصة الرئيس، لكنه لن يضاف إلى الوزراء العشرة كما طالب وزير الخارجية رئيس “التيار” جبران باسيل ليضمن “الثلث المعطل” في الحكومة. وفي حال شُكلت الحكومة بالصيغة التي سبقت التعطيل الأخير يكون لبنان ومعه الحكم، وفق مصادر سياسية متابعة، قد خسر أكثر من شهرين من الوقت ليعود إلى المربّع الذي يضمن تمثيلاً وازناً لقوى الممانعة وتحالف “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، مع نحو 18 وزيراً مضمونين يمكنهم الحسم في الحكومة وقراراتها وبيانها الوزاري.

جاءت التسوية الأخيرة التي ترفع منسوب التفاؤل في تشكيل الحكومة، عبر اتصالات بين باسيل ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي حذر من احتمال اللجوء إلى خيار الاعتذار إذا ما استمرت الأمور على حالها من التعطيل. لكن المحرك الأساسي لتليين موقف “التيار الوطني الحر” من “الثلث المعطل” كان “حزب الله” الذي سأل، وفق المصادر، عبر أحد مسؤوليه الكبار، الوزير باسيل عما يريده من “الثلث المعطل” وضد مَن، فأجاب أنه يهدف إلى انطلاقة قوية للعهد وحكومته كعنصر دفع لتنفيذ المشاريع التي يسعى إليها لمكافحة الفساد وفي السياسة والإصلاح. وعندما صارح “حزب الله” باسيل بأن قرار الحكومة محسوم للتحالف وأن “الثلث المعطل” مضمون في الأكثرية الحاسمة في الحكومة، لم يكن أمام باسيل ومعه العهد إلا الموافقة على الصيغة الأخيرة لاعتبارين: الأول أن رئيس الجمهورية ما عاد في إمكانه تحمّل تبعات الفراغ في عهده والذي يأخذ من رصيده ويجعله طرفاً سياسياً بين الأطراف وليس موقعاً مرجعياً في الحكم، والثاني ان العهد ومعه “التيار الوطني الحر” اقتنعا بأن “حزب الله” لا يعطي “الثلث المعطل” إلا بشروط وحسابات تنسجم مع مشروعه الداخلي والإقليمي، إضافة إلى أن الأطراف السياسية الأخرى ستحمّل “التيار” والعهد مسؤولية التعطيل، ما يؤدي إلى اهتزاز وضعه في الساحة المسيحية أمام منافسه حزب “القوات اللبنانية” الذي يتحفز ليقطف ثمار ما يتركه فشل العهد من تداعيات على الساحتين المسيحية واللبنانية.

في الوقائع، كان لافتاً موقف “اللقاء التشاوري” الذي رفض “الثلث المعطل”، وهو موقف لا يمكن إخراجه من دائرة هيمنة “حزب الله” الذي تولى عملية إقناع ممثلي “اللقاء” بالموافقة على إسم يكون وزيراً “ملكاً” ويتقاطع موقفه بين “اللقاء” و”الحزب” ورئاسة الجمهورية، فيحضر ممثل “اللقاء التشاوري” الذي يختاره رئيس الجمهورية اجتماعاته، ويصوّت داخل مجلس الوزراء بناءً على ما يقرره “اللقاء”، لكن في الوقت نفسه يُمكنه ان يُشارك من وقت الى آخر في اجتماعات تكتل “لبنان القوي”، وهذا يعني أن التموضع السياسي لممثله يكون محسوباً أكثر على “حزب الله” ويصوّت بما يتناسب مع الخط السياسي الممانع في مواجهة رئيس الحكومة المكلف. ومع حل عقدة سنّة 8 آذار تصبح عقدة تبادل الحقائب مسألة تفصيلية إذا كان الموضوع داخلياً فحسب، وفق ما تقول المصادر، أما إذا كانت لا تزال هناك عقدة إقليمية، فإن الموضوع الحكومي يصبح معلقاً بقراره، وهو أمر جرى تجاوزه، وفق المصادر، خصوصاً أن الهيمنة واضحة على مستوى الممانعة، فيما الرئيس الحريري ساهم في الحل وفي تقديم تنازلات سابقة، علماً أن العقدة كانت خلال الأشهر الماضية بين قوى الممانعة، وتتوزع خصوصاً بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.

وبدا أن الاتصالات والمساعي لإعادة ضبط الموضوع الحكومي وترتيب العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، أولوية، خصوصاً أن الطرفين تنبّها إلى أن ما حصّلاه على صعيد الحكم والهيمنة لا ينبغي التفريط بهما، انطلاقاً من المصالح المشتركة، وإن كان الحزب أكثر قدرة على الضغط والتحكم في الأمور استناداً إلى فائض قوته وتسلّحه بعناصر وازنة في البيئات الطائفية المضافة. وقد رست الأمور بوضوح، وفق ما تقول المصادر، على أن في إمكان الحزب تسجيل نقاط قوة ترفع رصيده في البيئة المسيحية، فيما “التيار” الذي وافق على اقتراحات “الحزب” لا يريد خسارة قوة الشيعية السياسية المهيمنة والقادرة اليوم، طالما انه غير قادر على تعويضها لا بثنائية مارونية – سنية لم يكتب لها النجاح مع الرئيس سعد الحريري، ولا في الساحة المسيحية التي تتطلب دائماً مواجهة مع “القوات اللبنانية” المنافس الأول له.

إذا سارت الأمور نحو التشكيل، يكون “حزب الله” قد ساهم في الحل، بعدما كان معطلاً بتمثيل سنّة 8 آذار، فيما تنازل “التيار الوطني الحر” الذي كان عطّل الولادة مع اشتراطه تأمين “الثلث المعطل”. لذا قامت التسوية على رفع رصيد نسبة التعطيل اذا اقتضى الأمر، وفي هذا مصلحة حاسمة لقوى الممانعة المسيطرة والمهيمنة، من دون أن تُعطى الكلمة الفصل للعهد ولتياره السياسي…