يتردد على ألسنة الناس عبارة تقول: "المثل ما ترك شي (شيء) إلاّ وقالو (وقاله)"، وهذه العبارة أو بالأحرى هذا "المثل" يعبّر عن انتشار ظاهرة "ضرب المثل" بين الناس، وعميق تأثيرها في النفوس، وهذه الظاهرة جديرة بالبحث والدرس على أكثر من صعيد، ومن أكثر من زاوية، فهي تستحق الدرس من زاوية معرفية، حيث يصار إلى رصد الأمثال وأنواعها، ودورها المؤثر في بناء ثقافة الشعوب، وهي تستحق الدرس أيضا من زاوية إسلامية، ليصار إلى ملاحظة مدى انسجام الأمثال المتداولة والمنتشرة بين الناس مع المفاهيم الإسلامية الأصيلة، وما يهمنا التطرق إليه في هذه الوقفة هو دراسة الأمثال من الزاوية الثانية.     
المثل أهميته وخصوصياته
     يرصد الباحث في أدبيات الشعوب المختلفة ظاهرة تعبيرية لها جماليتها الخاصة، وهي ظاهرة "ضرب المثل"، والأمثال هي كلمات مختصرة تتضمن حكمة معينة، أو فكرة ذات مغزى، وربما ارتبط المثل بحادثة معبرة ومؤثرة، ولأنّ الأمثال تُختار - عادة - بعناية ودقة، ويكون لها وقعها الخاص وجاذبيتها المميزة، فإنّها تنتشر بين الناس ويتمّ تداولها واستحضارها في المناسبات المشابهة .      وأهمية الأمثال أنّها تلعب دوراً فاعلاً في ثقافة الشعوب، ولها تأثيرها المباشر في السلوك الاجتماعي، حيث يُستحضر المثل باعتباره شاهداً على تأكيد فكرة وتعزيزها أو تفنيدها ورفضها، أو تشجيع الإنسان على اتخاذ موقف، أو ثنيه عن اتخاذه، وربما اكتسب المثل أحيانا سطوة معينة تجعل له قدرة على الحسم في موارد   اختلاف وجهات النظر، وكأنّه الفيصل أو الدليل المرجح لهذا الرأي على ذاك.      ومن مزايا المثل أنّه يُخرج الفكرة من تجريديتها ومثاليتها ويربطها بالواقع المعاش، كما أنّه يرفع من قيمتها ومقبوليتها لدى الطرف الآخر، فمن يطرح فكرة معينة ويدعمها بمثل سيكون لكلامه وقع في النفوس أكثر مما لو طرح الفكرة نفسها غير مدعومة بالمثل.       ومن مزايا المثل - أيضاً - أنّه يوصل الفكرة إلى الأذهان بألفاظ مختصرة وسهلة وخفيفة على حاسة السمع، ويمتاز بجرس إيقاعي خاص وسلاسة في التعبير، وكثيراً ما يحمل المثل غنى في المضمون ويعتمد على رصيد قوي وهو تجارب الحياة ودروسها، "إسأل مجرب ولا تسأل حكيم"، والتجربة تمثل مدرسة ملأى بالعبر والدروس، يقول إبراهيم النظام (ت231هـ): "تجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة" 1.   
أنواع المثل       والمثل على أنواع عديدة، فهناك الأمثال الحكمية وهي من أنفع الأمثال وأجلها، وهي قد تكون مستقاة من آية كريمة، أو حديث نبوي شريف أو كلام لأحد المعصومين، أو بيت شعر، أو حكمة شيخ قد خبر الحياة، أو رجل صاحب تجربة طويلة، والأمثال قد تتضمن مدحا، أو ذماً، أو اعتذاراً، أو تهكماً، أو وعظاً، إلى غير ذلك من الأغراض المختلفة.      وغالباً ما تكون للمثل مناسبة خاصة هي أشبه شيء بأسباب النزول بالنسبة للآيات المباركة، وقد لا يتمكن المرء من فهم المثل إلا بعد التعرف على مناسبته وظروف إطلاقه، من قبيل المثل الشائع على الألسن عندما يعبّر أحد الأشخاص عن سبب اتخاذه لموقف متعقل وغير متهور والذي قد يكون على حسابه، فإنه يقول مبررا موقفه هذا: أنا "أم الصبي"، أو يقول الأخرون له في ظرف مشابه: "أنت أم الصبي"، وهذا المثل قد يردده البعض دون أن يعي مناسبته، والمناسبة هي القصة المعروفة المروية عن أمير المؤمنين (ع) عندما رفعت إليه قضية تنازع بين امرأتين بشأن أمومة طفل من الأطفال، حيث ادعت كل واحدة منهما أنّها الأم، ولا بينة لإحداهما تثبت صدقها وتكذب الأخرى، فلجأ (ع) إلى اعتماد طريقة ذكية للتعرف على الأم الحقيقية، وهي أنّه طالب باحضار منشار، وقال للمرأتين سوف ننشر هذا الطفل نصفين ونعطي كل واحدة منكما نصفاً من هذا الطفل، ولم رأتها المرأتان وقد هم بنشره فعلا صرخت إحداهما أنا لست أمّه يا أمير المؤمنين، وإنما هو لتلك، أمّا الأخرى فآثرت السكوت وعدم الاكتراث، فقال(ع): للمرأة الوالهة االتي أنكرت كونها أماً : خذي هذا الصبي فأنت أمّه، ولما سئل: كيف عرفت أنّها هي الأم يا أمير المؤمنين (ع) ؟ قال: عرفت ذلك من خوفها وهلعها على الطفل لما رأتني حملت المنشار، فهذه اللهفة دليل أّها هي الأم، وكان الأمر كما قال (ع)، واعترفت الأخرى بأنها كاذبة في مدعاها.  
  المثل في الكتاب والسنة       وقد تضمن القرآن الكريم العديد من الأمثال، واستخدم هذه الطريقة باعتبارها فناً من فنون التعبير البليغ والمؤثر الذي يوصل الفكرة إلى الأذهان بأسلوب مختصر ومعبر، قال تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون} (الحشر )، ووردت كلمة "الأمثال" أو "المثل "في القرآن مرات عديدة، وقد كتب بعض العلماء عن ظاهرة الأمثال في القرآن الكريم 2، وعن خصائص المثل القرآني ومزاياه.      وأمّا في حديث النبي (ص) والأئمة من أهل البيت (ع) فقد استخدمت الأمثال كثيراً، لنفس الغرض، وهو هداية الناس والأخذ بأيديهم نحو الأفضل والأحسن، وقد جُمعت الأمثال النبوية في كتب مستقلة3.  
العرب والأمثال      وكما ذكرنا في مستهل الكلام، فإنّ ظاهرة الأمثال عرفتها مختلف شعوب العالم  من العرب و الفرس و الكرد وغيرهم من الأمم والشعوب، وقد انتشرت الأمثال عند العرب في الجاهلية، واستمرت بعد الإسلام، ولا تزال قائمة إلى يومنا هذا، وقد ألّفت كتب خاصة وعديدة حول الأمثال العربية، ومن أبرز هذه الكتب: كتاب "مجمع الأمثال" للميداني (ت 518هـ), إلى غيره من الكتب المختلفة والمؤلفة في هذا الفن 4.    وتتصف الأمثال العربية كغيرها من الأمثال بمزايا خاصة، وهي: القوة في المضمون، والإختصار في التعبير، إلاّ أنّ الكثير من الأمثال العربية القديمة قد هجرت ولم تعد مستخدمة ومتداولة، لتحل محلها أمثال جديدة، كما سنلاحظ ذلك فيما يلي ..  
الأمثال الشعبية وضرورة دراستها     إنّه ومع شيوع اللهجات العامية في شتى الأقطار العربية وحلولها محل الفصحى في التخاطب الشعبي امتدت ظاهرة "ضرب المثل" إلى اللهجات المحكيّة، فصار لدينا أمثال حجازية وأخرى شامية وثالثة عراقية ورابعة مصرية ... وقد كتبت كتب عديدة عن الأمثال الشعبية الشائعة والمنتشرة في مختلف الدول العربية والإسلامية..      والأمثال الشعبية العامية، هي الأخرى حصيلة خبرة اجتماعية أو تجربة إنسانية، ولذا فإنك تجد في الكثير منها الغنى في المضمون، والإيجاز في التعبير، ولا تخلو أحياناً من الحس النقدي، أو اللغة الساخرة والهزليّة ..    وحيث كان للأمثال على اختلاف أنواعها هذا التأثير الكبيرعلى المستوى الثقافي و الاجتماعي والتربوي، وكانت تمتلك قدرا من السلطة الإقناعية كان من الضروري أن تتم دراستها، بغية التعرف على مدى انسجام مضمونها الفكري مع المضامين الإسلامية الأصيلة، أو مدى مساهمتها في تنمية الفكر والروح، أو تحفيز الإنسان ودفعه نحو عمل الخير والتعاون، فإنّ أي انحراف فكري أو عقدي تتضمنه الأمثال سيساهم في تشويه المفاهيم الدينية الأصيلة، وسوف ينعكس سلباً على حياة الفرد وسلوكه، وما يعنينا بالدرس هنا هو الأمثال الشائعة والمتداولة بين الناس والتي لها حضور وتأثير في حياتهم، أما الأمثال العربية البائدة فلا نجد ضرورة لبحثها وتقييمها، إلا إذا أريد بحثها من الزاوية التاريخية البحتة .
  نماذج من الأمثال العامية الخاطئة       وفيما يلي سوف نشير إلى نماذج متنوعة من الأمثال العامية المنتشرة في بعض البلدان العربية، ولاسيما في بلاد الشام، والنماذج المختارة هي عينات من الأمثال التي تختزن مضامين منافية للإسلام في عقيدته أو شريعته وقيمه الأخلاقية الرفيعة والسامية.     
في الأمثال المنافية للعقيدة:   أما في المجال العقدي، فيمكننا أن نشير إلى جملة من الأمثال التي تتنافى وأصالة المعتقدات الإسلامية :    1
-
 عقيدة الجبر: تفوح من بعض الأمثال الشعبية رائحة عقيدة الجبر، وأن الإنسان لا يستطيع تغيير المكتوب عليه والمقدر له، يقول المثل:" المكتوب ما منو مهروب"، وهذا معتقد مرفوض إسلامياً، لأنّ الإنسان وفق الرؤية القرآنية والإسلامية مختار في أفعاله وأقواله، وهو الذي يصنع قضاءه باختياره وإرادته، والمكتوب هو صفحة تعكس ما سيفعله الإنسان باختياره، فالله إنما كـتب علينا ما علم أننا سنفعله باختيارنا، ولم يقهرنا على فعل ما هو مكتوب في سجل أعمالنا.   
2- نسبة الظلم أو النقص إلى الله: وثمة أمثال منتشرة بين الناس وهي تنسب الظلم أو بعض صفات النقص إلى الله تعالى، من قبيل المثل القائل: "ربنا بيطعم ناس وبيحرم ناس". فهذا المثل غير صحيح إطلاقاً، لأنّ سنة الله جرت على توفير أسباب الرزق للبر والفاجر، فمن أحسن الإستفادة من المقدرات المودعة في الأرض فبيده وحسن اختياره، ومن أساء الإفادة منها فبيده أيضاً وسوء اختياره، ففي الحديث عن أبي جعفر الباقر(ع): "إنّ هذه الدنيا يعطاها البر والفاجر وإنّ هذا الدين لا يعطاه إلا أهله خاصة" 6، وهناك  سبب آخر لهذا التفاوت بين الناس في الأرزاق، وهو عدم قيام الأثرياء بواجبهم الديني والأخلاقي تجاه الفقراء والمعوزين، ففي الحديث الصحيح عن الإمام الباقر (ع):"..إن الله فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم، إنّهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله، ولكن أتوا من قبل منع من منعهم حقهم، لا مما فرض الله لهم، ولو أنّ الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير" 6.   وتندرج في هذا السياق بعض الأمثال التي تتحدث عنه تعالى بكلمات لا تليق بقدسه، ولا تتناسب مع جلالته وعظمته، من قبيل المثل القائل:" ربنا بيسمع بالمقلوب"، فمقتضى الأدب عدم استخدام هذه التعابير في حقه تعالى .  
3- تقليد الآباء: ومن الأمثال التي نرى أنّها منافية للمفاهيم العقدية الإسلامية أمثلة تبرر تقليد الآباء والأجداد والاستمرار على دينهم دون بحث أو درس أو نظر، يقول المثل الشعبي: "كل مين على دينو الله يعينو".   4
-
في الحظ، يقول المثل المصري، "إديني حظ وارميني في البحر"، وفي مثل مصري آخر حول الحظ يقال: "الحظ لما يواتي يخلي الأعمى ساعاتي والمكسح عجلاتي"، وفي بعض بلاد الشام يقال: "اللي ما إلو حظ ما يتعب ولا يشقى"، وقد ذكرنا هذه الأمثال في (كتاب ظواهر ليست من الدين) عند الحديث عن مفهوم الحظ، وقلنا هناك: إنّ هذ المفهوم لا يخلو من شائبة الشرك والجبر، وأنّ البعض يتشبث بهذه الأمثال ليبرر فشله في الحياة.
  في الأمثال المنافية للقيم الدينية والأخلاقية     وفي الحقل الاجتماعي والأخلاقي نرصد العديد من الأمثال التي تختزن مفاهيم مغلوطة أو مضامين سلبية لا تساعد على التراحم أو التواصل، بل إنها قد تشجع على قيم غير سليمة، وسلوكيات منحرفة، وبعضها يتنافى مع المفاهيم الدينية، أو الأحكام الشرعية، وفيما يلي نسلط الضوء على أهم تلك الأمثال:   1
-
ذم أصحاب بعض المهن: نرصد في بعض الأمثال الشعبيّة ذماً لأصجاب بعض المهن دون استثناء، وهو ذمّ قد يكون له ظروفه التاريخية، وربما كان ناشئاً عن تجارب واقعية مريرة مع الكثير من أصحاب هذه المهن، ولكنّ ذلك لا يبرر التعميم في الحكم لكل فرد يمتهن تلك المهنة، فضلا عن التعميم لكل الأزمان، فإنّ هذا قد يدخل في الغيبة العامة، وهي أشد إثماً وقبحاً من غيبة الأفراد، وربما يستسهل البعض الإتهام في هذا المجال، على اعتبار أنّ المثل قال ذلك، فكأنه يعفي نفسه من مسؤلية الكلمة، ومن نماذج ذلك المثل القائل:  "القصاب نصاب"، أو المثل القائل: "التاجر فاجر"، والمثل الأخير مأخوذ من بعض الروايات، إلا أنّ للرواية تتمة تحول دون هذا التعميم، والرواية هي قول علي (ع) فيما روي عنه: "التاجر فاجر، والفاجر في النار إلاّ من أخذ الحق وأعطى الحق" 7.  
2-تبرير الذل والجبن: وهناك أمثال عديدة تشجع على الاستسلام والذل والإبتعاد عن مواقع الجهاد في سبيل الله، وتبرر الانهزام والفرار من الزحف، من قبيل الأمثال التالية: "ألف كلمة جبان ولا كلمة الله يرحمو"، "الهريبة ثلثين المراجل"، "اللي بيموت بتروح عليه "، "العين ما بتقاوم المخرز".   3
-
 الأنانية: وثمة أمثال منافية للأخلاق الفاضلة والتعالية الدينية التي تشجع على الإيثار والإحساس بالآخرين، من هذه الأمثال: "نفسي نفسي والنجاة من النار"، "من بعد حماري ما ينبت حشيش"، وقد يستخدم المثل التالي للمضمون نفسه، أعني التنصل من تحمل المسؤلية العامة، وهو المثل القائل: "كل عنزة معلقة بكراعيبها"، وربما يستخدم المثل المذكور للتعبير عن غرض سليم، وهو الإشارة إلى أنّ العقوبة  أو المحاسبة في مواردها تكون فردية، على قاعدة: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.   
4- الحث على المداهنة: وتدعو بعض الأمثال إلى مداهنة القوي، أوالتلوّن بحسب ما تقتضيه المصالح، أو المماشاة مع الفكر السائد بما يتلاقى مع بعض الدعوات الباطنية، ومن ذلك قولهم: "عا هوا السوق سوق"، أو قولهم: "حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس"، وفي هذا السياق يأتي المثل القائل: "الإيد اللي ما بتقدر عليها بوسها وادعي عليها بالكسر".   وغير بعيد عن ذلك ما يدعو إلى الممالأة، ويندرج في ذلك المثل العراقي القائل: "إذا حاجتك صارت عند كلب سميه حج كلب" 8.    5
-
معيار التفاضل والغنى: ومن الأمثال التي تحمل مضامين خاطئة وتبشّر بقيم غير سويّة تلك الأمثال التي ترجع التفاضل بين الناس إلى اعتبارات لا علاقة لها بالخلق الحسن ولا بالدين ولا بالإستقامة ولا بالعلم، وإنّما مقياس التفاضل هو المال والجاه، من قبيل الأمثال التالية: "معك فرنك بتسوى فرنك"، أو "معك قرش بتسوى قرش"، أو "بطن مليانة كيف تمام"، أو "الفلوس بتسقي بجهنم بقسما"، ونحو ذلك مما هو مخالف للمفاهيم الإسلامية التي تنص على أنّ المال ليس معياراً سليماً في التفاضل، يقول أمير المؤمنين(ع):" يا كميل العلم خير من المال والعلم يحرسك وأنت تحرس المال، وصنيع المال يزول بزواله...9    ومما يندرج في هذا السياق المثل القائل:"الفلوس بتجيب العروس"، فهو مخالف لقوله (ص): "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن   فتنة وفساد كبير" .10  
6-تبرير المعاصي: ونجد في بعض الأمثال ما يشجع على التحلل من بعض الظوابط أو التهوين من المعاصي أو تبريرها على أساس  "ساعة إلك وساعة لربك"، كما يقول المثل.   7
-
إحتقار الإنسان: ومن الأمثال الخاطئة: تلك الأمثال التي تتضمن احتقاراً للإنسان وتحمل يأساً من إمكانية تغييره أو تشجّع على عدم اصطناع المعروف إزاءه، من قبيل المثل القائل: "عوّد كلب ولا تعوّد ابن آدم" أو المثل: "ربي جرو ولا تربي ابن آدم"، إننا لا نستطيع القبول بهذه الأمثال، لا لمنافتها لمبدأ التكريم الإلهي لبني آدم فحسب، قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً}( الإسراء:70)، بل لأنّها قد تختزن دعوة سلبية إلى عدم فعل المعروف مع الناس، بحجة أنهم قد لا يقابلون معروفك بمعروف مثله، ولا  يقدّرون الجميل، وهذه دعوة مرفوضة في منطق الإسلام وفي قاموس الخلق الرفيع، فالإسلام يدعو إلى اصطناع المعروف وفعله  لذاته  ومن دون انتظار مديح أو إطراء أو جائزة، وسواء أكان الطرف الآخر من أهل المعروف أو من غير أهله، ففي الحديث الصحيح عن أبي عبد الله (ع): "إصنع المعروف إلى من هو أهله وإلى من ليس من أهله، فإن لم يكن هو أهله، فكن أنت من أهله" 11.  
8-العلاقة بين الكنة والحما: وفي المجال الاجتماعي أيضا نعثر على أمثال توغر صدر الكنة تجاه الحما، وبالعكس، وهذا يساهم في توتير العلاقات الاجتماعية، من قبيل المثل القائل: "مكتوب عا باب الجنة ما في كنة بتحب حما"، أو المثل القائل: "حماتك الله يحميها وبنار جهنم يكويها". ولا يسعنا إلا رفض المضمون الذي تحمله هذه الأمثال، لأنها تشجع أو تبرر العداوة والبغضاء والضغينة بين الناس.  
9-اعتماد العنف والقساوة مع الناس: وتشجع بعض الأمثال العامية على ظهور الإنسان بمظهر المتجبر الغليظ، أو اعتماده القسوة والعنف والشدة في التعامل مع الناس، بحجة أنه بذلك يهابه الناس، فلا يتطاولون عليه، أو أنّ ذلك يساعده على تحقيق حاجاته ورغباته، دون أن يعتدي عليه أحد، وذلك من قبيل المثل القائل:"كشّر عن نيابك كل الناس بتهابك"، وهذا المفهوم خاطىء ومناف للتعاليم الإسلامية التي تدعو إلى اعتماد الرفق منهجا في الحياة، وأن يكون الإنسان بشوشاً ليناً قال تعالى:{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداواة كأنه ولي حميم}،( فصلت 34)، وفي الحديث عن علي (ع) قال: " قال رسول الله(ص): المؤمن لين هيّن سمح له خلق حسن، والكافر فظ غليظ له خلق سيء وفيه جبرية" 12.    10
- ترك الشفاعة في الزواج:
 ومن الأمثال البعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام: المثل التالي الذي يزهّد في السعي إلى تزويج محتاجي الزواج، يقول المثل: "إمش بجنازة ولا تمشي بجوازة"، وهذا مفهوم مخالف لما جاء في النصوص التي تحث على مساعدة الراغبين في الزواج والسعي في هذا السبيل، قال تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم}. (النور: 53)، وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) عن جده أمير المؤمنين(ع): "أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع الله بينهما" 13، وفي حديث آخر عنه (ع):" من زوّج أعزبأ كان ممن ينظر الله إليه يوم القيامة" 14.   11
-العصبية الجاهلية:
 وتتضمن بعض الأمثال استعادة بيّنة لقيم الجاهلية ومنطقها البائد الذي محاه الإسلام، من قبيل المثل القائل " ابن ابنك ابنك، وابن بنتك لأ "، أو المثل الآخر القائل: "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"، فمنطق الإسلام يرفض هذا العصبية المقيتة، ويقول: كن إلى جانب المظلوم والمحق ولو كان غريباً، وقف في وجه الظالم ولو كان قريباً، يقول علي (ع) في وصيته للحسن والحسين (ع): "كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً" 15، ويقول (ع) فيما روي عنه: "إنّ ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته" 16.
  12-"لا سلام على الطعام": يتردد هذ المثل على الألسنة باعتباره أدباً خاصاً فيما يتصل بآداب الطعام، وربما خاله بعض الناس حديثاً شريفاً، وهو ليس كذلك، فلم يرد مثل هذا الكلام في روايات الفريقين (السنة والشيعة) لا منسوباً إلى النبي (ص) ولا إلى الأئمة من أهل البيت (ع)، بل إنّ ما دل على استحباب السلام شامل للمقام، وقد ورد في بعض الروايات أنّ الجالس على الطعام لا ينبغي له أن يدعو الداخل إلى  طعامه حتى يسلّم،ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال : قال رسول الله (ص) : "لا تدع إلى طعامك أحدا حتى يسلّم" 17، أجل قد يكون لهذا المثل وجه مقبول شرعا إذا أريد به النهي عن مصافحة الجالسين على الطعام، ولا سيما إذا استوجب ذلك إحراجهم ودفعهم للقيام له.      هذه بعض النماذج من الأمثال الشعبية المتداولة بين الناس في كثير من الدول العربية والتي تحمل معان أو مفاهيم  أو تتضن دلالات لا تنسجم مع الإسلام عقيدة أو شريعة، وهناك أمثال أخرى يستطيع المتتبع العثور عليها.      1-   مجمع الأمثال ج1 ص6.  2-  أنظر: الأمثال في القرآن الكريم للشيخ جعفر السبحاني. 3-  أنظر: الأمثال النبوية للشيخ محمد الغروي. 4-   أنظر حول الكتب المؤلفة في الأمثال كتاب: إيضاح المكنون لإسماعيل باشا البغدادي ج2 ص272- و273، وكتاب: الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج  ص 346- 347 وج11 ص 114.... 5-  المحاسن للبرقي ج1 ص217. 6-  الكافي للكليني ج3 ص496. 7-  الكافي ج5 ص150. 8-  الأمثال البغدادية ج1 ص21. 9-  نهج البلاغة. 10- الكافي ج9 ص347. 11-  وسائل الشيعة ج16 ص296، الحديث 1 الباب 3 من أبواب فعل المعروف، والروايات في هذا المعنى كثيرة. 12-  الأمالي للشيخ الطوسي ص366. 13-  الكافي ج5 ص332 14-  المصدر نفسه. 15-  نهج البلاغة. 16-  نهج البلاغة. 17-  وسائل الشيعة ج12 ص57 الحديث 6 الباب 32 من  أبواب أحكام العشرة.